راعني أكثر في مداخلة الدكتور طيب تيزيني بالمكتبة الوطنية الجزائرية أنه دعا الدول العربية إلى نهضة تقوم على مشروع التوحيد وتتكئ على الحامل السياسي وهو الحرية والتعددية، وحامل اجتماعي وهو دور النخب والمجتمع المدني، وحامل ثقافي لا يقصي التيار الإسلاموي أو يهمشه. ربما هي المرة الأولى فيما أعلم التي يفتح فيها أحد المفكرين العرب القوميين على حقيقة الإسلام السياسي ووجوده في المجتمعات العربية، وما يمثله من حضور حزبي وسياسي وجمعوي في بعضها على الأقل. لم يشفع للأنظمة العربية القائمة في المنطقة أن تنهي ظاهرة الإسلام السياسي في أقطارها بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن من مواجهتها البوليسية المستمرة في أحايين كثيرة لعناصر هذه التنظيمات والجماعات، ولم تقدر على إنهاء هذه الظاهرة حتى بالتزوير في الانتخابات والتضييق على الحريات والنشاط الإعلامي والفكري، ولا تزال دول كثيرة عاجزة عن استيعاب هذا التيار ضمن آليات الديمقراطية والتعددية والانتخابات. أشهد أن هذا التيار أيضا لم يقو على فقه المرحلة ولا الإجابة على أسئلة الحداثة ورهانات العولمة، ولا يزيل في كثير من التنظيمات أسير خطاب سلفي ماضوي يفتقر لقوة التدافع السلمي وثقافة التي هي أحسن، ومع ذلك فإن المنزعجين من مفكري اليسار واليمين والقوميين العرب ظلوا باستمرار يعبّرون عن تحاملهم أو استخفافهم من أطروحات المفكرين الإسلاميين أو الإسلامويين كما يسميهم آخرون.. منذ أكثر من عقد بادر أولوا البصائر من الجانبين، إسلاميون ويساريون وقوميون في إجراء حوار ممتد للوقوف على عتبات الالتقاء في مسائل فكرية وثقافية ظلت محل خلاف باستمرار طيلة القرن الماضي، غير أن جولات الحوار والسجال بينهما لا تزال محتشمة والنتائج قليلة. ربما فتحت دعوة المفكر طيب تيزيني الباب مشرعا أمام تغيير النظرة غير المنصفة والمريبة لهذا التيار، وسيكون من المفيد حتما الجلوس إلى الرأي والرأي الآخر وأن يصغي كل طرف إلى الآخر، فما من مصيبة نكبة تُمنى بها الأمة مثل الإقصاء والاستئصال، والنتائج لا محالة ماثلة..! "نقف الآن كعرب عند مرحلة الدولة الأمنية التي أفسدت كل شيء وتعوّم الفساد، وتريد أن تُصادر كل شيء حتى الحلم.."! الدكتور طيب تيزيني