الربيع العربي انتهى دون أن يثمر حرية ولا ديمقراطية، فالمرحلة الانتقالية التي كان من المفترض أن تعيشها الدول التي شهدت تغييرا في الأنظمة السياسية الحاكمة تحولت إلى كابوس حقيقي، وهناك مخاطر فعلية للعودة إلى نقطة الصفر. في تونس الصراعات السياسية تعمق الهوة بين مختلف التيارات السياسية وتدفع المجتمع إلى مزيد من الانقسام، حكومة النهضة مغضوب عليها من قبل السلفيين الذين يتهمونها بالانحراف عن مبادئ الإسلام، وتواجه سخط العلمانيين الذين يتهمونها بدفع البلاد نحو الظلامية، وحتى الرئيس التونسي، وهو مناضل من أجل الديمقراطية، لم يجد كيف يوفق بين من يريد أن يمنع الفتاة التي ترتدي النقاب من دخول الجامعة، وذلك الذي يحمل هراوة ويتجه إلى ملهى أو حانة لغلقهما. في مصر أيضا لا يزال الاستقطاب شديدا بين أنصار الرئيس وخصومه، وفي الوقت نفسه ظهر من يقتل الجنود في سيناء أو يخطفهم أحياء، ولا شيء يوحي بأن الوضع سيتغير قريبا، فالثورة صارت ورقة ضغط يخرجها كل من يشعر بالظلم والحيف، حتى أن الملايين من المصريين يهددون بالثورة على كل وضع لا يعجبهم. وفي سوريا تحول الربيع المزعوم إلى حمام دم ومشاهد مخزية لأكل قلوب البشر وأكبادهم، وصارت البلاد أكبر مخبر لصناعة الأخبار الكاذبة وترويج الإشاعات التي غيبت الحقيقة، وبدل البحث عن بناء نظام ديمقراطي يضمن الحرية والعدالة للجميع أصبح الهدف هو الخروج من المستنقع وبأي ثمن، والظاهر أن التسوية ستتم بإرادة الفاعلين الدوليين ليتم تغييب جميع السوريين على اختلاف مواقفهم. القاسم المشترك بين هذه التجارب هو غياب حد أدنى من التوافق على الأولويات، كل فريق يعتقد أنه يملك الحقيقة، وهو مستعد لفرض خياراته بكل الوسائل بما فيها العنف، والأطراف التي تدعو إلى الحوار في كل هذه الحالات هي الأضعف والأبعد عن السلطة، وفي المحصلة فإن الربيع الديمقراطي لا ينتج إلا شكلا جديدا من الاستبداد في البلاد العربية، والأمر على ما يبدو مرتبطة بالذهنية التي لن تتغير بتغير الحكام والأنظمة.