اطلعت على ما تناقلته بعض الجرائد الوطنية والتي تفيد أنكم، خلال ندوة نظمت بمناسبة الذكرى 59 لاندلاع ثورة نوفمبر المجيدة، تتمنون حدوث نوفمبر ثاني في الجزائر. أقول لكم، حسب ما أراه وأؤمن به، دون أن أصادر حقكم في الرأي، إن هناك ثورة نوفمبر واحدة في الجزائر، لن تتكرر في الشكل الذي ترجونه ولن تكون هناك نسخة مكررة منها، خاصه وأنتم تعتبرون - وهذا رأيكم- أن بيان نوفمبر قد تعرض للخيانة خلال الفترات المتتالية التي عرفتها البلاد. إني أسألكم، مخاطبا فيكم الضمير، هل المبادرات الشجاعة التي مكنتكم أنتم وغيركم من البروز في الساحة السياسية خيانة، أم إنها تندرج في سياق تطبيق البندين اللذين ينص عليهما ذلك البيان الفريد »تأسيس جمهورية ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية«. ثم، هل السياسة الاجتماعية التي انتهجت منذ استعادة السيادة الوطنية إلى حد الآن والتي أنتجت ملايين السكنات ومئات المستشفيات والعيادات وآلاف المؤسسات التعليمية في جميع الأطوار وعشرات الجامعات وآلاف الكيلومترات من الطرقات، بما فيها الطريق السيار وترقية الإنسان الجزائري اجتماعيا وثقافيا وبناء مؤسسات دستورية برلمانية ديمقراطية ومجالس محلية منتخبة وكيان دولة وجيش وطني شعبي ومصالح أمن أثبتت جدارتها ويفتخر بها الشعب الجزائري ويحسد عليها من طرف الصديق قبل العدو. أهذا كله يعتبر تنفيذا للمبادئ التي نص عليها بيان أول نوفمبر في شقها الاجتماعي، أم لا. أما فيما يخص رأيك في جيش التحرير الوطني ومحاولة فصل مجاهدي الداخل عن مجاهدي الخارج، أؤكد لك بأن هذا الأمر أكبر مني ومنك ومن غيرنا أيضا، ذلك أن وحدة صف جيش التحرير الوطني مقدسة، وهي التي مكنتنا من الوصول إلى نعمة الاستقلال الكامل التي يتمتع بها شعبنا، وأعتقد أنه مطلوب منا جميعا، مهما كانت مشاربنا الفكرية والسياسية، أن نصون هذا الاستقلال الذي تحقق بفضل التضحيات الجليلة للمجاهدات والمجاهدين، لا أن نخرب أسسه ونضرب أركانه، من خلال إطلاق تهمة الخيانة وما شابه ذلك من أحكام خطيرة، قد لا تكلف أصحابها شيئا. ثم أذكرك، يا أخي عبد الرزاق، بالحكمة التي مفادها »نضرب أنا خويا ولا نسمح للغير أن يفعل ذلك«، وإني أتساءل معك: هل الحراك السياسي يدفع بنا إلى المساس بما هو مقدس لدى الشعب الجزائري، إلى درجة الحديث أو التمني بحدوث نوفمبر ثاني وكذا شهداء آخرين. مما يعني أننا بصدد التنكر لتلك الثورة المباركة التي، عنوانها أول نوفمبر 1954 وطي صفحة رموزها الميامين من الشهداء الأبرار والمجاهدين الأخيار. أرجو أن تكون تلك الأمنيات التي راودتك، يا سي مقري، مجرد كوابيس مزعجة لا تلبث أن تزول، ذلك أن نوفمبر المجيد، الذي سجل اسمه بأحرف من نور في كتاب التاريخ، يرفض أن تكون له ضرة ويأبى أن ينزل من عليائه أو يتنازل عن سلطانه. أما فيما يخص تحاملك على شخصي في أحد تدخلاتك في فرانس ,24 حول تقرير لجنة التحقيق حول سير انتخابات ,1997 فأقول لك: حسبي الله ونعم الوكيل، وهذا في تقديري هو الجواب البليغ على ذلك التحامل، الذي لا أريد الرد عنه أو الخوض فيه.