صادف تنظيم الجولة الإعلامية التكوينية السياحة لولاية سكيكدة من طرف الجمعية الوطنية للإعلاميين المتخصصين في السياحة الاحتفالات المخلدة لذكرى 20 أوت 1955، الجولة كانت فرصة لاستكشاف المخزون السياحي والطبيعي للمنطقة ومناسبة للدخول في أغوار التاريخ واستنطاق رموزه. 30 إعلاميا عقدوا العزم على ركوب متاعب الرحلة من العاصمة نحو روسيكادا لنقل صور جمال الطبيعة الممزوج بنكهة ماض مشرف مازالت شواهده راسخة إلى اليوم، تلاقحت في خضمه زرقة البحر مع فنون العيش التي أسس لها أهل المنطقة، فكانت المتعة حاضرة مع التجربة النادرة لتصنع منتوجا سياحيا قابل للترويج ،بل والاستهلاك بلذة من طرف الجزائريين أولا.. لم يكن من السهل في بداية الرحلة التي تفضلت وزارة التهيئة العمرانية والسياحة والصناعة التقليدية بتمويلها، تحديد أهميتها بالنسبة للجيل الجديد من الإعلاميين المرافقين لخرجة الجمعية الوطنية »أقلام سياحية«، لكن ما إن دخلب البرنامج حيز التنفيذ حتى بدأت المعالم تتضح والرؤى تنجلي أمامهم. فالربط بين السياحة والتاريخ كان أقرب إلى معادلة غير متطابقة في منظور البعض. وفي هذا باشر المؤطرون من أعضاء المكتب الوطني في شرح أهداف » الجولة الإعلامية التكوينية السياحية« التي تندرج في أساسها ضمن البرنامج السنوي الهادف إلى تكوين إعلاميين متخصصين في السياحة إلى جانب توفير المادة الإعلامية التي تمكنهم من الترويج للمقاصد السياحية التي يجهل كنوزها الكثير من الجزائريين بالدرجة الأولى. واختيار ولاية سكيكدة في الفترة الممتدة بين 19 أوت إلى 22 من نفس الشهر جاء تزامنا مع الذكرى ال 60 لهجومات الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955 والأحداث التي صحبتها. ومن أجل ربط الحاضر بالماضي والتأسيس لسياحة الذاكرة أو ما يعرف بالسياحة التاريخية الرائجة في كثير من البلدان، عمدت الجمعية الوطنية للإعلاميين، حسب تأكيد عضو قيادي بها، إلى الربط بين استحضار الماضي المشرف لجيل الثورة التحريرية بالحاضر الذي يدعو الأجيال الجديدة لبذل المزيد من الجهود لتحقيق التنمية المنشودة وكذا استلهام العبر والدروس من محطات التاريخ لتأكيد الانتماء لهذا الوطن«. وأضاف ذات المصدر، أن سكيكدة لم تختر بمحض الصدفة، »فهي الوجهة السياحية التي تلقى إقبالا من طرف السياح في فصل الصيف فقط، رغم قلة هياكل الاستقبال بها، لكن دون سائر أيام وأشهر السنة«، لأنه بكل بساطة، »كثير من الجزائريين يجهلون الكنوز التي تحتويها هذه المنطقة«، فهي الولاية التي تملك 140 كلم من الشريط الساحلي و 46 شاطئا، عدد كبير من هذه الشواطئ نادر وفاتن الجمال، لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال ركوب قارب يوصلك إليه لعزلتها بين زرقة البحر واخضرار الجبال المحيطة بها. كما أن المنطقة كانت مهدا لاستقرار الإنسان الأول، إذ يوجد بها وبالتحديد في منطقة القل قبور تعود إلى الإنسان البونيقي، زد على ذلك فإن »روسيكادا« أو »فيليب فيل« كما كانت يسميها الإغريق والرومان ومن بعدهم الفرنسيين خلال الحقبة الاستعمارية تحتوي إلى اليوم مواقع ومشاهد لا تعد ولا تحصى، حاول الديوان المحلي للسياحة حصرها من خلال دليل سياحي بسيط لكنه، حسب المهتمين بالشأن السياحي للمنطقة، لا يمكنه أن يفي بالغرض لأن المنطقة اكبر من أن تلخص في صفحات. فهي التي احتوت أيضا الكثير من الشواهد على مرور شعوب وحضارات بها إلى جانب عدد من القصور التي تعود الى فترة التواجد العثماني على غرار »قصر مريم عزة« بمدينة سكيكدة و»مسجد سيدي علي الكبير« المشيد سنة 1756 ميلادي بالقرب من ميناء القل ناهيك عن القبور التي تعود إلى الفترة البونيقية والتي اكتشفت بأعالي منطقة القل. وكانت فرصة الزيارة التي احتوت أيضا على برنامج تكويني لفائدة 30 إعلاميا مشاركا في هذه الجولة مناسبة أيضا لاكتشاف أكبر معرض من اللوحات النادرة ب»النزل البلدي« مقر بلدية سكيكدة حاليا والتي تعود لبداية القرن الماضي لفنانين على غرار »آدام ستيكا« و »ج.ف.رافاييللي« المستقدمة سنوات الثلاثينيات و الأربعينيات من القرن الماضي من طرف رئيس بلدية »فليب فيل« »بول كيتولي« والتي مازالت تزين جدران ومكتب رئيس البلدية إلى اليوم. سكيكدة، ليست الماضي البعيد فقط بل هي أيضا الماضي القريب الذي صنعه جيل الثورة التحريرية الذي لقنوا الاستعمار دروسا لا تنسى، فالمناسبة كانت فرصة للوفد الإعلامي لأخذ جرعة من الفخر والاعتزاز وهم يقفون وقفة ترحم يوم 20 أوت على أرواح الشهداء الثورة بالملعب بالبلدي الذي يحمل اسم الذكرى. وتأكيدا الربط بين الماضي والحاضر »ألحت الجمعية الوطنية للإعلاميين المتخصصين في السياحة أن تكون هذه المحطة ضمن برنامج الزيارة بغية التأسيس للسياحة التاريخية أو ما يعرف عند البعض بسياحة الذاكرة«، وحسب ما أوضح في هذا الشأن عضو في المكتب الوطني، فان »الجزائر مازالت بحاجة إلى الترويج لمثل هذا النوع من السياحة، في حين أن كل جزء من ربوع الوطن يحكي قصة بطولات قلما يذكرها الجيل الجديد«.مضيفا، أن السياحة ليست البحر والطبيعة وأماكن التسلية بل هي أيضا الذاكرة التاريخية التي لا يأتي ذكرها سوى في المناسبات. واعتبر ذات المصدر أن من بين مهام جمعية »أقلام سياحية« السعي لنفض الغبار عن مثل هذه المواقع جعلها ضمن مسارات سياحية بإمكان أصحاب الوكالات السياحية تسويقها لزبائنهم في إطار السياحة الاستقبالية. وللإشارة، فان كانت ولاية سكيكدة تعرف استقطابا كبيرا للمصطافين كل موسم اصطياف، وصل هذا الموسم إلى أزيد من 3.3 مليون سائح خلال الفاتح جوان إلى غاية 28 أوت 2015، رغم قلة هياكل الاستقبال التي لا تتعدى 15 فندقا البعض منها مصنف وبطاقة استيعاب ضعيفة جدا، فإنها من جهة أخرى بحاجة إلى استثمارات ضخمة تعيد الاعتبار و تثمن ذلك المخزون السياحي الكبير غير المستغل. وفي هذا الصدد أشار مدير السياحة الصناعة التقليدية لسكيكدة عبد الحق ديجي أن الولاية تحتوي على 11 مشروع سياحي جديد بطاقة استيعاب تصل إلى 2800 سرير بقيمة مالي ة تصل إلى 260 مليون دينار. وهو ما يعني أن المنطقة التي تحتوى على 9 مناطق للتوسع السياحي بحاجة إلى اهتمام أكبر من طرف المستثمرين الذين منحت لهم الدولة امتيازات معتبرة وتسهيلات جاء ذكرها على لسان وزير القطاع عمار غول الذي حث من جهته المستثمرين على الالتزام هم أيضا بتجسيد مشاريعهم في آجالها المحددة. وقد خلصت الجولة الإعلامية التكوينية السياحة لولاية سكيكدة، إلى أن المنطقة بحاجة ماسة إلى التفاتة من طرف مختلف المصالح من كل القطاعات سواء العمومية أو الخاصة، لأنها بكل بساطة فيها ثروات مهملة بدون استغلال على حد تأكيد كل الإعلاميين المشاركين في هذه الخرجة، حتى أن البعض منهم تعجب لوجود مناظر طبيعية وأماكن تاريخية وسياحية لا يقصدها حتى سكان المنطقة أنفسهم. وبالتالي أكد كل من تحدثنا إليه على هامش الزيارة أن سكيكدة كنز مهمل بين ثنايا الطبيعة زادتها تشويها يد الإنسان الذي أينما حل أو ارتحل ترك وراءه نفاياته، والغريب في ذلك أن عرض البحر كشف للوفد الإعلامي خلال الجولة التي قادته من ميناء سكيكدة إلى القل على منت الباخرة الساحبة »مزفران 6« تلوثه بالأكياس البلاستيكية وأشياء أخرى لم يتمكن طول وعرض المتوسط من ابتلاعها. لا لشيء إلا لأنه يرفض أن تلوث زرقته ونقاء الطبيعة التي تحيط به بمخلفات إنسان لا يقدر النعمة التي بين يديه.