ممارستها لمهنة التدريس حفزها لخوض غمار الكتابة والولوج إلى عوالم الإبداع في جنس الرواية ،القصة وحتى ديوان العرب لتمنح في كل مرة للقارىء فسحة أمل بتمردها الإبداعي الذي ينسجه قلم وفي لعوامل داخلية وجدانية وخارجية إجتماعية برهنت أن الأديبة التونسية فاتن كشو،إبنت بيئتها ،في دردشة جمعتنا معها أكدت لنا صاحبة "رفاق الشمس" أنه لا تزال هناك في الساحة الثقافية العربية جيوب مقاومة ترفض الاستسلام وتسعى لخدمة الثقافة والإنسان عامة، وترى أنه يمكن للمثقف الذي يروم تحقيق حركة فكرية جادة أن يلتزم الحياد عن مختلفا لانتماءاتو يسلك فضاء أرحب هو فضاء الخلق والإبداع. ممارستك للتدريس جعلك تخوضين غمار الكتابة الادبية بمختلف أجناسها؟ أكيد أن الكاتب في ممارسته لمهنة التدريس يحتك باستمرار بنصوص أدبية نثرية وشعرية لأدباء كبار وهذا دون شك سيدفعه إلى الرغبة في إبداع نصوصه الخاصة وفعل الكتابة هو فعل موجه بعدة عوامل منها الداخلي الوجداني ومنها الخارجي الاجتماعي وهذه حقيقة حتى إن خاله الكاتب فعل تلقائي ...لكنه تلقائي تفاعلي ولو تخلينا في الأدب الحديث عن الجانب الوعظي فيه واكتفينا بفعل الكتابة مستعيضين عن عبارة الأدب بعبارة الكتابة بما يعنيه الأدب من وعظ ورسالة لكن لا يجب أن ننكر أنه حتى دون قصد من الكاتب فهو يرسل رسائل وليس القصد منها نصائح تقليدية وإرشاد ومحاولات إصلاح وإنما نقصد الفعل التعبيري بعكس وظيفة التعليم ذات الطابع الصارم الآلي خلال تطبيق البرامج والمناهج والطرق التعليمية وبيداغوجيا تدريس المواد ...فينطلق الكاتب لفضاء أرحب هو فضاء الخلق والإبداع. حدثينا عن فضاءات تجربتك الإبداعية؟ +بخصوص فضاءات تجربتي الإبداعية فهي تختلف من جنس أدبي إلى أخر في كتاباتي ، ففي الروايات دارت الأحداث وتحركت الشخوص في المقاهي ووسائل النقل والحدائق وفي أفنية المنازل والشرف وفوق السطوح وفي الغابات والأحراش وخاصة خاصة حذو البحر الذي كثيرا ما أشخصنه ليصير شبه شخصية من شخصيات الرواية يتحدث إليه الأبطال وذلك راجع لحبي الكبير له ولاعتباره نافذة على عالم أرحب وعلى عوالم المجهول والخفي والغامض والساحر وعلى حضارات وعلى تفاعلات وجدانية أيضا بنفس الشخصية التي تقترب منه. أما بالنسبة للأقاصيص ففضاءات السرد بصورة عامة هي غرف تميل إلى القتامة وقلة الإضاءة أو ممرات بمصحات ومؤسسات أو أنفاق في مناجم أو حفرقصة يد وساق وداموس وقصة رفاق الشمس من مجموعة رفاق الشمس أو سرير . وربما مرد هذا التضاد في الفضاءات أن الرواية كون رحب يتسع لأحداث طويلة وبتفاصيل دقيقة وفي مختلف المراحل التي يمر بها الانسان ككائن اجتماعي اليومية الحياتية الحلا الإقامة والارتحال والتنقل والسهر والفسح والزيارات والمغامرا ت بينما القصة هي ذلك الجنس الضبابي الذي ينتصر للهشاشة والتكثيف والرمزية لذلك تكون الأماكن ضيقة وقاتمة لتنفلت منها القصة انفلاتا يباغت القارئ بقصره النسبي وكثافته ورمزيته وما يخفيه من عنصر المفاجأة. وماذا عن أطوار الكتابة الروائية لديك؟ أطوار الكتابة ربما تختلف من عمل أدبي إلى أخر لدي فيمكن أن انطلق من فكرة نواة في مرحلة خام ، أعمد إلى تفكيكها وهي الشرارة التي تنطلق منها الرواية. والفكرة النواة في فلكها تدور أفكار فرعية ومنها تتفرع أو تظهر شخصيات رئيسية وأخرى ثانوية وأخرى مجهرية ما يشبه الكمبارس في السينما.كما يمكن لي أن أبدأ رواية منطلقة مباشرة في نسج السرد دون المرور بمرحلة النواة وما يدور في فلكها وفي هذه الحالة تتمرد الشخصيات وتتحرر من قيد الضبط والتخطيط المسبق وهذا يقع كثيرا في الرواية الحديثة. هل ممكن ان توجزين لنا حصاد كتابتك؟ كتبت الروايات ومنها التي رأت النور: رواية صوت الحب" ورواية زمن الكلام الأخيرومنها التي لا تزال مخطوطا قابعامخطوط رواية قلعة الأسرار ومخطوطين آخرين في البيت يتوق إلى انبعاثه الفعلي بعد نشره وقراءته ونشرت مجموعة قصصية بعنوان رفاق الشمس وقد ضمت عددا من الأقصوصات التي كتبتها وليس كل ما كتبت. ونشرت مجموعة شعرية بعنوان منذ عدت من وهمي بعد أن ثارت علي أشعاري التي قمعتها مطولا وأبعدتها عن العيان مفسحة المجال للسرد. رفاق الشمس اخر ما دونته في جنس القصة هلا قدمت لنا نبذة عنها؟ رفاق الشمس هي باقة أزهارها أقصوصات متنوعة لكنها مع ذلك شائكة ، إذ عبرت عن العنف السائد في المجتمع : العنف ضد المرأة وضد العامل وضد الطفل وضد المثقف، عنف مادي ضرب، اغتصاب ، سب وعنف معنوي(إهانة ،اغتصاب حقوق، العبث بالكرامة) وهذه الأقاصيص ذات مواضيع متنوعة وتناولت إلى جانب العنف جوانب مثل العقد النفسية والازدواج في الشخصية وعيوب المجتمع المرضية كحب المادة وتقديس الذكر وعدم احترام الطفولة وإهمال الهامش المفقرين والمسحوقين). اذا طلب منك الاختيار بين القصة، الرواية او الشعر، ما هو الجنس الأدبي الذي يجعلك تبدعين؟ بعض النقاد يرى أنني أقدم الإضافة في جنس الرواية لأني أميل إلى سرد التفاصيل وتفاصيل التفاصيل والتوسع فيها وأعتمد سردا موسعا والحبكة وتنويع الفضاءات وجملي طويلة ومستساغة في الآن ذاته وهو ما يميز نصي، لكني من وجهة نظري الخاصة أشعر أني يمكن أن أقدم بعض الإضافة في فن القص الذي أرى أنه يشبهني في بعض الملامح مثل حب الرمزية وكره القيود اليومية وبعض التردد وحب العزلة وعشق المفاجآت حتى أخالني أعيش في خضم أقصوصات متعددة تتوالد يوميا باطراد...لذلك أرى القصة تلامس نفسي أيضا كما الرواية. كيف تشخصين المشهد الأدبي التونسي الراهن؟ المشهد التونسي الثقافي هو محاولات يمكن القول أن نصفها جادٌّ للنهوض بالثقافة من قبل بعض الساهرين على الشأن الثقافي سواء وزارة الثقافة والمندوبيات الجهوية للثقافة أو بعض الجمعيات والصالونات والنوادي التي يسعى مسيروها إلى إرساء فعل ثقافي جاد من حيث عمق التناول لمواضيع السرد والشعر والنقد وأهمية الندوات العلمية المقدمة. والنصف الآخر هي محاولات عشوائية على غرار بعض الأطراف التي علاقتهم بالثقافة علاقة استثمارية أكثر منها حاملة لرسالة أدبية. كيف تقيمين مسيرة الإبداع العربي في ميادين الرواية، القصة ، السر و النقد الأدبي؟ الجميع يرى بل حتى أرقام المبيعات في معارض الكتب تثبت أن العصر هو عصر الرواية، هذا الجنس الأدبي العربي الذي تجاوز عمره القرن والذي ما فتئ يتفاعل مع التجارب السردية العالمية لينشئ لنفسه تجربته الخاصة، وهي تجربة غير مقننة ومنفتحة تماما على التجريب وعلى الفنون الأخرى(سيميائية الرواية) أما الشعر والنقد والقصة فهم يسيرون بخطى أقل سرعة وتواتر من خطوات الرواية على الأقل من حيث الصيت والجوائز، رغم أن الشعراء في تزايد مستمر وخاصة شعراء العالم الأزرق (الفيس بوك وشبكات التواصل)فهم يزدادون ويتكاثرون وينشرون ما يكتبون من نصوص على العامة. ثم يسعون في مرحلة ثانية للتواجد في الفضاءات الثقافية الواقعية في محاولة لاحتلال مكانة في الواقع بعد اكتساحهم العالم الافتراضي . لكن ذلك لن يزيد التجربة الشعرية عمقا بل هو زبد سيتلاشى في حين أن الإضافة الفعلية في الشعر من حيث هو صورة جمالية وإيقاع وفلسفة كاملة للذات ورؤية مغايرة للواقع هي فقط ما يبقى. أهم المعوقات التي أواجهها هي إما من الوسط الثقافي الذي رغم كل شيء مازلنا نلمس فيه سيطرة ذكرية فمثلا الهيئة المسيرة لاتحاد الكتاب بها كاتبة(إمرأة) وحيدة، وهذا لا ينفي أن المرأة تحاول بعناد منافسة الرجل في تسيير البيوت الثقافية كبيت الشعر وفي النقد وفي مجال الرواية والشعر رغم ما تكابده من مشاق أن تجمع بين الأمومة وأن تكون زوجة وموظفة بسلك ما وكاتبة في نفس الوقت. وكذلك تعترضني صعوبات في النشر والتوزيع الذي غالبا يكون على حساب المؤلف أو يساهم بنسبة في تكاليفه وهناك صعوبات أخرى مثل الانتشار عالميا الذي يظل مرهونا بالحصول على الجوائز العربية أو العالمية أو ما يتمتع به كتاب ما من فرصة الترجمة إلى لغات أخرى. ما هي أوجه تضحيات المثقف التونسي في سبيل تحقيق الحركة الفكرية؟ يمكن للمثقف التونسي الذي يروم تحقيق حركة فكرية جادة أن يلتزم الحياد عن الانتماءات السياسية التي غرضها تسلم مناصب سياسية وحتى وإن أراد الانتماء لحركة سياسية أو حزبية أن لا يؤثر ذلك على إنتاجه الأدبي فلا يخضعه لإيديولوجيات معينة أو لأغراض مصلحية (المصلحة الذاتية في رايك هل سقطت الثقافة العربية فريسة للتهميش امام محاولات السلطة الحاكمة لتضليلها؟ لا تزال هناك في الساحة الثقافية العربية جيوب مقاومة ترفض الاستسلام وتسعى لخدمة الثقافة والإنسان عامة متجاهلة الواقع السياسي المحتقن حينا ومحاربة العنف والتسلط الذي يمارس على الإنسان العربي بجمال الكلمة وبحرية التعبير وتمجيد الإنسان. مارأيك حول ذالك المثقف الذي يتبع السلطة ويخون ثقافته؟ المثقف إذا خان ثقافته واتبع السلطة وما تمليه عليه وصار أداة بين يديها يصبح أخطر من الجاهل بل هو جاهل لكنه يملك سلطة القول وسلطة النص ولذلك يصبح وباء في المجتمع ووبالا عليه (بوق الحاكم). هل هناك جهود مثمرة خاصة في بلادكم من اجل تكوين جبهة المثقفين المستقلين؟ يوجد الكثير من المثقفين مستقلين بأرائهم عن السلطة بتونس( غير موالين ) نراهم يعبرون عن أرائهم المتقاربة مثلا ضد تسرب أفكار إيديولوجية تعيدنا لعهود بائدة من الاستبداد وفكرة الزعامة وربما يتكتلون مستقبلا ليشكلوا جبهة مستقلة إن اقتضى الأمر وصار خطرا داهما يهدد حرية التعبير أو حرية المعتقد أو حرية الفكر... ماذا تحضر فاتن لقرائها؟ يسرني أن أوجه تحية قلبية مفعمة بالحب والود لجمهور قراء صحيفة صوت الأحرار من جزائريين وعرب ويسعدني أن يعرفوا أن أجهز روايتين جديدتين ستريان النور تباعا وكما يسرني أن أحيطهم علما أن رواياتي رغم ما تتسم به من محلية فهي مفتوحة على العالم المغاربي والعربي من خلال الفضاء والأمكنة داخل الرواية ومن خلال بعض الشخصيات الغير تونسية التي تساهم في إيقاع الأحداث فيها.