المحكمة الجنائية الدولية أعطت دليلا آخر على أنها أداة سياسية في أيدي كبار هذا العالم، والمدعي العام لهذه المحكمة، المدعو لويس مورنيو أوكامبو، لم يعد يشعر بأي حرج من تصرفه كخادم للدول الكبرى. في الحالة الليبية تبدو اللعبة مكشوفة تماما، فقد قررت المحكمة إصدار أمر بالقبض على العقيد معمر القذافي، ونجله سيف الإسلام، ورئيس جهاز المخابرات الليبية عبد الله السنوسي، حسب أوكامبو، فإن المعارضة المسلحة في ليبيا وعدت بإلقاء القبض على القذافي، وأفصل طريقة في نظره هي أن تعتقل الحكومة الليبية نفسها المطلوبين الثلاثة، ولا يتردد أوكامبو في وضع السيناريو فيقول مفصلا : "يمكن أن يحصل هذا عندما ينقلب قادة نظامه عليه، هذا هو الحل الأفضل" . المحكمة الجنائية الدولية هنا تمارس السياسة ولا تبحث عن تطبيق القانون أو استعادة حقوق الضحايا، فالقرار يراد له أن يكون عاملا مشجعا للمسؤولين الليبيين من أجل الانقلاب على القذافي، وحتى يكون القرار أكثر تأثيرا على نفوس هؤلاء المسؤولين ويشجعهم أكثر على تنفيذ الانقلاب فإن مذكرة التوقيف لا تخص إلى هؤلاء الثلاثة، وعندما يطرح السؤال على أوكامبو عن هذا التخصيص يقدم ردا سياسيا وليس قانونيا فيقول: " أعتقد أنهم الهرم الأساسي في النظام. فالقذافي أعطى الأوامر بقمع المحتجين وابنه سيف الإسلام الذي كان يتصرف كرئيس وزراء أعطى أوامر أيضا، أما الذي نفذ فهو السنوسي"، وهذا التبرير يفتقر إلى الحجة وليس له أي طابع قانوني. وحتى تكتمل المهزلة يعتبر البيت الأبيض الأمريكي مذكرة الاعتقال دليلا على فقدان القذافي للشرعية، والغريب أن واشنطن تقيس شرعية الآخرين بقرار محكمة تعتبرها غير شرعية لأنها لا تعترف بها ولا تسمح لأي دولة أن تقدم مواطنين أمريكيين أمام هذه المحكمة، ثم يأتي رد أمين عام الحلف الأطلسي ليتحدث بمنطق الغزاة والمستعمرين الجدد عندما اعتبر أن حكم المحكمة عزز أسباب الحملة الجوية للحلف وزاد من عزلة القذافي، دون أن ينسى تذكير المسؤولين الليبيين بأن وقتهم بدأ ينفذ، فالهدف واضح وهو دفع هؤلاء للانقلاب على القذافي. هكذا تصبح شريعة الغاب قانونا دوليا جديدا تطبقه المحكمة الجنائية الدولية.