عندما بدأت ساحات العواصم العربية من شارع بورقيبة إلى ميدان التحرير، مرورا بدوار اللؤلؤة بالمنامة، تعج بالمتظاهرين والمطالبين بسقوط الانظمة، قلت ممازحة زملائي في الفجر إن الأنظمة العربية ستلغي كل الساحات من مخططاتها العمرانية مستقبلا، بل ستلجأ إلى تحويل الساحات الموجودة إلى عمارات ومواقف سيارات نكاية بالمتظاهرين، حتى لا يجدوا لهم مكانا مفتوحا يلجأون إليه ليبصقوا مراراتهم من الأنظمة. وها هي نبوءتي تصدق، إذ قامت سلطات البحرين منذ أسابيع بتدمير نصب اللؤلؤة الذي كان يزين الساحة التي تحمل اسمه في المنامة، مع أن النصب كان يشكل فيما مضى مفخرة البحرين، إلى درجة أن نقود المملكة تحمل رسم النصب بلؤلؤته التي تمثل رمزا لهذا البلد الجميل. وكانت سلطات البحرين بتدميرها نصب اللؤلؤة الذي صار أشهر من البحرين نفسها ومن ملكها وأمرائها، ستقضي على غضب الشعب المنادي بشيء من الحرية، وكثير من العدالة بين الطوائف التي تشكل شعب البحرين، فتحولت الساحة التي كانت خضراء بنباتها إلى رمل وإسمنت، وربما قضت المملكة على الرمز، وخنقت الأصوات المنادية بالتغيير وبمملكة دستورية في هذا البلد الخليجي، لكن الأكيد أنها لن تقضي على رغبة المواطنين وتوقهم إلى الحرية والعدالة والتغيير. وفي الجزائر، تقوم بلدية الجزائر الوسطى هذه الأيام بتسييج الساحة الرمز، ساحة الشهداء، بحجة تغيير بلاط الساحة، التي شهدت منذ أيام اعتصام أعوان الحرس البلدي، الجهاز الذي ساهم في الدفاع عن الجمهورية وعن أمن المواطنين أيام الأزمة الأمنية الوطنية، فهل جاءت مبادرة تغيير البلاط في الساحة بإيعاز من قرار سياسي لا يختلف في غبائه عن قرار سلطات المنامة، التي حرثت الأرض ولم تزرعها بعد، والهدف قطع الطريق أمام محتجين آخرين وما أكثرهم هذه الأيام، قد يتخذون الساحة لاعتصامات أخرى في هذا الظرف الذي تسلط فيه وسائل الإعلام الوطنية والدولية أضواءها على ما يحدث في الجزائر، متمنية أن تنساق بلادنا وراء الثورات المزعومة. أعرف أن الجزائر لا يمكن أن تلغي ساحة الشهداء بجرة قرار سياسي مرتجل، لما لرمزية المكان من دلالة، ولما تحمله التسمية من معان بالنسبة لنا، حتى لا نتهم بنقض عهد الشهداء الذين عبدوا لنا الطريق إلى الحرية، فلا ثورة يعلو صوتها على صوت ثورة المليون ونصف المليون شهيد. لكنني أجزم بأن المحتجين وأصحاب المطالب السياسية والاجتماعية لم يطلبوا تغيير بلاط ساحة الشهداء وإنما طالبوا بتغيير أساليب الحكم في أرض الشهداء.