يرى المنشد المغربي، حسان الشرقاوي، أنّ الإنشاد في الوطن العربي لم يحظى باهتمام وتقدير الغرب، مقارنة بما يقدمه المنشدون الآخرون الذين دخلوا عالم الإنشاد في هذه الدول، لكن وسائل التواصل الحديثة من فايسبوك وتويتر ستساهم - في نظره - في إعادة الاعتبار لهذا النوع من الفنون، وهو ما يؤكده المتحدث في هذا الحوار الذي جمعه مع ”الفجر” مؤخراً بالعاصمة، في إطار مشاركته في ليالي المدح والإنشاد الديني التي يقدمها الديوان الوطني للثقافة والإعلام طوال شهر رمضان الكريم.. بداية حدثنا عن فرقتكم الإنشادية التي تزور الجزائر لأول مرة؟ مجموعة ”الهدى” المغربية هي فرقة تأسست في الثمانينيات من القرن الماضي على يد مجموعة من الشباب العاشق للفن الجميل والراقي، يصب اهتمامها بالتراث المغربي الأصيل وخصوصا التراث الجبلي الشمالي الذي يضم مدن عديدة أهمها طنجة وتطوان. لها إصدارات كثيرة أبرزها ألبوم ”البردى” الشريفة، و”الدعاء الناصري”، كما شاركت في عدة تظاهرات وطنية ودولية على غرار إحيائها لحفلات بإسبانيا رفقة منشدين بارزين من برشلونة ومدريد، وكذا المشاركة ببرنامج منشد الشارقة سنة 2008، بمهرجان مالطا الدولي سنة 2010، بالإضافة إلى المهرجان الأول للمديح والسماع رفقة الفنان السوري عمر سرميني، والمنشد المصري سعيد حافظ، والفنان المصري محمد ثروت، إلى جانب هذه الفرصة التي تعتبر الأولى من نوعها في الجزائر. هل كنتم على اطلاع على تجربة الجزائر في مجال الإنشاد والمدح الديني؟ في الحقيقة لم يسبق لنا التعاون مع أشقائنا المنشدين من الجزائر، لكن من جهة أخرى لنا علاقات كثيرة مع جملة من الفنانين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كالفايس بوك والتويتر، الذين ساهما في توطيد تواصلنا وتبادلنا الفني بل سمحا لنا باكتشاف الآخر، على غرار ما يجمعنا مع الفنان عبد الرحمان بوحبيلة من تواصل وعلاقة مميزة، إلى جانب أسماء أخرى لايسعني ذكرها الآن. هل تعتقد أنّ وسائل التواصل الحديثة ساهمت في إبراز الإنشاد الديني في الدول غير الإسلامية؟ بالتأكيد، فهذه الوسائط هي إعلام جديد لم يكن متاحا في السابق للمنشدين في البلدان الإسلامية، والآن أصبح من السهل على الآخر أنّ يطلع على ما تقدمه وطبيعته، وأعتقد أنّ هذه الوسائل الحديثة للتواصل والإعلام ستجعل الإنشاد يحظى باهتمام أكثر من ذي قبل. كانت لكم تجربة المشاركة في منشد الشارقة، وكانت الجزائر حاضرة في أغلب طبعاته. ترى كيف كنت تشاهد المنشدين الجزائريين والإنشاد في الجزائر؟ لا يختلف اثنان في كون الفن الجزائري فن رائع وجميل جدا يضاهي باقي أنواع الفن في العالم وفي مختلف الطبوع نظرا لغناه وثرائه وتنوعه الهائل، بالإضافة إلى أصوات الشجية التي تميز حناجر المنشدين الجزائريين، وكذا الأعمال القيمة التي تعد الأفضل في الوطن العربي وتعتبر تركة وميراث حقيقي يجب الاستلهام منه واتخاذه كقاعدة لبناء مشاريع أخرى. ويحضرني في هذا الإطار مثال عن أحد الإعلاميين، أظنه صادق الجزائري، يعمل بتلفزيون الشارقة، له فرقة اسمها ”نجوم سيرتا”، فبواسطته تمكنَا من التعرف بصفة قريبة على الفنانين الجزائريين. ولهذا أقول بكل صدق ودون مجاملة له الفن الجزائري له وقع خاص في نفوسنا بل وفي عملنا، وربما لأن الرؤية الجزائرية المغربية يجمعهما تقارب واضح. هل يتطابق ما تؤدونه من أناشيد إسلامية مع ما يقدَمه المنشد الجزائري؟ كما سبق أن ذكرت لك هناك رؤية قريبة جدا تجمعنا، وبالتالي فبالنسبة للفن المغربي والجزائري لا يوجد شك على اختلافهما وإنما هما أكثر تلاحم وأكثر تقارب، رغم بعض الاختلافات الطفيفة والتي لا تؤثر على الأداء ولا تشكل عائقا في تحديد التواصل وتطويره وتحقيق تبادل ثقافي و فني في مجال الأنشودة، وهو ما نلمسه في كامل الطبوع الجزائرية التي لا تختلف كثيرا عن الطابع المغربي، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن التراث الجبلي الشمالي المغربي يشبه تراث المناطق الجبلية أو الصحراوية الجزائرية، فأظن أن البعد يقتصر على الجانب الفني لا غير. هل يمكن القول إن زيارتكم اليوم إلى الجزائر ستتوج مستقبلا بأعمال ثنائية مع منشدين جزائريين؟ لم لا فالأمر ليس مستحيل، فقد يكون شرف كبير لنا إذا عملنا جنبا إلى جنب، من أجل زيادة الاحتكاك الفني بينا وتبادل الخبرات المكتسبة من شتى التظاهرات والممارسات لهذا اللون الفني الأصيل، وبالتالي فأمر جميل لو تصدر ألبومات وأعمال ثنائية تجمع الصوتين معا وهذا ما أتمناه. على ضوء التطور الهائل لوسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة التي ساهمت في تطور الأنشودة واحتلالها مكانة مهمة وسط أنواع الفنون، كيف ترى واقعها في الجزائر والمغرب العربي بصفة عامة؟ رغم الدور الذي لعبه الإعلام بمختلف وسائله في تسهيل دخول الأنشودة عالم الفن وبروزها بقوة فيه إلا أن المشاكل تبقى مطروحة بالنظر الى غياب الدعم المادي واللوجيستيكي، في ظل تعرضها في السنوات السابقة إلى تهميش حقيقي، على عكس الفترة الأخيرة حيث بدأت تسترد الأنشودة عافيتها، وأخذت في الظهور سنة 2008 إلى غاية السنة الجارية، فالعمل الإنشادي الفني استطاع أن يتطور شيئا فشيئا ويفرض نفسه لا لشي سوى لقيمته كفن راقي وجميل يحمل في طياته رسائل هادفة إسلامية بالدرجة الأولى واجتماعية بالدرجة الثانية، حيث أدت مواقع التواصل الاجتماعي جزء مهما في العمل على زيادة فرص الاحتكاك والتبادل الفني. برزت مؤخرا موجة ركوب جديد تتعلق بلجوء بعض الفنانين إلى أداء الطابع الإنشادي و تخليهم عن الغناء. كيف تفسر هذه الظاهرة، وهل يقصد من ورائها الفنان تحسين صورته؟ في اعتقادي تظل قناعات خاصة بكل فنان أراد التحول من الغناء إلى الأنشودة، والدليل على ذلك عدة تجارب لاحظناها في العالم العربي، غير أن التفسير الوحيد الذي يمكنني أن أطلقه هو ربما رؤيتهم أن سبيل الغناء لا جدوى منه من ناحية الدين حيث أبعدهم عن العبادة وغير ذلك، وبالتالي هو تحسين للفنان و روحه مع ربه وليس مع الإنسان، فأستطيع القول إن هذه الظاهرة هي تكفير لذنوبهم التي ارتكبوها في الماضي على إثر ممارستهم لنشاط الغناء، وخير دليل الفنان الليبي وائل جسار، حين أدى وصلات من المديح الديني في مدح النبي عليه الصلاة والسلام صرح أنه يحس إحساسا جميلا بالصلاة على الحبيب على غير العادة والإحساس الذي يرافقه وقت الغناء.