ورد في فضل الحج أحاديث كثيرة تدل على أنه يمحو الذنوب، ويكفر السيئات، ويرجع منه الإنسان كيوم ولدته أمه. لكن هذا الفضل والثواب لا يعني سقوط الحقوق الواجبة، سواء كانت حقوقا لله تعالى ، كالكفارات والنذور وما ثبت في ذمة الإنسان من زكاة لم يؤدها، أوصيام يلزمه قضاؤه، أو كانت حقوقا للعباد كالديون ونحوها، فالحج يغفر الذنوب، ولا يسقط هذه الحقوق باتفاق العلماء. فمن أخر قضاء ما عليه من رمضان مثلا، وكان ذلك بغير عذر، ثم حج حجا مبروا، فإن حجه يسقط عنه ذنب التأخير، ولا يسقط قضاء الأيام .قال في “كشاف القناع” (2/ 522): “وقال الدميري: في الحديث الصحيح “من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه”، وهو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحقوق الله تعالى خاصة، دون العباد ولا يسقط الحقوق أنفسها، فمن كان عليه صلاة أو كفارة ونحوها من حقوق الله تعالى لا تسقط عنه، لأنها حقوق لا ذنوب، إنما الذنب تأخيرها، فنفس التأخير يَسقط بالحج لا هي نفسها، فلو أخرها بعده تجدد إثم آخر ، فالحج المبرور يسقط إثم المخالفة لا الحقوق. قاله في المواهب”. وقال ابن نجيم رحمه الله في “البحر الرائق” بعد أن ذكر الخلاف في تكفير الحج للكبائر: “فالحاصل أن المسألة ظنية، وأن الحج لا يُقطع فيه بتكفير الكبائر من حقوق الله تعالى فضلا عن حقوق العباد. وإن قلنا بالتكفير للكل فليس معناه كما يتوهمه كثير من الناس أن الدَّين يسقط عنه ، وكذا قضاء الصلوات والصيامات والزكاة؛ إذْ لم يقل أحد بذلك، وإنما المراد أن إثم مَطْل الدين وتأخيره يسقط، وبعد الوقوف بعرفة إذا مطل صار آثما الآن، وكذا إثم تأخير الصلاة عن أوقاتها يرتفع بالحج لا القضاء ثم بعد الوقوف بعرفة يطالب بالقضاء فإن لم يفعل كان آثما على القول بفوريته، وكذا البقية على هذا القياس، وبالجملة: فلم يقل أحد بمقتضى عموم الأحاديث الواردة في الحج كما لا يخفى” انتهى. والحاصل: أنه يلزمك قضاء ما عليك من رمضان ، ولا تبرأ ذمتك إلا بذلك. هل يغفر الحج للظالم المستمر في ظلمه؟ جاء في الحديث أن “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه”، ولكن العلماء خصوا هذا الحديث بالذنوب التي بين العباد وبين ربهم، أما حقوق العباد وخصوصاً الحقوق المالية منها فهذه لا يكفرها صلاة ولا صيام ولا حج، بل ولا الشهادة في سبيل الله. فقد جاء في الحديث الصحيح “يغفر للشهيد كل ذنب إلا الديْن”، وحديث المفلس يوم القيامة دليل على ذلك أيضاً.