تغيرت طبيعة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في المدن الجزائرية، فبعدما كان الاستعداد للمناسبة قائما على طقوس اجتماعية تملؤها البهجة واستذكار مآثر أعظم رجل في التاريخ، أصبح اليوم كابوسا حقيقيا لما يقع من حوادث سببت إعاقات معتبرة، ناهيك عن المفرقعات التي لم تحرك السلطات ساكنا لمنعها في الأسواق. فمن المسؤول عن دخول هذه المواد التي لا تختلف في مخاطرها عن الأسلحة والمخدرات التي يتم حجز القناطير منها، والتي هدفها الفتك بسلامة المواطن؟ تعيش المدن الجزائرية حالة ذعر عشية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف كل سنة، بسبب المفرقعات التي تطور حجمها ومفعول انفجارها، وهي كلها مواد مستوردة.. لنتساءل عن سبب غض طرف السلطات عن استيراد هذه المواد الخطيرة الاستعمال والباهضة الأثمان، في زمن تدعو فيه المواطن للتقشف وشد الحزام. ليس هذا فحسب بل حتى الشموع التي كانت تزين موائد النحاس المستديرة والأواني التقليدية، أدنى سعر لها هو 20 دج!.. لتغيب الرقابة نهائيا عن الأسعار. وزارة الصحة تحذر أكدت وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، أن المفرقعات والصواريخ التي تستعمل في ذكرى المولد النبوي الشريف، تسجل حوادث خطرة قد تودي بحياة الأفراد وتحول الاحتفال إلى مأساة. لكن الواقع يشير أن المأساة قد شملت فعلا عددا من المواطنين، لما تسجله مصالح الاستعجالات الطبية من وفود لضحايا المفرقعات. وجاء في بيان للوزارة ”في كل ذكرى للمولد النبوي الشريف، تسجل حوادث خطرة قد تودي بحياة الأفراد وتحول الاحتفال إلى مأساة”، مذكرا في هذا المجال، أن ”المواد النارية كالمفرقعات والألعاب النارية والصواريخ والقذائف وغيرها قد تتسبب في حوادث خطرة تهدد سلامتكم وسلامة أسرتكم وأصدقائكم وجيرانكم”. وأوضح المصدر أنه من بين الأخطار التي تسببها هذه الألعاب النارية، الحرائق والصخب الناجم عن انفجار المفرقعات والقذائف وآثاره السلبية على راحة الأفراد المادية والمعنوية، خاصة المسنين والمرضى والنساء الحوامل والأطفال. وفي هذا السياق يرى ذات المصدر أن ”أصوات الانفجارات قد يؤدي إلى إتلاف السمع، كما يتسبب في الإزعاج والقلق، وإصابة الأشخاص الذين يتعاملون مباشرة مع هذه المواد، ناهيك عن انفجار المفرقعات الذي قد يكون في اليد، والذي قد يؤدي إلى فقدان الأصابع. أما في حالة إصابة العين، قد يؤدي إلى العمى، الأمر الذي يهدد مستقبل الفرد كعدم القدرة على ممارسة بعض المهن والحياة العادية بصفة عامة”، وهكذا يصنف الشخص بعدها من ذوي الاحتياجات الخاصة، بعد أن كان سالما من كل إعاقة. وأشار البيان أنه من بين الإصابات التي تحدثها هذه الألعاب النارية ”الحروق الشديدة الخطورة، والتي غالبا ما تصيب الأصابع والذراع والأعين والوجه، وقد تجعل العودة إلى الحياة الطبيعية أمرا مستحيلا”، مشيرا إلى أن ”الحروق من الدرجة الثانية والثالثة تؤدي إلى التشوهات”.وسجلت مصالح الاستعمالات الطبية عشية المولد عدة حالات خطيرة وتشوهات لأطفال وشبان من مختلف الأعمار، فيما تم تسجيل حالة وفاة لميكانيكي بجسر قسنطينة بعد أن اشتعلت السيارة التي كان يصلحها بفعل مفرقعة ألقاها الأطفال بجانبه. أما حوادث الحرائق فحدث ولا حرج فقد احترقت عدة منازل بسبب الشموع والمفرقعات. السياسة هي التي أنجبت الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.. أكد الباحث والإعلامي فوزي سعد الله، أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أنجبته السياسة، ولم يقترن أبدا بظهور الإسلام. فالاحتفال بمولده عليه الصلاة والسلام لم يكن لا في حياته ولا عند الصحابة بعد وفاته والخلفاء الراشدين. كما أن الأجيال الأولى من المسلمين لم تُدرج الاحتفال في حياتها الاجتماعية. ليشير فوزي سعد الله، أن الظروف التاريخية جعلت المسلمين يقيمون احتفالات لاتزال قائمة إلى اليوم منها الاحتفال بمولد الرسول. كتب الباحث سعد الله أن الفاطميين المنحدرين من أهل البيت بدأوا يحتفلون بميلاد جدهم محمد بن عبد الله، وكان ذلك داخل قصورهم في القرن 10م، بعدما رحلوا من شرق الجزائر إلى القاهرة، وكذلك كانوا يحتفلون بميلاد علي بن أبي طالب، وابنيه الحسن والحسين، ووالدتهما فاطمة الزهراء، وجدهما الرسول محمد عليه الصلاة والسلام. ليطور الفاطميون هذا الاحتفالات ويجعلوها رسمية وطنية، وقد كانت لمدة أسبوع يطعم فيها الفقير. عرف سكان الخليج العربي احتفالات المولد النبوي الشريف، وذكرى ميلاده اعتبرت يوم عطلة بمكة المكرمة لتفتح فيها المدينة للزوار. أما على مستوى المغرب الكبير الذي تمثله دول شمال افريقيا، فإن الاحتفال بالمناسبة ولد من قلب الصراع الثقافي الاسلامي النصراني، وهو ثمرة جهود النخب الثقافية والسياسية لكبح تغلغل العادات المسيحية، كون ذلك الوقت انصرف عامة الشعب إلى تقليد النصارى. وحين أصبح الاحتفال بالمولد رسميا استلهم المسلمون بعض من طقوس الاحتفال من عادات المسيحيين، مثل حمل المنارات بشكل جماعي والمشي بها في الأزقة بعد مغيب الشمس. ليعرف بعدها الاحتفال بالمولد النبوي قرارات مختلفة، فتارة يقرر الحكام الغاءه، بعدما امتدت الطقوس المسيحية إلى داخل المساجد، وتارة يقرر آخرون سنه من جديد. وبعد سبع قرون من سنّ هذه العادة الاجتماعية، أصبحت اليوم مفرغة من محتواها الروحي مثلما يصرح به سعد الله. لاتزال كثير من العائلات الجزائرية تحيي المولد النبوي الشريف بإعداد الأطباق التقليدية، مثل الكسكسي، الرشتة، الشخشوخة، والتليتلي. إلى جانب اشعال للشموع والعنبر، لإضفاء رائحة طيبة بالبيت. في حين أن الجو الخارجي يغلب عليه جو ”إرهابي” بعد أن تخلى أغلب الأولياء على روح المسؤولية، ويكونوا السبب لاقتناء المفرقعات لأبنائهم، وتعليمهم كيفية إشعالها ورميها على الآخرين. لتكون شوارعها عشية ميلاد خير الأنام أشبه بحرب أهلية.