تعتير عادة العقيقة من العادات والتقاليد المقدسة في الشريعة الإسلامية، فهي في مفهومها ومحتواها أهداف سامية وبركات على المولود وفرحة بقدومه على الأسرة، فالصحابة الأجلاء قدسوا هذه العادة وتبناها الخلف الصالح إقتداء بسنة خير الأنام، عليه الصلاة والسلام، عبر العصور والأزمنة. لاتزال هذه العادة والشعيرة الحميدة متداولة في أوساط المجتمع الإسلامي وهي في مفهوما ما يذبح عن المولود في اليوم السابع من ميلاده وسميت بهذا الاسم لأن العرب اعتادوا على حلق شعر المولود يوم السابع من ميلاده وهي سنة مؤكدة فعلها الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويكون ذلك في اليوم السابع أو اليوم الرابع عشر، وإلا في الحادي والعشرين وهكذا، فإذا لم يتسير للوالد القيام بها، فبإمكانه أن يذبح في أي وقت بعد ذلك ولكن الأفضل الإسراع فيها وفي حال عدم مقدرة الوالد، فإن المولود يمكنه أن يذبح عن نفسه، وسيقبل الله منه ويجزى عنها وينال نفس الثواب لقوله، صلى الله عليه وسلم: "كل غلام مرهن بعقيقته"، في معناه الخير الكثير والشفاعة لأبويه، لذلك، يجب على كل مسلم رزقه الله ولدا أن يقوم بالعقيقة عنه إذا كان ميسورا أو غير ميسور معللا ذلك بما نقل عن سنة الأنام والتي كانت في الماضي معروفة ومتداولة بشكل كبير في المجتمع الجزائري. وتقام عادة العقيقة للمواليد الجدد وتقام على شرفهم الموائد والولائم فرحا وإبتهاجا بقدومهم الى حضن الأسرة والعائلة الكبيرة، غير أن هذه العادة الحميدة قد عرفت هجرانا بما أن العديد من العائلات الجزائرية تركت هذه العادة أو تجاهلتها لفترة طويلة، لكن المتمعن في الوقت الحالي، يلحظ إهتمام العائلات الجزائرية بعادة العقيقة في الفترة الحالية حيث أصبحت الأسر تستقبل المواليد الجدد ذكورا وإناثا بذبح الشياه حيث تذبح شاتين بمجيء الذكر وشاة واحدة بقدوم البنت وعرفت هذه العادة إنتشارا واسعا في الآونة الأخيرة. تجاهل العائلة الجزائرية لعادة العقيقة لفترة طويلة أحدثت فترة ما بعد الإستقلال تغييرا جذريا في العائلة الجزائرية يمكن إرجاعه الى عدة عوامل اقتصادية بالدرجة الأولى إنعكست على الجانب الاجتماعي ومن أبرزها تشتت العائلة الجزائرية الكبيرة والسلطة الأبوية ونظرا لما وقع في المجتمع الجزائري من تغيرات في بنيته الداخلية والنزوح الريفي الرهيب نحو المدن الكبرى، إنعكس ذلك على تفكير العائلة ونمط عيشها وعلى أسلوب تعاملها مع الأسرة والعادات المتخذة نحو الأولاد بالخصوص بعد إزديادهم وأصبحت عادة العقيقة أو "السبوع" عند الكثير من الأسر الجزائرية لا تزاول هذه العادة الحميدة، وبحسب ما ذهب إليه البعض، فإنه يمكن إرجاعها لتكلفتها الغالية والظروف الاقتصادية للأسرة الجزائرية في فترة زمنية سابقة، فالفرد أو رب العائلة ليس في مقدوره ثمن "الزردة"، فأصبح عزوف الناس عنها بشكل واضح وملموس في فترة ما كذلك عدم مشاركته العائلة الكبيرة ومساهمتها في التكفل بمائدة العقيقة وتكاليفها. عودة قوية لعادة العقيقة وتقديسها في الفترة الأخيرة أصبحت في الآونة الأخيرة، ونقصد بها سنوات الألفية الحالية، العائلة الجزائرية أيا كانت مدنية أو ريفية، تحيي هذه العادة الحميدة وأصبحت مقدسة عند الكثير من الأسر والعائلات بعد إزدياد أطفالهم ذكورا وإناثا بغير إستثناء، نظرا لعدة عوامل وأسباب يمكن إعتبارها تغيرا جذريا في نمط التفكير وأسلوب حياة العائلة الجزائرية بالأساس، ويرجع ذلك الى الوعي الديني الظاهر الحاث على ضرورة إحياء هذه العادة الحميدة لما فيها من فائدة على المولود والأسرة ببركاتها وأفضالها، فبالنسبة للأغنياء أو الفقراء، لم يعد الإهتمام بمصاريف العقيقة وتكلفتها بل أصبحت مجالا للتنافس بين الأسر الجزائرية لإحياء وليمة للأهل والأحباب مهما كان مقدورها، فأمست الكثير من العائلات الجزائرية تحيي هذه السنة بشكل كبير ويمكن إعتبارها عودة لإحياء موروث ديني جليل.
إمام مسجد: «العزوف ناتج عن نقص الوعي الديني» صرح إمام مسجد بن عكنون بالعاصمة، ناصر الدين خالف، حول الأسباب والعوامل التي أحيت عادة العقيقة وتجليها في العائلة الجزائرية بقوة مفارقة للأمس القريب، وعلى حسب ما أدلاه الإمام بتصريحاته، فإن شعيرة العقيقة من الشعائر الإسلامية الحميدة الموروثة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وأرجع الإمام أسباب عزوف العائلات الجزائرية عن عادة العقيقة في فترة زمنية سابقة إلى قلة الوعي الديني الناجم عن عزوف الجزائريين إلى التطلع الى الأحكام الفاصلة وعدم قدرة الإعلام في تلك الفترة على التنبيه بالقضايا الدينية والمجتمعية وكذلك دور المساجد لم يكن بالأداء والذكر كما هو الآن في التحسيس بتقاليد الإسلام السمحاء، أما عن الفترة الحالية وعودة الأسر الجزائرية لتداول الشعيرة بقوة، فصرح الإمام نصر الدين بأن المجتمع تغير جذريا عما كان في السابق من حيث نمط تفكيره في الدين، فأصبح هناك إهتمام واضح المعالم بتقاليد وسنن الإسلام من بينها هذه الشعيرة السمحاء بضرورة إحيائها وتقديسها كذلك يلعب الإعلام دورا كبيرا في تطوير عقول الناس وتوجيههم من خلال الكثير من المحطات الفضائية الدينية الخاصة، فأصبح كل حي من الأحياء لا يخلو من مسجد، فكلها عوامل متشابكة لعبت دورها في إحياء هذه السنة الحميدة. حمى التفاخر والتباهي تطال العقيقة إستقبال مولود جديد يكلف العائلة الجزائرية 10 ملايين سنتيم، هذا ما صرح به الإمام نصر الدين خالف، أنه يمكن لأي شخص قادر أن يعق عن نفسه، لكن الجزائريين إبتكروا في الآونة الأخيرة أساليب جديدة للإحتفال بالمولود الجديد، وإن تنوعت طرق تجسيدها، إلا أنهم يدرجونها كلها تحت إطار العقيقة التي أخرجتها الكثير من العائلات عن نطاقها الديني، وحولتها الى مسرح للتباهي والتعريف بالقدرات المادية لكل عائلة، ورغم تأكيد رجال الدين على ضرورتها إحياء عادة العقيقة، إلا أن هذه العادة تبقى مجهولة المعالم لدى الكثير من الجزائريين. فرحة كبيرة تلك التي تعم كل عائلة بقدوم مولود والحدث السعيد تحضّر له العائلات بفرح وسرور كبيرين، حيث لا يقتصر الأمر على إقتناء أغراض الصغير ومتطلباته من ثياب وأفرشة، بل أصبحت الأسر تعد العدة من أجل تنظيم حفل إستقبال للمولود الجديد، وهو ما يعرف بالعقيقة التي يعتبرها ديننا بمثابة شكر وإمتنان للمولى، عزوجل، على نعمة الولد، وإن كانت هذه الوليمة واضحة المعالم، فإن الكثير من العائلات غيّرت فيها، فحولتها الى سبب للإحتفال والتفاخر بين العائلات، ومن أجل إستطلاع الموضوع، تحدثنا الى بعض العائلات، وفي هذا السياق، حدثنا بعضهم قائلاً "لقد تجاوزت بعض العائلات كل الحدود ما جعلنا نشعر أننا مقصرون في حق أبنائنا، بإعتبارنا غير قادرين على توفير ثمن شاة واحدة في حين يتفنن الكثيرون في ذبح الكباش وإقامة الولائم"، وفي ذات الشأن، أضاف مواطن أنه من أجل إقامة عقيقة تكلفهم شاتين لا تقل سعرهما عن 60000 دج، بالإضافة الى الخضر والفواكه، فكل عائلة تقوم بتحضير أشهى الأطباق من أجل دعوة كل أفراد العائلة بالإضافة الى الأهل والأقارب والأحباب، كما أنها لا تقتصر على الغداء والعشاء، بل إبتدع البعض إرفاقها بحفل شبيه كثيرا بالأعراس وحفلات الزفاف، ليضاف الى إجمالي الميزانية تكاليف الحلويات وحتى قاعات الحفلات عند بعض الأسر، والغريب أن بعض العائلات تتنافس مع أقاربها وجيرانها حول من ينظم أفخر عقيقة مما يجعل بعض العائلات محدودة الدخل تضع نفسها في ضائقة مالية فقط من أجل أن تظهر نفسها مثل العائلات الأخرى، فتقترض مبالغ من المال لتغطية مصاريف العقيقة، وهناك من يشرط إقامة وليمة كبيرة بعد ولادة طفلة حتى لا تظهر أقل شأنا من الولد الذكر، وصرح الأستاذ نصر الدين خالف، أن العقيقة سنة محببة ويمكن للشخص إخراجها عن نفسه، فالعقيقة بحسب المتعارف عليه في ديننا الحنيف، هي ما يذبح في اليوم السابع من الولادة شكرا لله على ما وهب من ذكر أو أنثى وهي سنة لما ورد عن أحاديث، وتكون حسب مقدرة الأسرة ولا حرج في تركها إن لم يستطع الفرد ذلك، فتبقى دينا عليه الى حين، كما يمكن أن يخرجها عن نفسه إذا كان قادرا، وعن المبالغة في المظاهر، يضيف المتحدث، أن الأمر مقترن بنية الشخص إذا كانت للصدقة أو للتباهي.