يُمكن القول إن سيرة مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة والمهرجانات السينمائية المختلفة المُقامة في القاهرة ومدن مصرية أخرى (أبرزها الإسكندرية) تُشبه، إلى حدّ كبير، سيرة الحراك السينمائي المصري العام. ميزات عديدة تسم التشابه هذا: ارتباك في الإستمرارية السوية، كما في التجديد والتطوير اللذين يحضران أحياناً، لكن بشكل متقطّع وقليل. ارتباط وثيق و نادر بمجريات الأحداث المختلفة في اليوميّ والحياتيّ، وانفصال كبير و شبه دائم عن الواقع. التفاوت الضخم في الإنتاج البصريّ بين الجدّي والسينمائيّ والمؤثّر (القليل أصلاً) والسطحيّ والمتسرّع والعشوائي (وهو كثير)، يُشبه تفاوتاً تعيشه المهرجانات السينمائية بين دورة وأخرى (هذا نادراً ما يحصل، لأن الغالبية الساحقة من الدورات السنوية للمهرجانات الأبرز متشابهة في ارتباكاتها وسوء تنظيمها وفوضاها واختياراتها شبه العشوائية)، أو بين مهرجان وآخر (يكاد المهرجان القومي للسينما المصرية يبقى الأفضل ، لإنعقاده على المحليّ، ثقافياً وسينمائياً وجغرافياً، ما يُخفّف من حدّة الارتباك وسوء التنظيم والفوضى والإختيارات شبه العشوائية). عشية بدء الدورة ال17 (3 8 جوان 2014) ل مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة (لا تزال التسمية الرسمية متمسّكة بتعبير التسجيلية ، الذي ينتقص من القيم الفنية والدرامية والجمالية للصناعة الحديثة للفيلم الوثائقي)، تُطرح أسئلة كهذه، في مناخ سياسي اجتماعي اقتصادي يتخبّط في انعدام الرؤية الواضحة للمسار المستقبليّ للبلد برمّته. الانقلاب الذي أحدثته ثورة 25 جانفي (2011) لم يُفرز ثوابت تجديدية في المشهد الإنساني العام بعد، ولم يبلغ مرحلة هدوء واستقرار مطلوبَين لإطلاق ورشة إصلاحية وتغييرية جذرية، تتناول الجوانب المختلفة للحياة المصرية. أياً يكن، فإن الدورة ال17 هذه تُفتَتح بعرض فيلم عن يهود مصر: نهاية رحلة للمصري أمير رمسيس، وهو الجزء الثاني من يهود مصر ، الذي حقّقه المخرج نفسه قبل أعوام قليلة. مساء الثلاثاء، تبدأ دورة جديدة لمهرجان أُريد له أن يكون مرآة لنتاجات وثائقية وروائية قصيرة، ولأفلام تحريك متنوّعة. أُريد له أن يُشكّل نافذة لإطلالة خفرة على ما يحدث في العالم السينمائي الخاصّ بهذه الأنواع البصرية. اليوم، تبدأ دورة جديدة لمهرجان أُقيم بالإسماعيلية لتحقيق أهداف عدّة: كسر احتكار القاهرة للنشاط الثقافي، وغرس بعض جذوره خارجها ، كما قال هاشم النحاس، مؤسّس المهرجان ومُطلق دورته الأولى في العام 1988. أضاف النحاس أن هدفاً آخر دفع إلى الخروج من القاهرة: أن يكون المهرجان ملتقى ثقافياً يجمع عاملين ومهتمّين بالسينما الوثائقية والقصيرة في مصر، لتمضية بعض الأيام معاً، من دون أن يشغلهم شيء عن مشاهدة الأفلام والمناقشات التي يُمكن إثارتها حول السينما الوثائقية والقصيرة، بعيداً عن عوامل الجذب الأخرى من الإهتمامات اليومية، الثقافية وغير الثقافية، التي تُشتّت انتباههم عندما يكونون في القاهرة . هناك من يُضيف هدفاً آخر: حاجة الإسماعيلية، التي أنهكها وجودها على الضفّة الغربية لقناة السويس جرّاء الحروب والاحتلالات وأعوام الإستنزاف وغيرها، إلى تنشيط متعدّد الجوانب، كانت السينما ولا تزال جزءاً منه. إلى جانب المسابقتين الرسميتين الخاصّتين بالأفلام الوثائقية (يرأس السوري محمد ملص لجنة تحكيمها) والأفلام القصيرة (ترأس المصرية ماريان خوري لجنة تحكيمها)، يُكرّم المهرجان المخرج المصري علي الغزولي (يُعرض له صيد العصاري )، وملص أيضاً (يُعرض له المنام و فوق الرمل.. تحت الشمس ). هناك أيضاً: عروض خاصة (3 أفلام، منها الوطن لتامر عزت، في ذكرى كاتبته المؤلّفة ندين شمس (41 عاماً) التي توفّيت مؤخّراً إثر أخطاء طبية دفعت ذويها إلى التقدّم بدعوى قضائية ضد مرتكبي هذه الأخطاء). بانوراما مصرية (3 أفلام أيضاً هي: الميدان لجيهان نجيم، و كروب للثنائي مروان عمارة ويوحنا دومكي، و أريج لفيولا شفيق.