كم هو مقدار حليب الأم الموجب للتحريم من الرضاع؟ لقد جعل الشارع من صنف النساء المحرمات على الرجل الزواج بمن تربطه بهن علاقة رضاع على غرار النسب والمصاهرة . فقال الله تعالى:: ]حُرِمَتْ عليكمْ أمهاتكم وبناتكم.... وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ[ (النساء: 23).ثم روي أن النبي:» قال: (يحرُم من الرضاعة، ما يحرُم من النسب ). وقد وضع الفقهاء جملة شروط لثبوت التحريم بالرضاع منها أن يكون رضاع الرضيع في الحولين فلا عبرة بما بعده وأن يرضع لبنا خالصا غير مشوب بغيره من المشروبات إلا إذا كان الغالب، وأن يكون لبن آدمية حية، أما عدد الرضعات الموجبة للتحريم فلم يشترط الفقهاء المالكية أي مقدار لثبوت التحريم؛ إذ يقع بقليل الحليب وكثيره فمجرد وصوله إلى جوف الطفل ولو قل موجب للتحريم وهذا قول جمهور السلف والخلف، مثل: سعيد بن المسيب، والحسن، والزهري، وقتادة وأبي حنيفة، والأوزاعي، والثوري، والليث، ورواية عن أحمد.وحجة هؤلاء: ورود النصوص الموجبة للتحريم مطلقة لم تقيد بعدد معين وما ورد من التقييد في بعض الآثار لم يأخذوا بها لعلة في النص أو مخالفته لقواعد أصول الفقه، ومنها وروده مطلقا في قول الله في المحرَّمات:] وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ [[النساء: 23]. ومطلقا قول النبي:»يحرُم من الرضاعة، ما يحرُم من النسب. ) . وعن عقبة بن الحارث، أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ. قَالَ: فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ، فَأَعْرَضَ عَنِّي. قَالَ: فَتَنَحَّيْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا؟! فَنَهَاهُ عَنْهَا»دون أن يسألها عن عدد الرضعات. وهذا هو القول الراجح المحقق للاحتياط، وهنا آراء أخرى تقيد التحريم بثلاث رضعات وأخرى بخمس قد يؤخذ بها عند الضرورة بالفتوى تحقيقا لمصلحة فردية. د. عبد الحق ميحي أستاذ الفقه الإسلامي بجامعة الأمير