مجانين مثقفون ينظمون حركة المرور وينظفون الشوارع بالبليدة ظلمهم المجتمع عندما وصفهم بالمجانين ، مجانين بالوصف لكن أصحاء في السلوك إنهم فئة من المجتمع تعرضوا لأزمات أو أمراض في الأعصاب جعلتهم يفقدون البعض من سلوكاتهم العادية التي لا تميزهم عن باقي الأشخاص العادين وبالتالي جعلتهم يختلفون عن باقي المجتمع ، لكن هناك عددا من هذه الفئة اختلافهم عن باقي فئات المجتمع لم يكن في الجانب السلبي فقط بل أنهم اختلفوا عن أصحاب العقل السليم حتى في السلوكات الإيجابية . وقد رصدت «النصر» بولاية البليدة عددا من الأفراد الذين يوصفون بالمجانين لكنهم يقومون بعدة سلوكات جعلتهم يتفوقون عن الأصحاء وهذا ما جعلهم يلقون استحسانا واهتماما كبيرا من طرف المجتمع ، يختلفون في الكثير من الحالات عن الآخرين في طريقة اللباس والكلام والسلوك ، لكن في الوقت ذاته يقومون بسلوكات أخرى إيجابية ، ومن هذه هؤلاء نجد المدعو «رشيد» وهو أحد المرضى ذهنيا الذي يقوم يوميا بتنظيم حركة المرور بمدخل بلدية بني مراد من الطريق السريع من ناحية مدينة البليدة ، بحيث أن هذه النقطة تعد من النقاط السوداء التي تشهد ازدحاما في حركة السير في الفترة المسائية ونظرا لغياب حاجز شرطة بهذا المكان تزداد الحركة تعقيدا . ولم يجد أصحاب السيارات سوى في شخص مختل عقليا الذي يقف لفترات طويلة بهذا المكان ينظم حركة المرور ويقف في وجه كل صاحب سيارة لا يحترم إشاراته ومع مرور الوقت تعود عليه الجميع و أصبح يعوض الشرطة في كل مرة تشهد حركة السير تعقيدا بهذا المكان ،كما يقوم شخص آخر بمفترق طرق حي فرحات محمد بمدينة البليدة بتنظيم حركة السير كلما غابت الشرطة خاصة في الفترة المسائية . وفي السياق ذاته تعرف مدينة العفرون انتشارا لهذه الفئة من المرضى لكن لهم عدة سلوكات إيجابية أدهشت كل من يعرفونهم و منم المدعو «أحمد» الذي كان مهاجرا في هولندا قبل أن يصاب بمرض في الأعصاب وعاد إلى أرض الوطن ويتجول اليوم في مدينة العفرون وما أثار انتباه سكان المدينة كون أن هذا الأخير يتحدث عدة لغات أجنبية ويعجز أمامه الكثيرون سواء في اللغة الفرنسية أو غيرها من اللغات . كما يقوم شخص آخر من هذه الفئة ببلدية بني مراد بجمع كل الكتب والكراسات التي ترمى في حاويات رمي النفايات وكل من يلتقيه في طريقه يشكو له من رمي كتب العلم في حاويات رمي القمامة قبل أن يقوم بنقلها إلى منزله للاحتفاظ بها ،كما يتواجد بمدينة العفرون عمي «أحسن» الحريص جدا على نظافة المحيط وشغله الشاغل اليومي هو أنه يجوب كل شوارع مدينة العفرون وينظف الشوارع ويحدث هذا في القوت الذي نجد فيه آخرين من ذوي العقل السليم لا يولون أي اهتمام لنظافة المحيط وبالمقابل يساهمون بشكل أو بآخر في انتشار الأوساخ والنفايات . و تنطبق نفس المواصفات على المدعو «أحمد العريان» الذي يعد شديد الحرص على نظافة جسمه والمحيط ويذكر في هذا السياق أحد الأشخاص أنه في أحد الأيام كان المدعو أحمد العريان جالسا في مقهى وشرب أحد شخص آخر من كأسه فثار في وجهه قائلا له كان عليك غسل يديك قبل لمس الكأس. وفي الإطار ذاته يتواجد بالمعهد الوطني للتكوين المهني المتخصص في التسيير بالبليدة شقيقان في عقدهما الخامس مختلين ذهنيا يقيمان بجوار المعهد الذي تحول إلى مأواهم الحقيقي لكن يقومان بالكثير من السلوكات التي لا يقوم بها حتى عمال المعهد ومنها تنظيف الساحة من الأوراق وكل المخلفات التي يتركها المتربصون ، كما يساعدون باقي العمال في نقل الأثاث ويتنقلون إلى داخل الأقسام لتنظيفها والأغرب من كل ذلك في حالة مشاهدتهما لشخص غريب داخل المعهد خاصة في الفترة المسائية يستفسرون معه وقد يصل الأمر إلى منعه من الدخول ونظرا لهذه السلوكات التي يقوم بها الشخصان كل المدراء المتعاقبين على المعهد يمنحونهم كل الحرية في التجول داخل المؤسسة وفي كل الأوقات . كما يدمن المدعو «إبراهيم الكيلو» بنفس المدينة على قراءة الجرائد بحيث يتصفح يوميا كل عناوين الصحف ويناقش في قضايا السياسة وكل صغيرة وكبيرة تتعلق بالوضع الراهن إلا وله علم بها وله رأيه فيها ، كما يعرف هذا الأخير بالسير في الجنائز بحيث كل شخص يتوفى بالمدينة ويصله خبر وفاته إلا ويسير في جنازته سواء يعرفه أو لا يعرفه ، كما يوجد آخر متمكن في اللغة العربية حتى أنه عجز عن مجاراته العديد من حاملي الشهادات في شرح بعض المصطلحات وإيجاد مرادفاتها. يوسف الصديق مختص في علم النفس: هؤلاء كانوا أشخاص منضبطين في حياتهم العادية وحاليا تصرفاتهم لا شعورية من جهة أخرى يؤكد الأستاذ المتخصص في علم النفس بجامعة سعد دحلب بالبليدة بن يوسف الصديق أنه هؤلاء كانوا في حياتهم العادية أشخاص منضبطين ونظامين كما يحبون الانضباط والنظام و يريدون حياة سليمة وصحيحة خالية من الأخطاء ، لكن اليوم كل هذه التصرفات التي يقومون بها هي سلوكات لاشعورية ويتصرفون وفق شخصيتهم العادية التي كانوا عليها في حياتهم العادية مضيفا أنهم اليوم يعودون إلى اللاشعور ليعيشوا حياتهم السوية من جديد وفق صورة سابقة رسمت في شخصيتهم السوية ويعيشونها من جديد لاشعوريا ، موضحا أن هؤلاء أشخاص منضبطين لا يعيشون في الفوضى في حين حاليا يعيشون شخصية مشوشة ويريدون العودة إلى الحالة السوية من جديد و كأنهم يريدون بهذه السلوكات بناء شخصياتهم القديمة من جديد والتعديل من هذه الفوضى التي لا يحبونها بالتعبير عنها في اللاشعور .