في ختام زيارته لمؤسسات تابعة لقطاعه،وزير الاتصال،محمد لعقاب،من وهران: انهينا إعداد مشروع صندوق دعم الصحافة وسنعرضه على رئيس الجمهورية    قالت تحسبا للانتخابات الرئاسية المقرر يوم 7 سبتمبر المقبل: حركة البناء الوطني تنظم ندوة خصصت لشرح خطتها الإعلامية    خلال إشرافه على افتتاح ندوة ولائية للأئمة بتمنراست،يوسف بلمهدي: التوجه للبعد الإفريقي عبر الدبلوماسية الدينية أمرا في غاية الأهمية    نشاط "سيدار" لن يتأثّر بحادث وحدة تحضير المواد والتّلبيد    احتضنته جامعة محمد الصديق بن يحي بجيجل: ملتقى وطني حول دور الرقمنة في مكافحة الفساد والوقاية منه    عطاف يجري محادثات مع الأمين العام للأمم المتّحدة بنيويورك    الجزائر تنجح في تحقيق تأييد دولي "ساحق" لأم القضايا    الجزائر تقدّم 15 مليون دولار لصالح الأونروا    فوكة في تيبازة: افتتاح مركز تحضير النخب الوطنية بمعايير عالمية    اصطياف 2024..فرصة إبراز وجهة الجزائر السّياحية    خلق أزيد من 3000 منصب عمل دائم في المرحلة الأولى من العملية: تسليم قرارات تغيير النشاط وتعديل الشكل القانوني لفائدة المستثمرين بقسنطينة    إيران وسياسة الدفاع الإقليمي في الشرق الأوسط    عميد جامع الجزائر يستقبل المصمّم    أتلانتا يقصي ليفربول من الدوري الأوروبي    هلاك 5 أشخاص وإصابة 175 آخر بجروح    رقمنة السّكن الاجتماعي.. وإطلاق "عدل 3" قريبا    اتّساع حظيرة المركبات يفرض استعمال تقنية الخرسانة الإسمنتية    ارتفاع جنوني في أسعار الخضر بعد رمضان    وزارة الثقافة تقدّم ملف الزّليج لدى اليونيسكو    36 مؤسسة إعلامية أجنبية ممثّلة في الجزائر    لا بديل عن رفع مستوى التّكفّل بمرضى القلب والشّرايين    نعمل على تقليل ساعات انتظار الحجاج بالمطارات ال 12 المبرمجة    حزب التجمع الجزائري يعقد اجتماعا لمكتبه الوطني تحضيرا للانتخابات الرئاسية    الأندية الجزائرية..للتّألّق وتحقيق أفضل نتيجة    حفل افتتاح بهيج بألوان سطع بريقها بوهران    الإدارة تقرّر الإبقاء على المدرّب دي روسي    "الهولوغرام" في افتتاح مهرجان تقطير الزهر والورد بقسنطينة    في إطار دعم الاستثمار: ترحيل استثنائي لعائلين بأولاد رحمون بقسنطينة لتوسعة مصنع    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم ملتقى حول التنمية البيئية    فايد يشارك في أشغال الاجتماعات الرّبيعيّة ل "الأفامي"    ألعاب القوى/مونديال-2024 / 20 كلم مشي: الجزائر حاضرة بستة رياضيين في موعد أنطاليا (تركيا)    ادعاءات المغرب حول الصحراء الغربية لن تغير من طبيعة القضية بأنها قضية تصفية استعمار    العاصمة.. تهيئة شاملة للشواطئ وللحظيرة الفندقية    هؤلاء سيستفيدون من بطاقة الشّفاء الافتراضية    حصيلة شهداء غزة تتجاوز 34 ألف ومناشدات لتوثيق المفقودين    بجاية: مولوجي تشرف على إطلاق شهر التراث    المهرجان الثقافي الوطني لأهليل: أكثر من 25 فرقة تشارك في الطبعة ال 16 بتيميمون    "صديق الشمس والقمر " تفتكّ جائزة أحسن نصّ درامي    الملتقى الدولي "عبد الكريم دالي " الخميس المقبل..    المجمّع الجزائري للّغة العربية يحيي يوم العلم    وهران.. تعزيز روح المبادرة لدى طلبة العلوم الإنسانية    قطاع المجاهدين "حريص على استكمال تحيين مختلف نصوصه القانونية والتنظيمية"    باتنة.. إعطاء إشارة تصدير شحنة من الألياف الإصطناعية إنطلاقا من الولاية المنتدبة بريكة    انخفاض عبور سفن الحاويات في البحر الأحمر بأكثر من 50 بالمئة خلال الثلاثي الأول من 2024    ليفربول يرفض انتقال المصري محمد صلاح للبطولة السعودية    بلعريبي يتفقد مشروع إنجاز المقر الجديد لوزارة السكن    فلسطين: 50 ألف مصلي يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك    الإذاعة الجزائرية تشارك في أشغال الدورة ال30 للجمعية العامة ل"الكوبيام" في نابولي    تصفيات مونديال أقل من 17 سنة/إناث: المنتخب الوطني ينهي تربصه التحضيري بفوز ثانٍ أمام كبريات الجزائر الوسطى    تجارة: زيتوني يترأس إجتماعا لتعزيز صادرات الأجهزة الكهرومنزلية    هيومن رايتس ووتش: جيش الإحتلال الصهيوني شارك في هجمات المستوطنين في الضفة الغربية    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    هذا موعد عيد الأضحى    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقد، بين المحاباة والمعاداة وتصفية الحسابات
نشر في النصر يوم 10 - 06 - 2013

هناك الكثير من النقد الذي يتناول شخص الكاتب أو الكاتبة بالإساءة والتجريح، وهذا بعيدا عن النص كمتن إبداعي قابل للنقد البناء والموضوعي والإشارة إلى مواضع الضعف والهنات والهفوات فيه، لكن ما يحدث في بعض النقد الذي يتناول بعض الأعمال الأدبية لبعض الكتاب والكاتبات، أنه يترك النص جانبا ليتفرغ لتناول شخص الكاتب كيفما شاءت له قريحة التجريح والتنكيل. الظاهرة قديمة طبعا وليست وليدة اللحظة أو الآن، لكنها استفحلت مؤخرا أكثر وبشكل يدعو للقلق في الوسط الأدبي الجزائري؟، فلماذا يا ترى تحول بعض النقد في الجزائر إلى إساءات وإيذاءات وتصفية حسابات؟، هل انحرف النقد عن مهمته ورسالته وسكته؟. هذه أسئلة ملف كراس الثقافة لعدد اليوم والتي يجيب عليها ويتحدث بشأنها بعض النقاد والكتاب وكل حسب رؤيته ومقاربته للظاهرة وسياقاتها.
إستطلاع/ نوّارة لحرش
عبد الله العشي/ شاعر وناقد
الظاهرة طبيعية وليست أمرا طارئا في ثقافتنا القديمة والحديثة
حتى لا يفهم أن هذه الظاهرة هي الممثلة للنقد الأدبي الجزائري، أشير إلى أن هناك ممارستين نقديتين، إحداهما تشبهها في الهدف وإن كانت نقيضا لها في الشكل، وهي النقد القائم على المجاملة والمحاباة، والأخرى المختلفة عنهما في الشكل والهدف، وهي النقد العلمي الموضوعي. والممارسات الثلاث حاضرة في الخطاب النقدي في الجزائر. يمكن أن تكون (ظاهرة العنف) في النقد الأدبي مرتبطة بحالة اجتماعية أعم، يوجهها العنف على المستوى السياسي والإعلامي والتربوي والإداري ثم الثقافي والأدبي، وربما يعود ذلك إلى البنية النفسية والفكرية للفرد الجزائري الذي غالبا ما ينعت بالقسوة والشدة، وبالتالي بالتمركز حول الذات واستبعاد الآخر (ولهذه الفكرة تفسيراتها التاريخية) لكن هذا التفسير لا يعني جميع الكُتاب والأفراد، إنما يتعلق فقط بمن يمارسون هذا النوع من الكتابة النقدية. إضافة إلى هذا التفسير العام يمكنني أن أفسر الظاهرة، من وجهة نظري، بإعادتها إلى الأسباب التالية:
السبب الأول يتعلق ب "الناقد" الذي لم يبلغ بعد درجة الوعي النقدي، ولم يدرك دلالات فعل النقد، ولا مسؤوليات الممارسة النقدية، إنما يتصرف بعقل تشكل خارج "المؤسسة النقدية"، ونما خارج قيم العلم والثقافة، وتوجهه رغبات أو خلفيات ذاتية، فجاء إلى الكتابة "فقيرا" إلى لغة النقد ومناهجه وأساليبه وأهدافه المعرفية، جاء إلى النص الأدبي من خارج الأدب ومن خارج النقد، يستعمل لغة من سياق آخر، ويخوض "معركة" يبدو أن موضوعها هو الأدب، لكن الأدب ليس سوى مجرد ميدان لها. صحيح أن هناك نصوصا لا تستحق شرف الانتماء إلى الأدب، لكن النقد يمتلك من الآليات اللغوية والمنهجية والمعرفية ما يستطيع بها وصف حقيقة تلك النصوص، ويمتلك سلطة تستطيع إخراج "النتوءات الأدبية الدخيلة" من دائرة الأدب.
والسبب الثاني يعود إلى المؤسسة التي تروج لتلك الكِتَابات وتسمح لها بالعبور، (سواء كانت مجلات أو جرائد أو مواقع إلكترونية أو دور نشر الخ...)، فإما أن هذه المؤسسات تفتقر إلى الوعي الثقافي وإما أنها متورطة مع الكاتب.
والسبب الثالث قد يعود إلى "الحراك النقدي" العام، الذي لم يتمكن من تأسيس تقاليد تمثل "سلطة رمزية" ملزمة، هذا الحراك يصنعه الكاتب والناشر والقارئ والمؤسسة الإعلامية والأخلاق الاجتماعية.
ولا شك أن ظاهرة "المركزيات الصغرى" (الشللية)، والتي تشكلت في غياب مشروع ثقافي عام يجمع الأغلبية على قواعد عامة وقيم كبرى، دعم هذا التوجه السالب. لكن الممارسة الأخرى المقابلة، ممارسة المجاملة والمحاباة، ليست أقل ضررا من هذه، فهي كثيرا ما ترفع "كتبة" إلى درجة الكُتاب وتصنع منهم رموزا تضلل القارئ والرأي العام. لا يعمل هؤلاء وحدهم، فهم يمثلون طبقتهم أو مجموعتهم أو "مركزيتهم الصغيرة" أو مؤسسة غير أدبية، وللأسف فإن عددا من الأسماء والنصوص هي من صنع "مؤسسات" غير أدبية، تقف في الظل وتستغل كُتابا من هذا النوع أو ذاك بشكل ذكي، وتدفعهم للنطق بلسانها. وعليه، يحتاج الناقد أن يكون مؤسسة بذاته، متحررا من أي إكراه، مستقلا بعقله، عن أية غايات أو مصالح غير علمية. هذا مع الإشارة إلى وجود نقاد علميين موضوعيين حريصين على ماهية النقد الأدبي ومنهجه وأهدافه، يستحقون التقدير، ولا ينبغي أن يكونوا، في ظل أوضاع ثقافية ضالة ومضللة، ضحية ممارسات لن تسجل لها موقعا في التاريخ. لنقل في النهاية إن هذه الظاهرة طبيعية، وإن لم تكن صحية، وليست أمرا طارئا في ثقافتنا القديمة والحديثة، وبقدر تطور النقد الموضوعي سوف تنكمش هذه الممارسات السلبية سواء في الكتابة أم القراءة.
سعيد بوطاجين/ كاتب وناقد ومترجم
أن يهتم النقد بالأشخاص فذاك تجاوز لحدوده
علاقة الناقد بالإبداع، كما في الأعراف، لا تتعدى المنجز الذي يتعامل معه، في بناه وتراكيبه ونحوه ومعجمه وجمالياته، وكيف قال ما قاله. أما مهمته الأساسية فتكمن في ترقية هذا الإبداع بالتنبيه إلى خصوصياته، إيجابية كانت أم سلبية. ما عدا إن تعاملنا مع المقاربات اللسانية البنيوية التي تؤسس على الوصف، دون أي تقييم للمادة السردية أو الشعرية، بالنظر إلى القيود التي وضعتها بعض المناهج الجديدة التي وجب مراجعتها. في حين قد يهتم الإبداع بمسار الأشخاص والشخصيات، كواقع أو كمتخيل، كما في القصيدة الهجائية، وكما في النثر الذي يُعنى بالتاريخ، وبالواقع كذلك، سواء في إطار رمزي أو تقريري. وقد حدث في بعض النصوص أن نقل الكتَاب حياة أفراد وجماعات وأحزاب. أما أن يهتم النقد بالأشخاص فذاك تجاوز لحدوده من حيث إن الكاتب ليس نصا، شأنه شأن الشاعر والمسرحي والرسام، وإذا حدث أن وقع أمر كهذا، وقد حصل فعلا، سواء في السبعينيات أو بعدها، فمعناه أن هناك خللا في فهم وظيفة النقد برمتها. أي أننا نكون قد انتقلنا من جغرافية النقد الأكاديمي إلى حقل آخر لا علاقة له بالنقد المتعارف عليه عالميا.
لا توجد أكاديميات في هذا الشأن، وليس من تقاليدها الخروج عن الحدود المرسومة لها من قبل المناهج مجتمعة، التحليل النفسي أو الاجتماعي أو الدلالي أو الأسلوبي أو غيرها من المناهج. مع الإشارة إلى بعض التجاوزات التي حصلت في التحليل النفسي للنصوص، أو في التحليل الاجتماعي، أو في مقاربات انطلقت من الانطباعات والمواقف الأيديولوجية والدينية. قد تحصل خروقات ليست لها مسوَغات علمية، ومن ثم ضرورة تجاوزها، لأنها لا تنتمي إلى النقد، بل إنها تحط من قيمته وأخلاقه. حتى النص الذي نتعامل معه نقديا يجب أن نحترمه لأنه جهد له مبرراته، أما النقد الموجه له فليس سوى تنبيه إلى الزلل، من تموقع عيني وفي سياق حصري. ذلك أن المواقف متغيرة، كما الذائقة، ما عدا ما ارتبط بمسائل لا يمكن أن تكون إلا كذلك. مع ذلك يجب أن نشير إلى تجاوزات الكتاب في حق النقاد، وليس في حق النقد كآلية علمية، ويمكننا مراجعة ما ينشر أحيانا على صفحات التواصل الاجتماعي من تعليقات فجة مليئة بالأخطاء النحوية والإملائية، وبمطبات بنائية وأسلوبية غير مقبولة. خاصة عندما تأتي من كتَاب مكرسين وطنيا وعربيا. وما يمكن قراءته على صفحات التواصل الاجتماعي هو ما يتم تداوله في الشارع.
أعتقد أنه من المهم أن يلتزم كل منهما حدوده. أما الاعتقاد بأن النقد لا قيمة له، وبأن النقاد لا يفهمون في الشأن الأدبي، فتلك مسألة جزائرية، أحد الاكتشافات المصيرية في تاريخ الأدب عبر التاريخ. ثمة اليوم تصادم لا يجدي، وليس من السهل تجاوزه في الفترة الحالية سوى بعدم الكتابة عما يكتب، وذلك تفاديا للخروج من النص إلى الذات. لم نكرس بعد لتقاليد الحوار، ويبدو أننا لم نعد بعيدين عن جدل الأسواق. كل منا بسلطنته وحاشيته وحريمه وقوانينه.
قلولي بن ساعد/ قاص وناقد
من الأفضل تجاهل كل السياقات الخارج نصية في النقد والإهتمام بالنص لا بمؤلفه
مما لاشك فيه أن تداول كتابات يحاول البعض أن يضعها ضمن خانة "النقد الأدبي" وهي تضمر داخلها أحكاما مسبقة تنتصر للزائف والنمطي والشخصي والقبلي والعلاقات الهشة بين الكُتاب أنفسهم في أبعادها الاجتماعية والأبوية والسياقية يعود بالأساس إلى انفتاح فوضى النشر عن آخرها، والتي هي الأخرى لها سلبياتها، مثلما لها إيجابياتها، يضاف إلى ذلك خلو المشهد الأدبي من حركة نقدية، فنحن لدينا نُقاد وليس لدينا حركة نقدية مؤطرة بشكل منظم ومدروس ومؤسس له بخطى ثابتة وبعد نظر. كل هذا فتح المجال واسعا لهذا النوع من "النقد" الذي لا يحتاجه القراء ولا يشكل أية إضافة نوعية وليس في استطاعته الذهاب عميقا إلى البواطن والمساحات الغامضة التي تحيل إليها وعليها النصوص الإبداعية قصة وشعرا ورواية، وطبعا لا يمكن أبدا استبعاد البعد الذاتي في الكتابة النقدية أو تجاهله وأن الناقد مهما بلغ من الأهمية ومن الموضوعية والحس العقلاني حتى وهو يستخدم بعض الأدوات الإجرائية التي تنتمي إلى المناهج النسقية المغلقة كالبنيوية والسميائية السردية في أولى عطاءاتها مع غريماس وجوزيف كورتيس وحوليات مدرسة باريس للسيميائية ذات المسحة التقشفية العلمية الصارمة فلابد أن تتسرب المؤثرات الذاتية إلى لاوعيه النقدي ومخياله الثقافي وذائقته الإبداعية، لأنه عمل بشري وأن الموضوعية تبقى دائما مسألة نسبية، والمطلوب هو توفر الحد الأدنى من توخي الموضوعية والتعامل مع النص الإبداعي بمعزل عن مؤلفه وعن كل السياقات الخارج نصية، ولو كان الأمر مثلا يتعلق باستثمار منجزات التحليل النفسي في النقد الأدبي الذي يحاول الربط بين النص ومبدعه لكان الأمر مقبولا لأن للإتجاه النفسي في النقد الأدبي بتأثير من فتوحات فرويد ولاكان وغيرهما من المفكرين وعلماء النفس أدواته الإجرائية ومفاهيمه و"إنتاجيته النصية" نسبيا بتعبير جوليا كريستيفا، فما هو ملاحظ عند رصد ومعاينة بعض المقالات التي تمتلئ بأسئلة التسطيح والابتذال لقيم النقد والكتابة أنها تنطلق من محددات خارج نصية فتلجأ إلى اجتزاء بعض المقاطع والفقرات مفصولة عن سياقها الإبداعية لتبرير أحكاما أخلاقية وأخرى مطلقة ترتضيها في أي الاتجاهين "مع أو ضد"، وغالبا ما تكون هذه النزعة مرتبطة أشد الإرتباط بعوامل سياسية في انصياعها الأعمى لتوجه سياسي معين، أو تحيل لخلافات شخصية، أو هيكلية، أو تكتلات فئوية لها أهدافها الضمنية وأجندتها الظرفية وقيمها النفعية التي تدعو لها، وهذا النوع من "النقد" في تقديري الشخصي لا يشكل تيارا فكريا ولا يستقي مفاهيمه من أية مدرسة في الكون والتاريخ، بل لا يملك أصلا مفاهيما واضحة ومعترف بها علميا، وهو غير جدير بالبقاء والتداول الإعلامي والثقافي ومن الأفضل تجاهله والإهتمام بالنص لا بمبدعه ومؤلفه، والعمل على الحد من حضوره وشيوعه، والتوجه صوب النص الإبداعي بما يثيره فينا من حس إبداعي ومن عوالم إبداعية جديرة بالتأمل النقدي والمساءلة الفلسفية وما يطرحه من إنزياحات لغوية ودلالية وتركيبية على مستوى اللغة والجملة والتشكيل المفرداتي، لا بد للدرس النقدي أن يمتح من جمالياته لإضاءة جوانبه الداجية، والكشف عن علاقة النص بالدلالة والمعنى وبالقيم الإبداعية التي ينتجها، واعتبار ذلك عملا إبداعيا ونقديا ثانيا هو بمثابة "الكلام عن الكلام" بتعبير أبي حيان التوحيدي طالما أن الكشف عن "المعاني الإضافية والرمزية للمتعة النصوصية" كما يسميها رولان بارت ليس مطلوبا من المبدع منشئ النص إضاءتها، بل إنها من مهام الناقد الذي ينشئ على ضوء النص الإبداعي نصا آخر ينتمي إلى حقل النقد الأدبي النصوصي المؤسس على معرفته النسبية وتمثله لمقومات الكتابة النقدية وأسسها وعلاماتها المحفوفة بالمعرفة وبأسئلة الكتابة الإبداعية وتنوع طرائق القول الإبداعي درءا لأي انحراف أو انسياق وراء وتائر ما هو زائل وظرفي ومبتذل لكي لا يفترس "نصوصنا وحش التاريخ" كما كان يقول عبد الكبير الخطيبي.
عز الدين جوهري/ كاتب وناقد
لا نَملكُ مُؤسسة نَقديَّة مُواكبَة للحَركَةِ الإبداعِيَّة بعيدًا عَن التَّجريحِ والتَّنكيلْ بالمُبدِعِين
يُعدُّ سُؤال النَّقد عِندنَا فِي الجَزائر مِنْ بينِ الأسئلةِ الأكثر هَشاشةً، وقابليَّةً للكَسرِ، مِن بَاقي الأسئلةِ الثقافيَّةِ العَامَّةِ، التي يَبدو أنَّهَا لا تريدُ أنْ تُراجعَ مَناهجهَا وأدواتهَا البَاليَّةِ مِن جهة، والقذِرةِ مِن جهةٍ أخرى، لأنَّنا فِعلا لا نَملكُ مُؤسسة نَقديَّة مُواكبَة للحَركَةِ الإبداعِيَّة بعيدًا عَن التَّجريحِ والتَّنكيلْ بالمُبدِعِين الذين تأثَّرتْ دَواخِلهم ومَزاجهم الإبدَاعِي، ممَّا أدى بالكَثيرِ مِنهم إلى التفكيرْ الجدِّي في العُزوفِ عَن الكِتابة، وطَمسِ مَواهِبهم الإبداعيَّةِ في تُرابِ الأحقادِ والضَّغائنِ، والنَّعراتِ الثَّقافيّةِ التي قَتلتْ مُبدعينَ كثيرينَ فِي المهدِ، وأسلَمتْ مواهبهمْ إلى الجَحِيمِ الأرضِي.. إنَ مُساءلة النُّصوصْ تعدُّ مَسألة خَطيرةً، خُصوصًا حِين يتحوَّلُ بَعضُ النَّقدِ إلى مُهاتراتْ وتَجريحٍ فِي المبدعينَ، والطَّعنِ في سُلوكهمْ ومُمارسَتِهم للحَياةْ، بعيدًا عَن وَظيفةِ النّقدِ الحَقِيقيَّة، التي وجبَ عَلى النّاقدِ أنْ يتَحلَّى بهَا وأن يتأدّبَ بأدبهَا ويَنتهجَ نَهجهَا الواعي، الذي يَهدفُ إلى إبرازِ مَواطنِ الخَللِ والضَّعفِ والقوَّةِ للنَّصِ الأدبي بعيدًا عَن كاتبهِ ومزاجهِ، وطريقةِ عيشهِ، ونَمطَ تفكيرهِ، فنقَّادنَا لمْ يعدْ يهمُّهمْ مُنجَزَ أبنائِهم وبنَاتِهم، إلا لأجلِ تَصفية حِساباتْ، والتربُّصِ بهمْ في الزَّوايا الضيِّقةِ، والطَّعنِ في شُخوصهمْ بسببِ مرجعيَّاتْ شَخِصيّة عِدائيَّة، لذلكَ وجبَ علينَا أن نسأل النُّقادْ عن سَببِ عُزوفِهم عَن تنَاول المَتن الإبداعي الجَزائري، التي أعلَن الكَثير مِن المُتابعين للشَّأن النَّقدي، أنَّها تَحوَّلتْ إلى حَلبة تَصفِية حِساباتْ نَاتجَة عَن ذِهنيَّات مَريضَة، همَّهَا الوَحيد الاصطِيَاد فِي المَاء العَكر. أينَ هُم نقّادنَا الجادّينَ الذين يُمارسون النَّقد عَلى أصولهْ؟ أينَ الأدواتْ النَّزيهة التي تهدفْ إلى إبراز القِيمة الجَمالية للنُّصوصْ الأدبيَّة؟ ألمْ يأنِ لنقَّادنَا أن يُعيدُوا النَّظرْ فِي أساليبهمْ التي شوَّهتْ سُمعةَ النَّص، والمبدعَ على حَدٍّ سواءْ.. إنَّنَا نَنحَدرُ بِسرعةِ البرقِ نَحوَ الهَاويَّةِ! لذلك يُؤسفُني أيُّها السَّادة أنْ أعلنَ مَوتَ النَّقدِ والنُّقادْ.
محمد كعوان/ كاتب وناقد
النقد الذي يخطئ النص ويصيب صاحبه هو نقد مأزوم ومرضي
إن النقد الحق هو ذلك العمل المؤسس على خطوات المنهجية العلمية الكفيلة بكشف جماليات النصوص الإبداعية وقيمتها، والمحتكم إلى رؤى جمالية نابعة من طبيعة العصر الذي نحياه، ولما كان النقد الذي نمارسه في دراساتنا الأكاديمية والصحافية أيضا، وفي حياتنا اليومية العادية قائما في أغلب الأحيان على الذوق، فإن الذوق مستويات، ولعل الذوق السليم الذي نحتكم إليه في قراءاتنا وأحكامنا النقدية هو ذلك الذوق الذي صقلته الدربة وكثرة القراءات للنصوص الجيدة قديمها وحديثها، والمؤسس أصلا على المعرفة الدقيقة لأمور اللغة، نحوها وصرفها، وبلاغتها...إلخ، والمعرفة الواسعة للجنس الأدبي الذي نحن بصدد نقده ودراسته، والمقاييس الجمالية التي يحتكم إليها أدباء العصر. وهذا ما يجعل أحكامنا موضوعية ومنطقية، وهو بخلاف ذلك النقد المؤسس على الأهواء والتعصبات الفكرية العمياء والأهواء الشخصية والنزوات الفردية المريضة التي تحابي وتعادي على غير أسس نزيهة من التذوق والتحليل والتعليل المنطقي والعقلاني الذي يشترك فيه كثير من الناس. فالتقييم الموضوعي المحايد للأعمال الأدبية والفنية، هو المقصود بتسمية النقد، فدلالة المصطلح اللغوية كانت منذ القديم تدور حول التمييز بين الصالح والطالح، الجيد والرديء في كل شيء، لذلك يقوم التمييز هنا على ذكر المزايا والعيوب، والابتعاد قدر الممكن عن المبالغات التي تؤدي في نهاية المطاف إلى تعميم الأحكام دون وجه حق، وهذه هي السمة الغالبة لدى كثير من ممارسي النقد الصحافي للأسف الشديد، حيث نشهد عديد الظواهر السلبية كتجاهل الجيد مقابل تضخيم مظاهر الرداءة، أو العكس، أو الانطلاق من مقدمات خاطئة، لنصل في النهاية إلى نتائج خاطئة أيضا، أو الاتكاء على أحكام مسبقة ومضللة في الآن نفسه. أو تجاوز النصوص الأدبية إلى تشخيص ونقد شخصية أصحابها، ومن ثم يكون النص قنطرة للمس بكرامة وسمعة صاحبه، وهنا تحضرني مقولة الناقد العربي ميخائيل نعيمة والتي جعلها في مستهل حديثه عن النقد والنقاد. والتي تقول: "من غربل الناس نخلوه" فالنقد الذي يخطئ النص ويصيب صاحبه هو نقد مأزوم ومرضي، كما أننا لا نستطيع أن نلحقه أصلا بأبواب النقد الأدبي، ولذلك وضع النقاد والدارسون منذ القديم شروطا للناقد الجيد، كما هو الحال أيضا بالنسبة للشاعر الجيد المطبوع، وهي مؤهلات تسمح له بارتداء عباءة النقد، والخوض فيه. أما في فترتنا المعاصرة، وفي جزائر اليوم فقد أصبحت الألقاب توزع جزافا على طالبيها، بل قل إن مصيبتنا الكبيرة هي في التسميات والألقاب الممنوحة من بعض المتطفلين إلى إخوانهم من المتطفلين أيضا، حيث عجت الساحة الأدبية بعديد الأسماء والألقاب التي تتباهى بالنقد وسلطته المزعومة، بل إن الأمر قد تجاوز هذا حيث أصبحنا نقرأ يوميا على صفحات الأنترنت سبا وشتما، وتبادل اتهامات بين الأدباء ومنتقديهم، وكثرت أسباب الشقاق والفرقة والخلاف لدرجة أصبحنا لا نتبين فيها المخطئ من المصيب، والمسيء من المُساء له، وربما السبب بالكبير الذي يلف هذا ويفسره هو فهمنا الخاطئ لطبيعة النقد ووظيفته، إضافة إلى وعينا السلبي بالنقد الذي هو فعلا سلاح ذو حدين، فإما أن نبني به ثقافتنا، ومشروعنا الأدبي وتميز نصوصنا الإبداعية، وإما أن نهدم به ما بنيناه وما بناه غيرنا أيضا، فنسقط في المحظور الذي لا فكاك منه، فإذا أردنا حقا النهوض بالنقد من هذه النكبة فعلينا أولا معرفة دوره ووظيفته في نهضة الفنون والآداب والثقافات. ومن هنا يتسنى لنا الابتعاد قدر الإمكان عن وظيفته السلبية الأخرى التي كثيرا ما يسخر خدمة لها، ولأهواء ذاتية وآنية ضيقة .
محمد بن زيان/ ناقد وباحث
التردي الأخلاقي حوَّل النقد إلى معارك لتصفية الحسابات ولرد المجاملات وتبادل المغانم
واقع الممارسة النقدية مرتبط بسياق عام، سياق مرتبط بهيمنة النمط الريعي وما كرسه من شبكة العلاقات الزبائنية وبامتداد نفوذ الولاءات التي سبقت الحداثة، الولاءات القبلية والفئوية. سياق مناخ طارد لتشكل النخبة بكل ما تعنيه من دلالات إنتاج الرساميل الرمزية والتأسيس على العقل، تأسيسا يفرز الحالة الحضارية بكل ما تعنيه .وعودة للموضوع، فالممارسة التي تعم، تتناقض أحيانا مع مسمى النقد كفاعلية توليدية للدلالات المُراكمة للمعنى، وما يتفشى هو امتداد لما تعرفه جامعاتنا ولما التبس بالممارسة الإعلامية، بل لو تعمقنا أكثر سنرصد ذلك في المنظومة التربوية التي بددت صياغة العقل النقدي. والنتيجة ما نراه من غياب للتبلور الجدير بالنسبة إلى النقد كفاعلية إبداعية تقرأ النص ولا ترتكز على العلاقة مع صاحب النص، تتعاطى مع المكتوب وليس مع من كتب. وفاقم الواقع الظاهرة بإحباط أدرك عدد من المخلصين للعقل وللإبداع. ولكن لا يمكننا أن ننوه بجهد تبذله أسماء ترفض الخضوع للمنطق السائد، وهي الأسماء التي تكابد مجاهدات استثنائية أكاديميا وإعلاميا وثقافيا في سبيل الانتصار للحقيقة وللجمال. والمتابع لبعض ما يُطرح باسم النقد سيرصد ظاهرة خصومات تفتقد التأسيس المعرفي الذي يحول الخصومة إلى عطاء كما كان يحدث في المعارك الأدبية بين أسماء صاغت الحراك الأدبي في مراحل سابقة، كالمعارك التي جرت بين العقاد وخصومه أو بين زكي مبارك وأحمد أمين. البعض بسبب افتقاده للعدة المعرفية وبسبب تموقعه في ما أسماه أركون بالسياج الدوغمائي المغلق أو بسبب تحكم ما نعته القرآن الكريم بالحمية الجاهلية يفرز الانحطاط المسمى نقدا.
الظاهرة إجمالا بربطها بالسياق العام لا تبدو مستغربة بل هي من علامات الوضع المربك بارتباكاته. لقد عرّف عالم الاجتماع بيار بورديو المثقف كمنتج للرأسمال الرمزي للمجتمع، أي ما يشكل رموزا وعلامات وقيما ودلالات، والمتعاطي مع الإبداع نقديا يقوم بتوليد دلالات وقيم من النصوص التي يتعاطى معها، هذا ما أنجزه بارت وهايدغر وسارتر وبقية الأسماء المرجعية فلسفيا ونقديا في عصرنا، وهذا هو الجدير بالاشتغال النقدي تحقيقه، لأن الأدب وصل مرحلة جعلت قامة نقدية كتودروف يكتب: "الأدب في خطر"، وذلك ما نلاحظه في أثار هيمنة النزعة التقنوية التي أفقدت الإبداع إبداعيته وأخضعته لما بدد ماءه ودمه. كما أن من مصائب الممارسة الإسقاطات المتعسفة لأطروحات نقدية مبتورة عن مرجعياتها ومستنداتها الفلسفية والمعرفية وعن سياقات تشكلها. وزاد الانحطاط بالتردي الأخلاقي الذي حول النقد معارك لتصفية الحسابات ولرد المجاملات وتبادل المغانم. لكن، لا يمكن أن نعمم، هناك انحرافات خطيرة وهناك محاولات لممارسة سوية وهناك إشتغالات نوعية، لكن الضجيج يحجب الاشتغال النوعي المتمرد على سيرة القطيع. مشكلتنا في الجزائر غياب المنابر وغياب فضاءات التواصل، فرغم العدد الهائل للعناوين الإعلامية لا توجد إلا بعض العناوين التي تفتح صفحاتها للنقاش ولملاحق ثقافية، كما يفتقد المثقفون فضاءات اللقاء، ولعله من نافلة القول التذكير بمحورية المنابر والفضاءات في شحن المشتغلين ثقافيا ونقديا بطاقة العطاء.
عمر عيلان/ باحث وناقد
الكتابات التي تتجاوز النص لتقييم النوايا هي ليست من النقد الأدبي في شيء
للإجابة على السؤال المطروح حول طبيعة بعض الكِتابات التي تتجاوز النص لتسلط أحكامها على الكاتب، يجب علينا بدءا أن نعرف النقد الأدبي لنحكم على تلك الكتابات هل نصنفها في خانة النقد الأدبي أم ندرجها في مجال آخر. إن الخطاب النقدي في جانبه العملي يشكل مساراً إجرائياً ينطلق من التصورات والمنظورات الفلسفية والجمالية ليحدد مستويات يتم من خلالها رصد حركة الفعل الإبداعي، عبر جملة من الممارسات والمقاربات التي تسعى لإقامة تصنيف وترتيب منهجي لكل السلوكيات الفنية والجمالية. بهدف ضبط مجالات وأشكال التعبير الفني، وتوجهاته المتعددة. ويستند الخطاب النقدي إلى مجموعة من الإيواليات الضرورية لتوضيح خصوصيته المعرفية، وإذا سلمنا جدلاً بأن النقد هو خطاب عن خطاب وإبداع ينطلق من الإبداع، فإنه من ناحية أخرى قراءة تقوم على شروط أهمها الوساطة بين النص والمتلقي، فالناقد قارئ لقارئ، تتحكم في فعله القرائي عناصر معرفية ومنهجية، وجهاز مصطلحي واضح ومتجانس بحكم أن المصطلح مكون أساسي يعكس التوجهات المنهجية، ويحدد ملامح الخطاب النقدي، حيث أن المصطلح "يعطي النقد والتنظير بعداً واضحاً حين يسمي مادة الآداب اللغوية باللغة نفسها" ويساهم في تقريب النقد والتنظير من حقول المعرفة بدءاً من استعمال "مصطلحاتها" وهو الشيء الذي يجعل المفاهيم النقدية أكثر وضوحاً وانسجاماً. واعتبارا لما سبق فإن كل الكِتابات التي تنطلق من أحكام القيمة والذاتية، بل والمحاكمات التي تتجاوز النص لتقييم النوايا هي ليست من النقد الأدبي في شيء. خصوصا إذا جعلت من شخصية المبدع مرتكزها وأصدرت بحقه أحكاما انطباعية خاضعة لأهواء كاتبها. لأن هذه الكتابات لا ترقى حتى إلى مستوى الدراسة الأدبية التي هي خطاب مختلف عن النقد الأدبي لعدم استنادها إلى ضبط منهجي. إن الكتابات التي تعتمد التجريح والإساءة والتشهير ومصادرة الرأي هي لغو يتخذ مظهر النقد، ويندرج في سياقات التشويش والتشويه لحقيقة الفعل الثقافي. كما تنم عن قصور في تصور الاختلاف الإبداعي والجمالي وتحمل في طياتها نزوعا لإلغاء الرأي والذوق المختلف. كما أن هذه الظاهرة التي فتح لها الإعلام المكتوب صفحاته تنم عن غياب وعي نقدي ومعرفي متكامل، وانعدام رؤية شاملة تستوعب الفعل الثقافي والإبداعي في كليته. إضافة إلى ذلك فإن هذه الكتابات المحرجة لحسن الحظ ليست صادرة عن متخصصين، يدركون فعلا طبيعة وخصوصية وأبعاد العملية الإبداعية. وبرأيي فإن هذه الظاهرة غير الصحية والتي تستفحل وتنتشر لسهولة استقبالها عبر الجرائد أو بعض الملتقيات والندوات غير الأكاديمية، ما كان لها أن تشكل رأيا عاما لو كانت هناك بدائل عبر وسائل الإعلام الثقيلة، أو عبر توافر مجلات ودوريات تعنى بالأدب والنقد ذات انتشار واسع. مثلما هو الشأن بالنسبة للدوريات الجامعية الأكاديمية المحكمة التي تحفل بها كل الجامعات الجزائرية، لكن العائق الأساسي يبقى وصولها إلى يد القارئ خارج الجامعة. فالكتابات النقدية الأكاديمية تنأى بعيدا عن الأحكام غير المؤسسة والانطباعية، وتسهم في خلق ثقافة جمالية لدى القارئ وتسهم في تنمية ذوقه الجمالي، وذلك عبر محاورتها للنص الإبداعي بعيدا عن محاكمة الكاتب. وإذا نظرنا للأدب بوصفه مؤسسة اجتماعية بحسب تحديد روبير اسكاربيت، أو حتى اقتصادية على اعتبار أن الكاتب منتج، والجمهور مستهلك، والأدب سلعة ومنتوج تتحكم فيه قواعد السوق من عرض وطلب. فإننا ندرج الكتابات التي تعمد إلى التهليل لكاتب ومهاجمة غيره في سياق الترويج للسلعة. وهذا الترويج قد يتخذ مظاهر متعددة منها المحاورات والإستضافات الإعلامية والصحفية، والجوائز الأدبية التي لا تعني بالضرورة أن الكاتب الفائز بالجائزة هو الأفضل. إن الإبداع حركية وديناميكية تختزل قيما جمالية وتعيد إنتاج تجربة ذاتية ومجتمعية، وفضاء الإبداع لا يعرف حدود المرئي والمعيش فقط. إنه فضاء يتنفس الحرية، وكلما ضاقت مساحة الحرية تراجع الإبداع، ولنا في الأنظمة والمجتمعات الشمولية عبر التاريخ خير دليل على ذلك. ولذا فإن التشويه والتجريح والحملات الممنهجة للنبش في الخصوصيات الشخصية للأدباء والمبدعين عموما، لا تسهم على الإطلاق في فسح المجال أمام التفتح الإبداعي، وتنم عن قصور معرفي وثقافي، حبيس دوغمائية حراس النوايا ومريدي محاكم التفتيش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.