صمود الكلمات في مواجهة همجية التعذيب * عبد الرحيم قادوم يقدم هنري علاق في كتابه المسألة " la question" صورة عن التعذيب الوحشي التي كانت تمارسه فرنسا الاستعمارية ، ويكشف عن بشاعة الممارسات التي خضع لها وكل مناضلي القضية الوطنية. هنري علاق المناضل في الحزب الشيوعي الفرنسي ، كان شاهدا وضحية التعذيب ، و رغم ذلك ظلت ذاكرته حية ، تحتفظ بأسماء جلاديه ، من عذبوه ، يروي بالتفصيل رحلته في سجون المستعمر من الأبيار أين تعرض لأولى جلسات التعذيب عن طريق شاربوني الملازم في فرقة المظليين إلى إيريلان الذي كان ضمن الفرقة التي أشرفت على استنطاقه و العقيد دوفيس و الرقيب جاك ، إلى الشقراء التي كان تطل عليه من النافدة، و تستهزئ به على أنه اختار الجانب الآخر على بني جلدته من الفرنسيين. « في هذا السجن المكتظ، كل زنزانة فيه تضم آلاما، و الحديث عن شخصي يعد نوعا من التطاول وغير لائق أمام هذه المأساة. في الطابق الأرضي يوجد قسم المحكوم عليه بالإعدام (... )أقدامهم مكبلة ، ينتظرون الفرج أو النهاية ، وعلى إيقاعهم نعيش نحن، لا أحد من المحبوسين يعود إلى حصيرته في المساء دون أن يعتقد أن يكون فجر الغد بائس، ينام و يأمل أن بكل قواه أن لا يحدث أي شيء، لكن في هذا الجناح تصعد الأغاني الممنوعة، هذه الأغاني الرائعة، المنبعثة من قلب الشعوب التي تكافح من أجل الحرية ". بهذا المشهد المحزن و البطولي في نفس الوقت الذي تنبع منه رائعة العرق ودم العادين من جلسات التعذيب ، يفتتح هنري علاق حكايته مع التعذيب ، من الأبيار إلى سجن برباروس. وخلال كل هذه الفترة ، يدون المناضل كل لحظات هذه المأساة الإنسانية ، إلى حد أن يقر أن كلمة أو مصطلح التعذيب أصبح أمر عادي و مألوف، أنين المعذبين، صراخهم الذي يكسر صمت الليل الطويل ، أغاني الأمل المنبعثة من الأجساد المنهكة من جلسات الكهرباء، لأنهم قليلون أولئك الذين نجوا من جلسات التعذيب، سواء بواسطة رجال الشرطة أو المظليين. وتبدأ رحلة الكاتب مع التعذيب ، من ساعة توقيفه في منزل صديقه موريس اودان، من قبل مفتش في الشرطة كان يترصده في منزل صديقه يوم الأربعاء 12جوان 1957، على الساعة الرابعة بعد الزوال حيث يتم نقله من قبل الملازم شاربوني من فرقة المظليين، ليتم نقله إلى عمارة في طور البناء الأبيار، وقبل أن يبدأ استنطاقه يقول له الملازم شاربوني :" سنعطي لك فرصه ، هذه ورقة و قلم رصاص ، وستقول لنا أين تسكن ، من كنت تأوي، منذ متى، تحولت إلى السرية ، ومن الأشخاص الذين تعرفت عليهم و ماهي نشاطاتكم" غير أن كانت قدم لهم إجابات غير التي كانوا ينتظرونها وعندها لم يتردد الملازم شاربوني ، في استدعاء الفرقة الخاصة،ويروي علاق جلسة التعذيب الأولى التي اشرف عليها نفس الملازم و يوركا ، الذي بدا في تجهيز العدة :" بدأ لوكا في وضع قطعة خشبية سوداء على الأرض ،كانت متشبعة بالرطوبة، متسخة بها آثار تقيؤ من سبقوني، قبل أن يطلب مني أن استلقي عليها، بينما كان يوركا و بمساعدة آخر كان يربط يدي و رجلي، بواسطة أسيار من الجلد كانت مثبتة في الخشبة(...) بينما حاولت وسط هؤلاء المظليين الذين كانوا يحيطون بي، أن أحاول أن أبقى هادئا قدر المستطاع وأمام رفضي الإجابة على أسئلتهم، بأمر من شاربوني تم نقلي إلى غرفة أخرى، حيث تم نقلي و أنا ممددا على الخشبة من قبل أربعة من المظليين، إلى الغرفة المقابلة للمطبخ(..) شاربوني و بلهجة فيها تهكم"لا تعرف هذه، لقد سمعت كثيرا عنها وكتبت عنها". و تبدأ عملية التعذيب بجلوس أحد المظلين على صدري، - الذي تعرفت عليه من بعد في مكتب النائب العام انه الرقيب جاك- ومظلي آخر كان على يساري و آخر عند قدمي و البقية كانوا محيطين بي، قبل أن أرى الكماشات الكهربائية، التي تم تثبيتها في أذني اليمنى و اليسرى، وفجأة اهتز جسدي، وصرخت بكل قواي، كانت هذه أولى الشرارات التي اخترقت جسدي ، وبينما كنت اصرخ كان شاربوني يزيد في كل مرة من قوة الشحنات، إلى حد انه أضطر لغلق فمي بقميصي، و أمام رفضي الدائم الإجابة على أسئلتهم قام شاربوني، بتثبيت الواصل الكهربائي في جهازي التناسلي، ومن شدة اهتزاز جسدي بفعل قوة الشرارات الكهربائية، انفكت الخيوط التي كنت مربوطا بها وفي كل مرة يشد وثاقي و يتواصل تعذيبي، برمي الماء على جسدي و تمرير الشرارات الكهربائية عل جسدي عندها أحسست أنني بدأت أفقد أعصابي، وتوالى التعذيب دون أن امنحهم فرصه الحصول على ما يردون قبل أن يأمر شاربوني بتوقيف المرحلة الأولى من التعذيب لتتواصل فيما بعد يقول الكاتب بطرق أخرى من خلال غطس رأسي في الماء، و مرات أخرى بالكهرباء و بقوة أكبرى أغمي علي في إحداها. وبتفاصيل دقيقة يروي هنري علاق مراحل التعذيب، التي ازدادت حدها كلما تعنت في عدم الرد على أسئلتهم :" لقد تم دفعي إلي المطبخ ، بعد أن تم ربط قدمي بخرقة مبتلة بعدها تم رفعي إلى أن أصبح رأسي في الأرض و رجلاي في السماء، ولم تكون سوى أصابعي تلامس الأرض، قبل أن يشعل لوكا نارا في ورقة مررها على جسدي و أعضائي التناسلية ، تطايرت معها رائحة شعري التي كان يحترق. وعلى امتداد شهر من التعذيب، حافظ الكاتب على صفاء ذهنه رغم الإغماءات من شدة التعذيب:" لقد عشت هكذا طوال شهر ، بفكرة أن الموت قريب مني ، في المساء ، في الغد في الصبح ، نومي كان مضطربا و مشوشا بالكوابيس و هزات جلسات التعذيب التي كانت تقضني من النوم" وفي آخر نفس يختم الكاتب:" لأول مرة اكتب بهذا العناء(..) هذا الكابوس الذي عشته و آخرون في نفس الوقت(..) كتبت هذه الأسطر 4أشهر بعد أن تم توقفي و تعذيبي من قبل المظليين، في الزنزانة رقم 72في السجن المدني بالجزائر".