خياطات ماكثات في البيوت يبعن جهدهن مقابل فتات لأصحاب المحلات الراقية لم تتمكن الكثير من النساء الماكثات في البيوت من التخلّص من احتيال و جشع بعض التجار الذين يستغلون ظروفهم المادية الصعبة و حاجتهم الماسة للعمل، فيأكلون حقوقهم و لا يقدرون جهدهم و يمنحونهم أجورا زهيدة مقابل نشاطات شاقة تتطلب الكثير من الوقت و الجهد ،لإعداد فساتين الأعراس التقليدية التي تباع بالملايين في حين لا تقبض مصممتها و منجزتها سوى الفتات ،مثلما قالت إحدى الحرفيات التي التقيناها بمحل للأزياء التقليدية بحي ديدوش مراد بقسنطينة. رغم الفرص المقدمة في إطار القروض المصغرّة و الدورات التكوينية المنظمة لفائدة النساء الماكثات بالبيوت،من أجل تشجيعهن على تأسيس مشاريع صغيرة تمنحهن حظ اقتحام عالم الحرف التقليدية ،لما برهن عليه من أحقية في ذلك لمهارتهن و إبداعهن في مجال الحرف و بشكل خاص في فن التطريز التقليدي، لا يزال عدد كبير من النساء الحرفيات يعانين من جشع بعض أصحاب المحلات المتخصصة في بيع ملابس الأفراح التقليدية بكل أنواعها، و بشكل خاص الزي القسنطيني المعروف بقندورة الفتلة أو المجبود التي عرفت تصاميمها بعض التغييرات المتماشية مع خطوط الموضة، حيث تتعب الكثير من النساء الماكثات بالبيت في التطريز و الخياطة و إعداد الكثير من الفساتين لفائدة أصحاب المحلات الذين يدفعون لهن نصف أو ربع ثمن الزي الذي يستغرقن أسابيع طويلة و يسهرن الليالي أو ينهضن باكرا لإتمامه في الموعد المحدد مسبقا، ليتم عرضه للبيع بأضعاف أضعاف الأجر المقدّم لمن تعبن في إنجازه. و كثيرا ما يثير انتباه المترّدد على محلات بيع أزياء الأفراح التقليدية، منظر النساء المحملات بقطع الأقمشة و أدوات التطريز التقليدية كالطبلة المستخدمة في فن تطريز المجبود الذي لا يزال شائعا في شرق البلاد و إن تغيّرت تصاميم الفساتين التي باتت عصرية أكثر، إلى جانب التصاميم الورقية التي يحملنها في أكياس كبيرة، و يبدو على أغلبهن الإرهاق أو يعكس هندامهن حالة البؤس و الفاقة، و قد حملنا الفضول للسؤال عن حرفتهن و نشاطهن، حيث ذكرت بعض ممن تحدثنا إليهن بأنهن يعملن كخياطات و يقبضن أجرهن عن كل قطعة أو ثوب ينجزنه. الحرفية راضية صاحبة ال34 ، أسرت للنصر، بأنها قدمت من بلدية أولاد رحمون لتسليم بضاعتها لصاحب محل لبيع جهاز العرائس، لأنه منحها مهلة لإنهاء فستان زبونته و هددّها بتوقيف التعامل معها إن هي عجزت عن تسليمه قبل يوم الخميس، مما كلّفها ثلاثة أيام و ليال لإتمامه، قائلة بأنه لولا مساعدة قريبتها لما تمكنت من إنهائه لصعوبة نظم الخرز أو ما يعرف بقسنطينة بحرفة "التعداس" التي لا تزال تعرف طلبا كبيرا عليها من قبل العرائس بشكل خاص. و أضافت راضية بنبرة استياء و هي تسرد معاناتها إزاء نشاطها الحرفي ،قائلة بأنها تشعر بالغضب عندما ترى الثوب الذي تعبت في إنجازه و قبضت 5000 دج أو 10000دج كأقصى أجر عنه معروضا للبيع ب35000دج، مسترسلة بأنها لم تعد تتحمل طرق الاستغلال الجشع لموهبتها في فن الخياطة التقليدية، لكن ظروفها المادية تحتم عليها قبول الشروط التي يضعها صاحب العمل لأنها لم تجد البديل كما قالت. سيدة في عقدها الخمسين كانت رفقة زوجها بمحل بحي رحبة الصوف لتسليم أزياء من نوع "كاراكو" من القماش المخملي ،قالت بأن الحاجة و متطلبات الحياة أجبرتها على مواصلة ممارسة حرفة وصفتها بالجاحدة لأكثر من 10سنوات ، تعاملت خلالها مع تجار قالت أنهم من أصول ميزابية لاحترافهم الواسع لحرفة النسيج بكل أشكالها، آسرة بأن جارتها المتخصصة في صناعة الملابس الصوفية هي من اقترحت عليها العمل مع هؤلاء التجار لعدم تخليهم و وفائهم للصناعات التقليدية. و ذكرت صباح المتخصصة في إعداد أكمام فساتين الأعراس المعدة من الخرز الاصطناعي بأنها تتعب في تجهيز العشرات منها ،مقابل أجر لا يتجاوز ال10000دج في حين تباع كل قطعة بأكثر من 1000دج ،كأدنى سعر على حد تقديرها، مشيرة إلى حالة الاستغلال التي تعانينه من أجل كسب قوت أسرهم الصغيرة أو مساعدة أزواجهن في مصروف البيت في ظل غلاء المعيشة و تراجع القدرة الشرائية. و أعربت البعض ممن تحدثنا إليهن عن أملهن في الحصول على محل أو ورشة للخياطة، للتخلص من حالة الاستغلال التي يعانينها بسبب جشاعة بعض التجار الذين يربحون الملايين على حساب راحتهن و صحتهن، مثلما قالت /زهية.ن / من شلغوم العيد التي أكدت أنها أصيبت بأعراض داء المفاصل، لانحنائها لساعات متواصلة طيلة اليوم، فيما أكدت أخريات بأنهن يعانين نقص البصر بسبب إجهاد عيونهن في حرفة الخرز التي يمارسنها حتى في الليل و تحت ضوء الشموع من أجل الوفاء بوعودهن للزبائن. و ذكرت بعض الحرفيات أنهن طرقن كل الأبواب من أجل الاستفادة من القروض المصغرّة لكنهن لم تتلقيّن ردودا حتى الساعة، فيما اعتبرت أخريات أن قيمة القرض لا تكفي حتى لكراء محل دون المواد الأولية التي تعرف أسعارها تضاعفا من سنة إلى أخرى.