عاش اليمن على امتداد سنة 2014 على وقع أزمة أمنية حادة ارتسمت ملامحها بارتفاع وتيرة العنف بشكل غير مسبوق عقب سيطرة تنظيم "القاعدة" الارهابي على جزء كبير من البلاد ومطالبة "الحراك الجنوبي" بالانفصال ناهيك عن الاحتجاجات الواسعة التي قادها الحوثيون للمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية. وبالرغم من تكثيف السلطات اليمنية لجهودها من أجل تحقيق انتقال سلمي للسلطة والخروج بالبلاد من الأزمة التي تعصف بها منذ أكثر من ثلاث سنوات عبر تجسيد مخرجات الحوار الوطني يبقى الملفان الأمني والاقتصادي من أكبر التحديات التي تواجه حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. - اليمن ... بين مطرقة "القاعدة" وسندان النزاعات الداخلية تحصد آلة الموت في اليمن أرواح عشرات الأبرياء يوميا الأمر الذي أثار مخاوف إقليمية ودولية من تدهور الأوضاع أكثر فأكثر وخروجها عن السيطرة خاصة مع توسع نفوذ تنظيم "القاعدة" ومساندة عدد من قبائل الجنوب والشمال للجماعات المسلحة في ظل ضعف السلطة المركزية في صنعاء. فقد استطاع التنظيم بسط سيطرته على عدد من مناطق البلاد وتوسيع أنشطته الارهابية من خلال استهدافه للمقار الرسمية وتصفيته لمسؤولي الأمن واختطافه للرعايا الأجانب بالرغم من الحملة العسكرية الواسعة التي قادها الجيش اليمني ضد هذا التنظيم. واتخذت الأزمة اليمنية منحنى جديدا عقب سيطرة جماعة "الحوثي" على العاصمة صنعاء وعلى معظم المحافظات والمدن في شمال وغرب البلاد وقيادتها لحركة احتجاجية واسعة عقب الاعلان عن رفع الدعم عن اسعار الوقود في أغسطس الماضي. وطالبت الجماعة بتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تطبيق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وما حملته من مشاريع وأفكار تشرك المكون الحوثي في أجهزة الدولة والحياة السياسية عموما في اليمن. وبالمقابل عاد "الحراك الجنوبي" للواجهة حيث صعد من تحركاته من أجل استقلال الشمال عن الجنوب ودعا أنصاره إلى العصيان المدني بحجة أن صنعاء تغتنم ثروات اليمن الجنوبي السابق (اندمج شمال اليمن مع جنوبه عام 1990) لصالح مسؤولي الشمال. ولحلحلة الأمور تعهد الرئيس عبد ربه منصور هادي بتصحيح الأخطاء التي ارتكبت مع الجنوبيين وتعويض آلاف الموظفين من ضباط وجنود الجيش السابقين الذين تم تسريحهم بعد الحرب التي قادها الجنوبيون ضد الحكومة عام 1994 أو إعادة كثيرين الى مناصبهم وتم التوقيع على "وثيقة حل القضية الجنوبية" التي تقدم بها المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر برعاية عدد من القوى السياسية والتي تقسم البلاد إلى ستة أقاليم أربعة في الشمال واثنان في الجنوب. - نحو مبادرة خليجية ثانية لاستكمال الانتقال السياسي في اليمن يرى الخبراء أن المبادرة الخليجية قد أدت دورها خلال الانتفاضة الشعبية في اليمن وتحتاج حاليا إلى التحديث للخروج بحل جديد للأزمة السياسية في ظل فشل الأطراف في وضع حد للفترة الانتقالية في البلاد. فبالرغم من تحقيق نوع من الاجماع بين مختلف الأطراف السياسية اليمنية حول مخرجات مؤتمر الحوار الوطني إلا أنهم عجزوا عن انهاء الفترة الانقالية بدعوى أن الساحة اليمنية "غير مهيأة" لذلك ودعوا إلى استمرارها حتى عام 2016 وبذلك تعثرت جهود المبعوثين الأممي جمال بن عمر والخليجي عبد العزيز القنيعير لإنهائها. وفي ظل ذلك عرض القنيعير على الرئيس عبد ربه منصور هادي والقوى السياسية اليمنية "مبادرة خليجية الثانية" لمواصلة مسار الانتقال السياسي في اليمن. وتتضمن المبادرة الخليجية الثانية قيام دولة اتحادية فيدرالية في اليمن من إقليمين في الجنوب والشمال وقيام حكومتين مستقلتين مع بقاء الجيش والخارجية من مهام الحكومة المركزية في صنعاء مع احتفاظ كل إقليم بالأمن الداخلي والاستقلالية التامة في إدارة شؤونه وتوزع الموارد الطبيعية بواقع 60 بالمائة للإقليم صاحب الثروة و40 بالمائة للسلطة المركزية على أن تجري إنتخابات في فترة أقصاها سنة من التوقيع على المبادرة الجديدة. وتحمل هذه المبادرة في طياتها نوعا من الاستجابة لمطالب الحراك الجنوبي وحتى الحوثيين في الوقت الذي أبدى فيه الرئيس هادي رفضه لها واعتبرها الرئيس المخلوع بادرة لتقسيم البلاد. - الأزمة الاقتصادية وإشكالية تفجير النفط اليمني بلغ الوضع الاقتصادي في اليمن "مرحلة حرجة" خلال عام 2014 بسبب العجز الكبير الذي تعاني منه الموازنة العامة للبلاد وارتفاع قيمة الدين العام في ظل انخفاض الايرادات العامة جراء العمليات التخريبية التي تطال أنابيب نقل النفط. فقد تكبد الاقتصاد اليمني خسائر بقيمة 7 ملايير دولار جراء التفجير المتكرر لخطوط نقل النفط والغاز وشبكات الكهرباء على يد مسلحين قبليين منذ الانتفاضة الشعبية في 2011. وأدت الأزمة الاقتصادية إلى اتجاه الحكومة نحو مرحلة تقشف تعتمد على تقليص الانفاق وتنفيذ مراجعة كاملة لمستوى وطرق تحصيل الأوعية الضريبية ومعالجة التراكمات. ويعد اليمن البالغ عدد سكانه 25 مليون نسمة - وفقا للبنك الدولي - من الدول الأشد فقرا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث يعيش حوالي 44 بالمائة من السكان تحت حاجز الفقر وتتجاوز نسبة البطالة بينهم 35 بالمائة. ويحتاج اليمن إلى 11.9 مليار دولار لمعالجة مشاكله الاقتصادية في الوقت الذي تتعثر به كافة المشاريع الإنسانية بسبب بطء تمويل خطة الاستجابة الانسانية لهذا العام. ويرى المختصون أن البيئة السياسية والأمنية الصعبة تعيق تحقيق التقدم اللازم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي الكلي ولوضع البلد على المسار الصحيح من أجل تحقيق النمو الشامل والمستدام.