الصحفي،محمد مرزوقي،في ذمة الله    اجتماع للحكومة يتعلق بمحاربة المضاربة والوقاية من وضعية الهيمنة    سونلغاز توقع اتفاق مع المجمع الأمريكي "جنرال إلكتريك"    من يحرر فلسطين غير الشعوب..؟!    تفكيك جماعة إجرامية تزور يقودها رجل سبعيني    باتنة: توقيف مروج وحجز 210 قرص مهلوس    الجزائر تتقدم رسميا بمشروع قرار للتوصية بقبول العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الهيئة الأممية    الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية للأونروا بقيمة 15 مليون دولار    مجبر على البحث عن ناد جديد الموسم المقبل! عكس بن طالب.. مدرب ليل يواصل استبعاد وناس لأسباب انضباطية    المديرية العامة للإتّصال برئاسة الجمهورية تعزّي..    خصص لدراسة المشروع التمهيدي لقانون يحدد القواعد المتعلقة بالمنافسة: اجتماع للحكومة يتعلق بمحاربة المضاربة والوقاية من وضعية الهيمنة    لتوسعة "جنرال إلكتريك الجزائر للتوربينات- جيات": سونلغاز توقع اتفاق مع المجمع الأمريكي "جنرال إلكتريك"    يقدّم مستويات لافتة هذا الموسم مع الذئاب : يقوم بأدوارا هجينة .. ريان آيت نوري مطلوب في مانشستر سيتي بمبلغ خيالي!    دورة اتحاد شمال افريقيا لكرة القدم (اقل من 17 سنة): رئيس الفاف وليد صادي يعطى اشارة انطلاق البطولة    "الجوية الجزائرية" ترفع عدد الرحلات الداخلية الإضافية إلى 68 رحلة    الجزائر لم تبخل يوما بجهودها لتغليب الحلول السلمية للأزمات    فرقة مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية بالعاصمة: تفكيك جماعة إجرامية تزور يقودها رجل سبعيني    لا بديل عن مقاربة وطنية لتعليم الأمازيغية بمختلف متغيّراتها اللّسانية    عهدة الجزائر بمجلس الأمن جد مشرفة    الصّهاينة يرتكبون 6 مجازر في يوم واحد    اعتراف بمكانة الجزائر المتنامية كمركز اقتصادي إقليمي هام    إشراف تشاركي على الانتخابات المقبلة    40 سؤالا ل8 وزراء    صناعة السيارات تستوجب شبكة مناولة بمعايير دولية    الرابطة الأولى: شبيبة القبائل تفوز على مولودية وهران وبلوزداد يتعثر أمام نادي بارادو    خطوات متسارعة لطي"عدل2" وإطلاق عدل "3"    انتقال طاقوي: ضرورة تصميم نماذج استشرافية لتحقيق مزيج طاقوي دائم    أحزاب ليبية تطالب غوتيريس بتطوير أداء البعثة الأممية    انطلاق حملة كبرى للوقاية من حرائق الغابات    الصحة العالمية.. حجم الدمار في مستشفيات غزة "مفجع"    هذا موعد عيد الأضحى    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    توقعات بمستوى عال ومشاركة جزائرية مشرفة    بطاقة اشتراك موحدة بين القطار والحافلة    أول طبعة لملتقى تيارت العربي للفنون التشكيلية    البعثة الإعلامية البرلمانية تختتم زيارتها إلى بشار    الأندية الجزائرية تبحث عن التّألّق قاريّا    ضرورة جاهزية المطارات لإنجاح موسم الحج 2024    نريد التتويج بكأس الجزائر لدخول التاريخ    معارض، محاضرات وورشات في شهر التراث    شيء من الخيال في عالم واقعي خلاب    حجز 20 طنا من المواد الغذائية واللحوم الفاسدة في رمضان    ربط 577 محيط فلاحي بشبكة الطاقة الكهربائية    مكيديش يبرر التعثر أمام بارادو ويتحدث عن الإرهاق    الطبعة الأولى باسم التشكيلي "محمد دميس" : ملتقى تيارت العربي للفنون التشكيلية    تيبازة تحيي الذكرى ال68 لاستشهاده .. ذكاء وعبقرية سويداني بوجمعة سمحا له بنيل شرف التحضير للثورة    تراجع كميات الخبز الملقى في المزابل بقسنطينة    توزيع الجوائز على الفائزين بمسابقة "أشبال الثقافة" في طبعتها الثانية    عودة إلى رؤية العلامة للقضية الفلسطينية: 22 دار نشر وطنية في صالون بن باديس للكتاب بقسنطينة    لعقاب خلال تسلّم نسخة من المصحف الصوتي : على إذاعة القرآن الكريم لعب دور ريادي في معركة الوعي    توزيع أكثر من 152 ألف طرد غذائي    انطلاق أسبوع الوقاية من السمنة والسكري    وفق تقرير لجامعة هارفرد: الجزائري سليم بوقرموح ضمن أهم العلماء المساهمين في الطب    انطلاق عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد: التفكير بوصفه قطفا للثمرة المحرمة
نشر في الجزائر نيوز يوم 12 - 07 - 2010


1
من المؤكد أن المفكر العربي الراحل نصر حامد أبو زيد مثّل - إلى جانب طائفة من المفكرين النقديين العرب - وجها بارزا من وجوه طليعة نقدية حاولت اختراق أسوار الممنوع والتابو العقلي والثقافي في حياتنا· إنه مفكر جابه الانغلاق الفكري وسلطة المقدس والموروث منفتحا على أكثر الأسئلة ارتباطا بالمرحلة الراهنة التي عرفت وتعرف انتعاشا غير مسبوق للمخيال الديني وسطوة التقليد· لقد أراد أن يجابه بالعدة المعرفية والنقدية ''الإبستيمولوجية الحديثة جبروت الماضي المعاد إنتاجه بوصفه قوة هيمنة رمزية ''إيديولوجية أراد أصحابها إعادة تنشيط عقلية الوصاية والهيمنة على المجتمع العربي في لحظة عرفت انتكاسا وتراجعا لمشاريع التحديث والتقدم الاجتماعي والسياسي·
يمكن أن نتبين جيدا أن مشروع الراحل يرتكز على جانبين أساسيين يمثلان لحظتين إبستيمولوجيتين: فهناك، من جهة أولى، لحظة التعامل النقدي مع التراث ولحظة مجابهة المقدس الديني بأدوات التحليل النقدي ''التاريخي الذي يجتهد في الكشف عن الزمني والتاريخي والسوسيو- ثقافي في كل ما خلعت عليه الذهنية التقليدية وسلطة المرجعية اللاهوتية جبّة التعالي واللاتاريخية· وهناك، من جهة ثانية، لحظة الالتفات إلى الراهن الذي يعرف انفجارا للأصولية الدينية وانكماشا للعقل النقدي على قاعدة التاريخ العربي المنتكس على كافة المستويات منذ لحظات هزائمنا المعروفة، وعلى خلفية فشل الدولة الوطنية العربية في إنتاج لحظة التحديث المتوازن والخروج من بنية المجتمع البطريركي الموروث· هذا ما جعل نصر حامد أبو زيد ينخرط في فضاء الأسئلة الحارقة المتعلقة بضرورة قراءة ما يحدث قراءة لا تستسلم للجاهز المعرفي ولا للتأويلات السائدة التي تبارك الوضع وتحاول فرض حقائقها السوسيولوجية التي تنهل من انتعاش المقدس والمخيال الخلاصي الديني· إن ما يريده المثقف النقدي - خلافا لذلك - هو النضال الدائم الذي يبتغي هزيمة اللامعقول في الفضاء السوسيو- سياسي من خلال اشتغاله النقدي ''التفكيكي الدائم على خطابات الأسطرة التي تمثل انسحابا من العالم ووعيا إيديولوجيا يرهن إمكانات التغيير لصالح الرغبة في المحافظة والقوى الاجتماعية التي تمثلها·
2
يمثل مشروع نصر حامد أبو زيد، بالتالي، وجها من أوجه المشاريع الفكرية العربية التي حملت على عاتقها همّ العقلنة والعلمنة والرغبة في تقليص الحضور الطاغي لثقافة الأسطرة واللاعقل في الفضاء العام للمجتمعات العربية والإسلامية؛ كما يمثل مجابهة جسورة ومناطحة علمية ''نقدية للمسكوت عنه في ثقافتنا الموروثة التي عانت طويلا من التحنيط في زمن المطلق بعيدا عن الانفتاح على التاريخ وانفجار المعرفة النقدية التي كانت في أساس مشروع الحداثة الضخم· هذا ما جعل من مشروعه صوتا جهيرا في وجه يباس حياتنا العقلية وأوضاعنا السوسيو- سياسية التي لم يعد بإمكانها الاستمرار· لقد اجتهد في مجال محاط بالألغام من كل جانب، وتنطح للتابو المرتبط بالمقدس الديني في تجلياته الخطابية والمؤسسية كاشفا عن مآزق الخطاب الديني السائد وعن تهافته الإبستيمولوجي، وفاضحا دور المؤسسة الدينية التي استعادت دور الإكليروس في جبة إسلامية· إن صاحب ''نقد الخطاب الديني''أراد إيقاظ الوعي الإسلامي المعاصر من سباته الذي طال في حضن الارتهان للغيب وسطوة الماضي المقدس بوصفه مرجعية متعالية ليقذف به في آفاق النقد المحرر من زمن الثبات والتعالي إلى زمن التاريخ، تمهيدا لتحرير الفاعلية الإنسانية واحتضان وجيب العصر وإشكالاته بشجاعة ودون القفز عليها أو حجبها· كما كان للمفكر الراحل دوره النضالي الهام بوصفه مثقفا ملتزما بالدفاع عن حقوق العقل النقدي في اجتراح آفاق الحقيقة المتخلصة من رغبة الهيمنة من جهة أولى؛ وكان، من جهة ثانية، ملتزما بالدفاع عن مشروعية خطاب النقد التنويري الحالم بمجتمع متحرر من الوصاية التي تستند إلى شرعية الماضي كما تعيد إنتاجه قوى سوسيولوجية تبتغي مراقبة التاريخ وكبح سيرورته وفرض المعنى الذي تراه مناسبا لمشروعها·
من هنا نفهم شراسة الاضطهاد الذي تعرّض له مفكرنا منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي ونفهم فداحة الثمن الذي يجب على المثقف النقدي العربي دفعه لقاء الجهر بالحقيقة والنبش في الممنوع والمسكوت عنه ومجابهة التابو الراسخ في الوعي الجمعي· هذا يشير إلى بقاء المجتمع العربي - في بنيته العميقة - مؤسسة اضطهاد واستبعاد ونبذ للمختلف؛ ويشير، كذلك، إلى تواطؤ المؤسسة الرسمية مع المدّ الأصولي المتعاظم منذ عشريات حفاظا على شرعيتها التي نخرتها تاريخية هوجاء أتت على مشاريع التحديث العرجاء·
3
إن أهمية المفكر الراحل، برأينا، لا تتأتى من منجزه الفكري فحسب بل وبدرجة أكبر من حضوره بوصفه مثقفا مناضلا استطاع أن يستثمر العدة المعرفية والنقدية المعاصرة في عمله من أجل أن يتدخل في الشأن العام من موقعه كمفكر مبشر بالعقلانية وقيم الحرية الفكرية والنظر الحر المتخلص من هيمنة السائد المستمر بفعل التقليد ودوام مؤسسة المجتمع القائم على الوصاية· إنني أرى شخصيا أن الراحل ليس أكثر المفكرين جذرية في حقل نقد الفكر الديني ومحاولة ترسيخ الرؤية التاريخية ''النقدية في قلب ثقافة ظلت تعيش على مرجعية السلف والحساسية القروسطية التقديسية للأشياء· فهناك، كما نعرف، مفكرون ذهبوا أبعد مما ذهب إليه أبو زيد في آفاق النقد والمراجعة؛ ولكنه - على ما نرى- أصبح رمزا للبطولة العقلية وأخلاقية المثقف الذي لا يهادن ويحاول دوما أن يحتفظ باستقلاليته بعيدا عن التواطؤ مع الوضع ومؤسساته التدجينية· إنه - من هذه الزاوية - يمثل في ثقافتنا العربية المعاصرة فولتير لا كانط· أعني أن عمله لا يشكل بذاته فتحا معرفيا غير مسبوق وإنما استثمارا جيدا وشجاعا لأدوات عصره النقدية من أجل فضح ألاعيب المؤسسة الدينية القائمة والكشف عن مضمرات خطابها الذي ظل يمثل ينبوعا ثرا للنبذ والتكفير والاستبعاد من دائرة الخلاص الديني والدنيوي معا· هذا ما يفسره شيوع النبرة السجالية في معظم مقالاته النقدية التي تضمنتها مؤلفاته الكثيرة والتي أرادها انخراطا محموما في قضايا عصره ومشكلات مجتمعه؛ حيث يبدو فيها مناضلا من أجل ترسيخ قيم العقلانية والانفتاح على منجزات العصر المعرفية والسياقات التاريخية للمعنى بعيدا عن الانغلاق المذهبي والطائفي وبعيدا عن الركون إلى سلطة القدماء، وهذا نشدانا لفكر إسلامي جديد يتأسس على الاجتهاد بوصفه تأويلا لا ينتهي واستقصاء للدلالة يبتعد عن الحرفية النصية ويجعل التاريخ مهادا للمعنى·
4
هذه هي الخطوط العريضة لمشروع فكري تبلورت معالمه الرئيسة عند مفكرنا منذ ثمانينيات القرن الماضي، وشكلت مهدا لنتاج قدر له أن يحدث ضجة إعلامية كبيرة وردود أفعال مؤسسية عنيفة كان من نتائجها الفاجعة وقوع الراحل تحت طائلة التكفير والاتهام بالردة والحكم بالفصل بينه وبين زوجته كما يعلم الجميع· هذا ما جعل منه مثقفا مناضلا يواجه المؤسسة الدينية وممارسات القمع الفكري والوصاية على شاكلة المفكرين الأحرار في أوروبا الوسيطة· ربما هذا ما يدعونا إلى أن نتأمل قليلا - كما أسلفنا القول - في أوضاعنا وفي تخلفنا الواضح عبر امتداد العالم العربي - الإسلامي على مستوى ضمان حقوق المواطنة والحريات الأساسية وفي مقدمتها حرية المعتقد وحرية التفكير والتعبير· ما زال المثقف النقدي عندنا يجابه الوصاية الدينية المؤسسية وما زال الفضاء السوسيو- ثقافي خاضعا لسلطة المخيال الديني والرمزانية الخلاصية التي تمثل ''قلب عالم بدون قلب'' كما كان يعبّر ماركس· من هنا نفهم كيف أن المثقف النقدي عندنا ما زال شهيدا بالقوة لا شريكا في الحوار العام أو استبصار الحقيقة ومقاربتها بعيدا عن ألاعيب الهيمنة وعن ضغط الوصاية الرسمية المستندة في شرعيتها إلى واقع سوسيولوجي خائب وملتهب· هذا، ربما، ما يجعل التفكير عندنا - وفي أوضاعنا الحالية - مخاطرة فعلية وجريمة تعادل خطيئة مدّ اليد إلى ثمار الشجرة المحرمة·
ولكن متى كان الفكر الحقيقي غير ذلك؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.