يسمونها باريس الصغرى، ذلك أن تصميمها الأول جاء على شاكلة باريس، حيث كان النهر هو المحدد الأول لهندستها، في باريس نهر السين، وفي بلعباس وادي مكرة·· هي بلعباس أجمل مدن الغرب الجزائري، وأقربها إلى قلبي، في كل زياراتي لها تتأجل المغامرة إلى أكثر مما هو متوقع، فيها سحر خاص وأريحية وفتنة وأصدقاء·· لم تكن بلعباس قبل 1840 غير قبة الولي الصالح سيدي بلعباس، كانت مجرد نقطة عبور ولقاء للجيش الفرنسي وللفيف الأجنبي· في تلك السنة (1840)، وفي عهد الملك الفرنسي لويس فيليب، جاءت فكرة إنشاء المدينة نظرا لموقعها الاستراتيجي في طريق تلمسان، كان المكان قبل ذلك يسمى Biscuit-ville كنقطة استراحة للجنود واللفيف الأجنبي، كان الكولونيل ميليني هو المؤسس الحقيقي للمدينة بداية من سنة ,1845 وقد كانت سواعد اللفيف الأجنبي المستقدمين من إفريقيا هم البناة الأوائل للمدينة، والتي سرعان ما تطورت من 1845 حتى 1851 وهي الفترة التي عرفت إنشاء البنايات التي ما زالت شامخة إلى اليوم معطية بلعباس بصمتها الخاصة، بعد ذلك جاء الإسبان وبنوا حي بريانطو بهندسته الخاصة الذي لا يزال إلى اليوم محافظا على خصوصية تلك المنازل بأسطحها واقتصارها على دور علوي واحد· المدينة اليوم توسعت بشكل كبير، حيث تم الاستيلاء على الأراضي الفلاحية الخصبة المحيطة بالمدينة الأولى وتحوّلت إلى أحياء سكنية وعمارات وطرق وأنفاق· بلعباس هي كذلك التاريخ الفني الذي له خصوصيته من الشيخة الريميتي، إلى راينا راي، إلى الديوان الذي له في بلعباس تاريخ كبير، إلى المسرح الذي شكل عبور كاتب ياسين بالمدينة أهم محطاته التي أعطت بعد كل ذلك التراكم جيلا مسرحيا مهما يصنع اليوم أهم لحظات المسرح الجزائري الأكثر إشراقا· لا يمكنني اختصار حبي لبلعباس في بضعة كلمات، ذلك أن هذه المدينة تسكنني مثلما سكنت الشاعر الكبير سعدي يوسف الذي أقام فيها سنوات سبعينيات القرن العشرين، وكان يسكن عمارة البرادو، وفيها اخترع تلك الشخصية الشعرية الخالدة ''الأخضر بن يوسف''· بلعباس مدينة يتجدد حبي لها في كل زيارة ومعها تتجدد رغبتي في الكتابة عنها، هي مرآة كل هذا الشوق للمشي في شوارعها دون هدي، في تأمل بالوجوه التي طحنها الزمن وفي ارتياد محاسنها الأثيرة·