الإنجليز يستهلكون الشاي على نطاق واسع، ونسجوا في ذلك الأساطير، فعرفوا بالشاي وعرف الشاي بهم· والمفارقة أنهم لا ينتجونه· كيف حدث ذلك؟ السبب بسيط جدا وهو أن الهند، جوهرة التاج البريطاني، كانت تمثل أكبر منتج للشاي في العالم· ولكن التاريخ يخبرنا أن البريطانيين كانوا يشربون القهوة بكثرة عندما كانت الهند أكبر منتجيها· نذكر بذلك لنصل إلى النتيجة التالية: وهي أن لطريقة الاستهلاك ونوعية ما يستهلك علاقة عضوية بالاقتصاد والتجارة والإنتاج· فلم يفكر الإنكليز، مثلا، في توجيه استراتيجيتهم الفلاحية إلى إنتاج القهوة، لأنهم يعرفون أن الاكتفاء الذاتي من هذه المادة في بلدهم مستحيل· وسوف لن يتحولون، بكل تأكيد، إلى إنتاج الشاي إذا ما توقفت الإمدادات من الهند أو الصين أو سيلان أو غيرها· فهم يقدرون طبيعتهم وما هي قادرة عليه، وبالتالي يستغلونها في توفير ما يمكن استهلاكه محليا، وتصدير الفائض منه إلى الخارج· البرازيل بلد يصلح لزراعة القهوة فما الذي يدعوهم إلى توجيه زراعتهم إلى إنتاج الزيتون؟ والبلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط معروفة بوفرة عدد معين من المنتجات الصناعية، مثل الزيتون وفواكه مختلفة وأنواع من الحبوب الجافة·· إلخ فما الداعي إلى محاولة زراعات أخرى لا تصلح فيها؟ ولأن الجزائر تستورد السكر بكثرة، فقد سمعنا أحد اقتصاديين يدعو الحكومة إلى توجيه فلاحتنا إلى إنتاج السكر، عن طريق رصد الاستثمارات اللازمة، وتوفير الماء الكثير، ولما لا توزيعه مجانا·· إلخ· ويعني ذلك أن نستثمر أقل في زراعات خصتنا بها الطبيعة، ونبذل الأموال الطائلة في زراعات لا تصلح عندنا من الأساس· يعني أن نعيد تجارب زراعة الموز والقهوة وعدد من الفواكه الاستوائية، وأن تبذر البنوك قروضا كبيرة من أجل ذلك كما فعلت في الثمانينات، وكانت نتائجها كارثية· ما هذا الهراء؟ الجزائر تعرف أكثر من 009 نوع من التمور، وأراضينا قادرة على إنتاج أحسن أنواع الحمضيات والرمان والكرز والتين والزيتون والتين الهندي، وأنواع كثيرة من الخضر والفواكه، يمكن للإهتمام الجيد بها أن توفر لنا ما يكفي من أموال لاستيراد السكر والقوة والكيوي والموز وما نشاء وما لا نشاء من مواد غذائية· ولكن ما هو معروف أن زراعة الحمضيات تعيش أتعس أيامها وتعاني التمور الجزائرية من الكساد وسوء التسويق، ويكاد المواطن الجزائري ينسى أن بلادنا من أكبر دول العالم قدرة على إنتاج أرقى الأنواع· بل نذهب أكثر من ذلك لنقول أن على الجزائريين الاهتمام بالإنتاج السنمائي أحسن وأجدر من التفكير في إنتاج السكر· فالطاقة التي نملكها في هذا المجال أكثر بكثير من ذاك· والشاهد أن المنتجات الصناعية تكمل بعضها بعضا: يعني أن ننتج ما نحن مهيأون له، ثم نستغل عائداته في استيراد ما لا طاقة لنا به، والسلام·