يخلد في ذهني الغرب فهو حاضري، أتعشق أنواره وأستميت في الدفاع عن مملكته، وأنا هنا لست لا سلامة موسى ولا طه حسين ولا رافع رفاعة الطهطاوي ولا شبلي شميل ولا قاسم أمين ولا ولي الدين يكن مرعبة هي لفظة الغرب عندي، بل هو الغرب كالشرق سيان، ممالك معنى يحوزانها جنات سكر، ووردات حرية وحريم ، أستغرب فيمن يستغرب في الغرب فلا يجده إلا جاهلية أو ظلام أو غضب إلهي كما أستغرب فيمن يستشرق في الشرق فلا يجده إلا المحظيات في القصور والتمائم على الصدور والأحاجي والأدعية والدم ،، مذ عرفت اللفظة رحت أستكنه القيمة ومنذ الرعب الذي شعرت رحت أبحث في طياته عن طيات المخبوءة أكثر، رحم الله عمار بلحسن قائلا أن الغرب غربات، وأدام الله ظل داريوش شايغان فهو من علمني أن المركبة واحدة هي مركبته مركبة الغرب وإلا نحن خارج /التاريخية/ والتاريخانية، ليس الغرب صدمة وحرب نووية وهزيمة شرقية وكنيسة وإلحاد، ليس الغرب مرجانا وشقروات وهجرة نحو الشمال ومثلية جنسية ومخنثين وحفلات ستريبتيز، ليس الغرب هو السامية وإسرائيل والماسونية وأندية الروتاري والهوليغانز وسحاق، بل هو فتنة البلاغة التي يزخر بها الشرق وهو يشعل حرائقه في غرب محال الوصول إليه إلا بخيال أو طباق أو جناس أو جوامع حروف أنيقات خطها ابن مقلةأو الشعراني أو سامي مكارم ·· هذا الغرب غربات، ليس واحد لا في المفرد ولا في جمع التكسير ولا في الألف الممدودة فقط هي الموضوعات و النمطية التي حطته في المربع الشرقي، وفقط هو الميل الاستشقراقي لشرح جملة مختصرة جدا لست أدري من رمى بها على أسماعنا حتى الصمم والجملة هي /الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا/ لكنهما التقيا كثيرا منذ ابن رشد ومماحكاته مع موسى ابن ميمون، وصولا عند دعاوى طارق رمضان الذي يبالغ في التأنق بالغرب كمسلم شرقي، غربي، مهجري، أوروبي، لا يمكن رفض الغرب إلا في مؤسساته الاستعمارية التي كبست على الزناد وضربت بالنار وطخت بآلاف أعواد الكبريت من لهم الدويلات، والأفكار الرجعية والهزال المعرفي ··· حكايات طريفة كابتساماته يقدمها على الميديا ويتجادل بها المجنون طارق رمضان ومعه يسير كثيرون فوق أطروحته ناعمين بسلامة المركب وأمان الربان ونعومة الرفقة، أليس هذا ما يجب تكراره دائما أي العكس، الشرق شرق والغرب غرب وسيلتقيان كثيرا وسيتبادلان القبلات والأنخاب وسكر المعاني· كنا صغارا آنذاك نسمع برواج الفذلكات التآمرية التي كان يأتينا بها أنور الجندي والبهي الخولي كما زينب الغزالي وصافيناز كاظم عن الخطر الداهم، عن الشباب الذي سيضيع وعن البروتوكولات وعن دهاء تيودور هرتزل، وها قد نشانا في الرعب من الآخر دونما لحظة بسيطة من الأمل من حياتنا التي سنرميها تحت حوافر السفارات وعلى قوارب رهيفة نعبر بها فقط المضيق ونلهج باسم طارق ابن زياد الفاتح، هذا الذي نرفضه في الشرق وهو ينحبس تحت أصابعنا، نعشقه حد الرغبة في تدميره، نعشقه رغبة امتلاك، وغرام المحال ومخافة الغدر، كنا صغارا نحاول أن نقرأ الغرب في خطابنا الواحد، الأحادي الذي نريد أن نحسه، وأن نحس انه فعلا يكرهنا حتى نصدق دواخلنا الكاذبة أننا نرغبه ، نشتهيه نرتكب الحماقات لأجله ونستدعي استرضاءه بلغته التي فيه أو يحب سماعها منا، كنا صغارا نعيش بلازمة حسبنها نشيد إنشاد وأغنية سومرية وآخر خطوة من خطوات /المورو/ هي الأندلس لنا كحلب وكبغداد وهي غرناطة ودار بني الأحمر والنوافير والشموس المضيئة على نوافذ شرفنا رحنا نقرأ /سقوط الغرب/ أو / أفول الغرب/ لشنغلر وشمس العرب تسطع على الغرب لزيغريد هونكه، وعود الإسلام لروجيه غاروديه كم أحببناه هذا الأخير في كتابيه الأول المذكور والثاني عن حوار الحضارات، كنا في الحيرة ولازلنا نطلب وده، كنا في اللاموقف، نضيع نضيع في شرقنا، نريد من شرفنا أن يتغرب ولو قليلا بالكاد أن لا يسبح في بحيرة ليمان السويسرية، غير أنه يمكنه أن يتشرب قارورة من قارورات بيرييه perier الغازية أو يتنشف ريقه من ماء سان /بيليغرينو Saint Péligrino/ أو /بادوا / Badoit هذا هو الغرب، أي بعض الغرب الذي نبغي في علاماته، في ألف ليلة من لياليه الخافتة البارقة من بافاريا إلى جبال الألب ومن نهر الميسيسبي إلى أعلى ما في قمته من مركز التجارة الدولي ··· يجدر بنا جدا أن نقطع الأميال والمسافات في مدائنه تحت أفيائه وتحت ظلال زيزفونه كي نرسخ الاعتقاد الذي فينا نحن الشرق، أننا نرغبه، نشتهيه، ونهجر إليه، نطلب معارفه، آدابه، فنونه، أطايب تصاميمه في صحوننا وفي مخدات نومنا،ولا يحصل لنا نوم إلا تحت وعلى شراشفه الموشاة بأعلام -الأوروب -، بصمة التأورب والفرنجة هي ما يمنح لمشيتنا استقامة في الخطوة وفي الجري وفي الهرولة· لا تبدأ المقدمة من فهم الغرب من هذه المحايثات أو من هذه الصدمات العاطفية التي تعمل فينا عمل الماريخوانا بعد إغفاءة لا يجد العاشق عيون معشوقه بل أن نتقدم على خرائط المعرفة لكي نكسب أكثر من الغرب، فهو فعلا غني وشرس ومغوي ويصدم وليس قليلا حتى أن ضرباته مبرحة ونواياه تحت الحزام لا ترحم، وله خلطة حرية ونيو حداثة وآلة عسكرية فاجرة، لذاك فهو غربات، ومن اللحظة يجب أن ننسى أن الأخيرة يمكن أن تصيبها أعطاب المرحلة وبؤس السياسات، لكن الغرب المعرفي يمكن الوثوق به والذهاب معه إلى أبعد نقطة في مغامرة الغرام والوله فمن فرط ما نذكره ننسى شرقنا الوجيع، شرقنا الجميل بطلته من التاريخ، من اغترابه عن أندلسه ومن فواكهه الذكية الرائحة، روح وريحان وجنة نعيم وإرنان وتلاوات وسندس واستبرق،إن الشرق شرق والغرب ويمكنهما تبادل الأزهار والقبلات والهمس وحوار القلب والعرفان· لذالك لم أستعجب عجبا ولم تغالبني ندامة إذ همت على شارع غربي، عريض، فسيح الأبعاد تحفه شجرات المعرفة بعد كل متر أو مترين، شارع الفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي السياسي أو هو حكمة الغرب لبرتراند رسل، هذا الكتاب الخطير والشرير و الساحر دوخ الآلاف من الناس بما فيه القراء العرب الذين يكونون قد بلغوا رقما معتبرا من اقتنائهم لهذا المرجع المطبوع مرتين، وقد قام بترجمته، مترجم فذ ورجل فلسفة عقلاني متنور ولا تخطأ الأقلام والعيون، ففؤاد زكريا ليس رجل أيديولوجيا أرثودكسي، يتعذر عليك الاطمئنان إلى ترجماته، فهو محصلة علمية مهمة ونادرة في الثقافة العربية واجتهاده في حكمة الغرب لرسل Russel يعادل برنامج جامعة كاملة ويكفي أن رسل عاش قرابة قرن طرأت على حياته خلالا لذالك تقلبات ونزاعات خضبته بالأحلام الناضجة تلك التي لا توهب فجأة لعبقري ولا تمتلك بالسليقة والعفوية، إن حاجة الإنسان العربي أي الشرقي إلى برتراند راسل هي حاجته إلى الغرب المعرفي، الحضاري الملهم بصنوف عطاءات غير محدودة، الإبن البريطاني كان جده رئيسا لوزراء انجلترا في الثلث الأول من القرن عاش في بيت المشاهير ويزوره أذكياء القوم وصادف صداقة حميمة لوالديه ذكي رائع اسمه - جون استيوارت ميل- سرعان ماشد إعجابه بالنموذج التحرري، الفوضوي الذي يجسده /ميل/ تعليم روسل كان راقيا برع في الرياضيات وفي العلوم الإنسانية في جامعة كامبريدج، له صلة مع السلك الديبلوماسي الألماني حيث برز مؤلفه·-الحزب الديمقراطي الاجتماعي في ألمانيا- كما انتقل نقلات بارعة في المبادئ الرياضية وفي المنطق، عادى دمار الحرب العالمية الأولى مال إلى السلامية، سجن، رفض البولشفية، والتقى وبلنين وتروتسكي وجوركي، كسب في أمريكا معركة الرأي بسبب توجهاته غير المألوفة انتصر على الصحافة والأجهزة والكنيسة، كتابه في حكمة الغرب تم وصفه دائما بالأهم لمن أراد أن يحتك بالغرب أو أن يفهمه وأن ينضم إليه هذا الذي ينبغي أن نسطره ضمن أولوياتنا أي أن نتجه إلى ترجمة ما يمكن أن يذكرنا دائما بالغرب وحكمته، أنواره و لآلئه، كشوفاته وفتوحاته، إن الغرب ينام في الشرق غير أننا قد لا ندري / فلم يؤثر ابن رشد في المدرسين الغربيين فقط ، بل كان يستهوي جميع المفكرين الخارجين على حرفية العقيدة ممن كانوا يرفضون فكرة الخلود وهم الذين أصبحوا يعرفون الرشديين / هذا قاله شيخ الفلاسفة برتراند رسل···