أكدت المهندسة ياسمين أصاري قدرة القصبة على التكيّف مع كلّ الحضارات التي مرّت عليها من خلال إدماجها لكلّ التغيّرات الاجتماعية والثقافية والتقنية، ومع ذلك استطاعت الحفاظ على نسيجها العمراني المتميّز، لتتساءل في المداخلة التي قدّمتها أوّل أمس بفضاء "بشير منتوري" عن كيفية الحفاظ على هذا التراث الحيّ دون حبسه في الماضي. قالت المهندسة ياسمين أصاري إنّ إعادة إحياء المدينة ضروري في ظلّ معاناتها من تدهور مبانيها والمغادرة التدريجية لسكانها وافتقارها للخدمات الحضارية الحديثة، ولكن إلى أيّ مدى يمكن تحديث المحروسة من دون المسّ بروحها؟ تتساءل المحاضرة وتضيف "هل نحدث التغيّرات على القصبة والمخاطرة بفقدان معالمها التراثية، أم نجمّد الموقع، مع المخاطرة بجعله متحفا، أي غير صالح للسكن ؟". واعتبرت المحاضرة أنّ القصبة تطوّرت دون أن تفقد جوهرها، لكن اليوم، أصبح الخطّ الفاصل بين التكيّف والتشويه أرقّ من أي وقت مضى، ليبدأ النقاش الحقيقي "هل يجب أن نستمر في تكييف القصبة مع العالم الحديث أم يجب أن نتمهل ونحميها ونقبل بقيودها كجزء لا يتجزأ من ثرائها؟"، لا شكّ في أنّ الإجابة لا تكمن في رفض التغيير ولا في قبوله بالكامل، بل في إيجاد توازن دقيق يسمح للقصبة أن تبقى حية ومأهولة وأصيلة، تضيف المهندسة. بالمقابل، عادت أصاري إلى تاريخ تأسيس القصبة والذي يعود إلى عام 1200 قبل المسيح على يد الفينيقيين الذين بنوا ميناء في المنطقة بفعل موقعها الاستراتيجي، خاصة وأنّها عبارة عن هضبة يمكن من خلالها مراقبة قدوم العدوّ من البحر، ليتعاقب عليها كل من النوميديين والرومان والوندال والبيزنطيين وبني مزغنة والعثمانيين والفرنسيين، مع الإشارة الى سكانها الأصليين من البربر. وتابعت أنّ القصبة تطوّرت بشكل تدريجي، وشهدت توسّعا بشكل أفقي لضيق مساحتها، محافظة في الوقت نفسه على مميزاتها مثل تشكّل دورها من باسيو أي باحة وسطح مستو وأعمدة وصحن أيّ وسط الدار، كلّها مبنية بشكل يؤهلها لمقاومة الزلازل، علما أنّ الباسيو ليس صنيعة عثمانية بل إغريقية رومانية. وتابعت مجدّدا أنّ نوافذ دور القصبة بنيت على ارتفاع 70 سم على الأرض حتى يتمكّن سكان الدار من الجلوس عليها ومشاهدة ما يحدث في الخارج بشكل مستتر وكذا من دخول الهواء المنعش ونفس الشيء بالنسبة للأبواب التي تحمل في أعلاها فتحات لهذا الغرض. حتى بناء البيوت بشكل متلاصق غرضه الصمود أمام الزلازل. أما الأزقة فهي ضيقة لتسمح بهبوب النسيم والتقليص من قوة العواصف. في حين تم بناء المنازل حسب أرضية القصبة المنبعجة تأكيدا مرة ثانية على تكيّف القصبة مع مناخها وأرضيتها والكوارث الطبيعية وكلّ ما يتّصل بها.