حساني يحثّ على تعزيز التوافق    أسعار القهوة تتراجع عالمياً    أولمبيك أقبو يقفز للوصافة    حملات مكثّفة للتوعية حول سرطان البروستات    سكيكدة.. إحياء الذكرى ال 70 لاستشهاد البطل بشير بوقادوم    ورقلة..نحو إعادة بعث المضمار الولائي لسباقات الخيل والمهاري    معسكر..برنامج تحسيسي ثري للوقاية من الآفات الاجتماعية    رئيس الجمهورية: الجزائر تطلق صناعة صيدلانية حقيقية وتواصل تعزيز التنمية عبر مشاريع استراتيجية    الجزائر تشارك في مؤتمر "قمة الصناعة العالمية" بالرياض لتعزيز حضورها في مسار التنمية الصناعية المستدامة    وفد برلماني جزائري يبدأ زيارة رسمية إلى تونس لتعزيز التعاون بين البلدين    الجزائر تشارك في المؤتمر العدلي الدولي الثاني بالرياض لتعزيز الجودة القضائية    تساقط الثلوج بعدة ولايات شرقية.. تدخلات ميدانية لضمان انسيابية حركة المرور    بوقرة يُقيّم الخيارات المتاحة    مشاركة قياسية منتظرة في سباق الدرب بالشريعة    وزير المالية يرد على أسئلة للنواب    الوزير بوعمامة: الإعلام مُطالب بالتصدّي لحملات التشكيك    الجهود متواصلة لإنهاء تطهير العقار    سايحي يلحّ على التكفل بانشغالات المواطن    نُواصل العمل على تحسين الأمور    وزير الصحة يبرز جهود الدولة    القانون الأساسي منح امتيازات هامة للأساتذة حاملي الدكتوراه    مواصلة دعم مكانة اللّغة العربية في المنظومة الجامعية    لا مكان لخطابات اليأس أمام الملموس    دفع الطلبة نحو ريادة الأعمال والابتكار وفهم تحديات الذكاء الاصطناعي    دعم الشفافية والحوكمة في القطاع الاقتصادي    إجلاء مُستعجل لبحّار فرنسي بالجزائر    استحداث نيابة ثانية للتعليم القرآني عن بعد    الاحتلال الصهيوني يرتكب أكبر إبادة جماعية ضد أطفال غزة    حزب إسباني يجدد دعمه لحقّ الشعب الصحراوي في تقرير المصير    دعم حماية الطفولة وتطوير وسائل الرعاية الاجتماعية    الجزائر شريك موثوق ومصدر قوي للطاقة نحو أوروبا    الرئيس يترحّم على ابن باديس    دعوة لإدراج التراث الوطني في مشاريع التنمية    إحياء المنهج المالكي لبناء خطاب ديني معتدل    تموين السوق ب30 ألف طن من اللحوم تحسبا لرمضان المقبل    ترقية المنظومة الوطنية الصحية في الهضاب العليا والجنوب    مدرب ليفركوزن الألماني يتوقع نجاح إبراهيم مازة    أزمة مالية تهدد بقاء سليماني مع كلوج الروماني    أمين غويري يؤكد غيابه عن نهائيات "الكان"    شقيقان يروّجان المخدرات قرب مؤسسة تربوية    59 سرقة تطول منشآت طاقوية    حركة حماس تدعو المجتمع الدولي إلى جدية أكثر    دبلوماسية الجزائر في مجلس الأمن ساهمت في وقف حرب الإبادة    تصويت الجزائر ل"خطة السلام في غزة" لا يمس بالثوابت الفلسطينية    توقرت تحيي الذكرى ال68 لاستشهاد البطلين محمد عمران بوليفة ولزهاري تونسي    يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار    وردة آمال في ذمّة الله    مشاركون في المهرجان الدولي للفيلم القصير بتيميمون.. دعوة إلى تطوير الصناعة السينمائية وتحسين أدائها    وسط ارتفاع المقلق لحالات البتر..التأكيد على الفحص المبكر لحالات مرض القدم السكري    تحسبا لكأس أفريقيا 2025.. 3 منتخبات إفريقية ترغب في إقامة معسكرها الإعدادي بالجزائر    حوارية مع سقراط    عمورة ثالث هدافي العالم في تصفيات مونديال 2026    آية الكرسي .. أعظم آيات القرآن وأكثرها فضلا    فتاوى : أعمال يسيرة لدخول الجنة أو دخول النار    أبو موسى الأشعري .. صوت من الجنة في رحاب المدينة    ورقلة.. يوم دراسي لتعزيز ثقافة الاتصال داخل المرافق الصحية العمومية    إبراز قدرات الجزائر ودورها في تعزيز الإنتاج الصيدلاني قاريا    دعاء في جوف الليل يفتح لك أبواب الرزق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاشية على قصيدة ''أجنحة لتمثال السيّاب'' لعبد القادر رابحي
نشر في الجزائر نيوز يوم 25 - 07 - 2011

قرأتُ القصيدة وكأنني خضتُ رحلة تتماسّ مع مسارات عديدة تاريخية وفكرية وواقعية ولدتها اللحظةُ والراهنُ الذي يعيشه الشاعرُ وغير الشاعر في هذا الزمن الأغبر كعابر سبيل أسطوري لا يتوقف عن الرحلة ولا يملّ من الاصطدام بكائنات الغبار، وكأني بالقصيدة أيضا، وإنْ استحضرتْ أسماءً حديثة وأرِّخَ لكتابتها بتاريخ قريب إلا أنها امتدّتْ طويلا عبر نافذة نحو البعيد البعيد سواء في ماضينا أو في حاضرنا، وكأنها ''كانتْ على ثقة'' بأنّ هذا الركام الذي مسّه شيء من صدأ التاريخ الموحل ومن آثار لحظتنا الزمنية الممزقة بين ''سيوف'' قديمة ولا هي قديمة، وحداثية وما كانتْ حداثية، وإنما هي سيوف يحملها عقل عربي ''غريب الوجه واليد واللسان''(1)، كانتْ على ثقة أنّ هذا الركام صار ''مشاعا'' بين ''ملائكة اليمين'' ال''قاب قوسين'' من التقوى، و''شياطين الشمال'' المسالمة جدا، وربما، إذا لم يكن حرج فذاك ركام تخاطفته ''شياطين اليمين والشمال والشرق والغرب''، فالملائكة كما قالتْ جدتي ما عادتْ تمشي على الأرض منذ كذا وكذا·
وبعد، قالتِ القصيدة أيضا: لقد اتسعت الصحارى وفتحتْ صدرها للأعاجم والعواصم والقواصم وضاقتْ بنا نحن الصعاليكُ الجدد، لكن هناكَ أملا ظلّ يردده صوتُ ''الشنفرة'' منذ قرون يؤكّد، أنه، إذا سنحتْ معركة ذاتُ كرٍّ وفرٍّ سيتسنَّى للشاعر الفارس الذي بايعه الرملُ على حين غفلة من الرماح و''السفَّاح'' أنْ يطويَ ''خَيْمَات بَعْضِ الأَثْرِيَاءِ عَلَى ضِفَافِ الحَرْفِ''(2) ويبعثَ بها فوق ''نوقٍ طائرة''، متجاوزا ''طرائق الحداثة'' لرايموند ويليامز''، إلى ''الشانزيليزي'' لعلها تجد وقتا أكثر للاستمتاع بالحياة بعيدا جدا عن جراحات الشعراء المعاصرين الذين يتذكرون المنفى كلما اشتاقوا إلى ''عيون المها بين الرصافة والجسر''(3) ويتذكرون المقصّ كلما أرادوا أن يشبِّهوا أنفسهم بالأمم المستقلة من الطير·
هكذا قالتْ ''أجنحة لتمثال السياب'' ذات غزوٍ أمرد الوجه على العراق، العراق الذي صار''يَحْتَمِي بِدُمُوعِ أَرْمَلَةٍ تُرَابِطُ فِي الصَّدَى''(4) وقد كان كما قالتِ الصرخةُ يهُبُّ لأوّل ''واو اسثغاتة'' تطلقها امرأة ما زال ''لم يبدُ للأتراب من ثديها حجمُ''(5)، العراق الذي أوّل ما أصابه التعبُ، التفتَ نحونا، فرفعنا عباءاتنا البيضاء راياتٍ وأرسلنا إلى الكائنات الحديدية الطائرة برقية عاجلة:''نحن وإنْ كنا من لحم ودم، إلا أننا نحبّ الحديد، ونحن نفكِّر في التحوّل إلى ''تارميناطور'' يجري في عروقه ''زيت الغاز'' الذي يجري فيك''، وعلى رغم المبايعة تحت ''سقيفة الخيانة'' ظلَّت الكائنات الحديدية ترسل أكواما من نار وشظايا، وظلّ العراق يرقبنا بتعب، ونحن، رجعَ بعضنا بعباءاته الممزقة يبحث عن حلٍّ لرتق العار وستر العورة·
أيتها الأجنحة، أيها التمثال، أيها الأهل الغادرون كضربة فأس''حفار القبور''(6) على كبد أمّه الأرض، أما زال السياب ''يَتسَكَّعُ فَوْقَ جَمَاجِمِ المَوْتَى''(7) يُسائل العظام النخرة عن وجه القاتل، وعن جيوش الخوف تخرجُ من ناحية القلب، ويسأل الحسرة والخيبة عن أول الصراخ وآخر الأنين، هل لأنّ'' الفتى أوّل القادمين إلى الأرض من كوكبِ الحسرات القديمة''(8) أوْكَلَ إليه القدرُ مهنة الاستماع إلى شهاداتِ الموتى، وإلى الوجع القادم على صهوة العويل من الغيب· أيها السياب وحدكَ تعرف سرّ الحكمة البالغة، وأنتَ على علمٍ بمن سرق''اللؤلؤ والمحار'' وأدرى بما فقده الخليج من رمال الشاطئ، وما تبرّع به الشاطئ لجزر هاواي، وهواي والخليج ونحن لم نتساءل أبدا ''أين السُّلُّ فِي صَدْرِ المَرِيضِ الشَّهْمِ·· أَيْنَ الجُوْعُ فِي غَيْمِ العِرَاقِ''(9)، وتساءلنا كثيرا عن هدفٍ يخترق الشِباك، فأقمنا الدنيا، وكان هدف يخترق العرض والشرف يلهو بحرية في الخدور والهوادج وقرب سراويل ''الجينز'' الصالحة للذكر والأنثى، لم ننتبه له أو لم نخش منه، يا للسخرية، صار الجميع ''مومسا عمياء'' أو صارتْ المومس تسكن في عيون الجميع·
أيها التمثال الثابث على رغم الميلاد والموت و''البعث''، رحل ''سعدي يوسف'' ملتحفا بوشاح الأيديولوجية من''يوميات الجنوب، يوميات الجنون''(10) ولم تقلِ الريح له أنّ ''خشب السفينة لم يعدْ بيديك كالصلصال، لون البحر أكثر وحشة مما ظننت''(11) ومع هذا رحل سعدي ليجلو عن ذاته الشك ويعيش واضحا في غرب الحرية حيث أُحرق ذات غباءٍ أوروبي ''غاليليو'' بسبب قربه من الحقيقة وقربهم أكثر من الوهم· وظلّ الشاعر''يَشْرَبُ قَهْوَتَهُ المَوبُوءَةَ فِي رَدَهَاتِ السَّاحَةِ ··· سَعْدِي يُوسُفُ - مُنْذُ قُرَابَةِ قَرْنٍ- حُرٌّ فِيمَا يَكْتُبُ··حُرٌّ فِيمَا يَفْعَلُ''(12) داخل أرض الحريات بعيدا عن نخلٍ يفقد كل ضفائره عند النهرين، يكتبُ كي تتسع له لغة الإفرنج فلسان العرب ضاق به كما أخبرنا في الجريدة القادمة فوق طائرة إلينا ذات غضب·
تقول الحيرة في ''الوتريات الليلة''(13) أنّ مظفر مشتاق لشربة ماء عراقية، ولتمْرتين فقط، واحدة يتقوّتُ عليها طوال العمر، والأخرى ينظر إليها كلما عفتِ الديار وضاق المنفى· والوترياتُ وحدها تعرف مقدار الحسرة في النوّاب وعمق الجرح في أغوار سنابله ''مُنْذُ هُرُوبِهِ لَيْلاً مِنَ السِّجْنِ'' المَدَى·· وَ خُرُوجِهِ مُتَسَتِّرًا بِسَوَادِ مَنْ فَتَحُوا لَهُ جِسْرًا إِلَى سَعَةِ الكَلاَمِ·· وَبَعْدَ ذَلِكَ·· هَلْ يَحِقُّ لِغَيْرِهِ تَبْرِيرُ كَيْفَ يُغَادِرُ الشُّعَراءُ مِنْ مُتَرَدِّمِ النَّصِّ المُكَبَّلِ بِالهِجَاءْ··''(14)، اهجهم ومعك المعنى والمبنى والكلماتُ الحرة من قيد الإعراب ومن نكسات سيوف الإخوة الأعداء والأعداء الإخوة· آه كم قلتَ يا مظفر، يا حفيد النخلة الأصيلة، كم صرختَ: ''متى يبتدئ البشرُ، شوّهني الجزر وإنْ كنتُ أقاوم، شوهني الجزر متى يبتدئ البشرُ''(15)، كم صرختَ والبشر منذ قرون يبتدئون بوأدِ الرحمة في أرض الأموات، بل يتعمّدون الأذى حتى يستمتعوا بألحان ''أرفيوس'' الجنائزية· يا عراااااقُ: ''ما الذي يجعل هذا العاشق الليليّ مبتور الخطى''(16)
يا سياب، يا سعدي، يا مظفر، يا وطنا عربيا يتقاسم خبز الأزمات، لا فرق أبدا بين الصوت الصارخ في ''النجف'' وبين الصوتِ المتمزّق في ''وهران'' وعند الساحة في ''تيهرت'' الكلّ يموت، وقد يحلو للإخوة الشعراء أنْ يجدوا وطنا آمنا عبر المسافة الخفية بين اللفظ والمعنى، وأنْ يجدوا ''الكِسْرة'' وقليلا من قوت اليوم، ولنا جميعا أنْ'' نَبْكِي تَارَةً سِرًّا·· وَ أُخْرَى نَهْتَدِي بِكُؤُوسِ لَيْلٍ دَامِسِ العَتَبَاتِ فِي أُرْجُوزَةٍ ثَكْلَى·· هُنَا مَنْفَى صُخُورٍ رَخْوَةٍ''(17) فارأف بنا أيها الزمن الأغبر، واصرخ أيها الجندي حين يموت الأصحاب وينكسر الخاطرُ:
''العراق أنا
وأنا البيتُ
والصدرُ
والقافيهْ
وأنا بؤرة الوجع الإنكساريّ
والمدد الإنكشاريّ
والنهرُ
والمدن النائيهْ''(18)
واصرخي أيتها ''النيران الصديقة''بنا ذات بكاء يغسل جرح هذا الوطن الحبيب:
''الخطوط أماميةٌ
والرصاصاتُ طائشةٌ
والقتيلان من خيمة واحدهْ
هي تلك القرى
علمتها الجراحات نسيان هذا الألمْ
حين تستقبل الأمهات الصناديقَ
ملفوفة بالعلم''(19)
شكرا يا أجنحة التمثال، شكرا للسياب، وللمطر الرابحيّ الذي هطل فأحيا موات الحرف وبعث شجن الروح، شكرا أيها المطر الرابحي الأصيل· شكرا شكرا شكرا·
هوامش
(1) شرح ديوان المتنبي· وضعه عبد الرحمن البرقوقي· دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان·1986 ·ج.4 ص.384
(2) رابحي، عبد القادر· أجنحة لتمثال السياب· مجلة أصوات الشمال· بتاريخ 27 / 5 / 2010
(3) معجم لآلئ الشعر، أجمل الأبيات وأشهرها· إعداد: إيميل يعقوب· دار صادر· الطبعة الثانية / 2002 ص190 ) البيت لعلي بن الجهم ديوانه ( ص141 )
(4) رابحي، عبد القادر· أجنحة لتمثال السياب· مجلة أصوات الشمال· بتاريخ 27 / 5 / 2010
(5) ديوان قيس بن الملوح مجنون ليلى· رواية أبي بكر الوالبي· دراسة وتعليق: يسرى عبد الغني· دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان· الطبعة الأولى1999 / (ص 28 )
(6) ديوان لبدر شاكر السياب·
(7) رابحي، عبد القادر· أجنحة لتمثال السياب·
(8) سميح القاسم· ملك أتلانتس وسربيات أخرى· الدار العربية للعلوم· الطبعة الأولى 2005 (ص93 )
(9) رابحي، عبد القادر· أجنحة لتمثال السياب· مجلة أصوات الشمال· بتاريخ 27 / 5 / 2010
(10) ديوان لسعدي يوسف· وقد كتب أكثر قصائده كما قال حين دعي إلى اليمن من طرف ''الرفيق علي ناصر محمد''·
(11) سعدي يوسف· يوميات الجنوب يوميات الجنون· دار ابن رشيد· بيروت- لبنان· الطبعة الأولى .1981 ( ص53)
(12) رابحي، عبد القادر· أجنحة لتمثال السياب· مجلة أصوات الشمال· بتاريخ 27 / 5 / 2010
(13) قصيدة لمظفر النواب·
(14) رابحي، عبد القادر· أجنحة لتمثال السياب· مجلة أصوات الشمال· بتاريخ 27 / 5 / 2010
(15) مظفر النواب· الأعمال الشعرية الكاملة· منشورات الأوذيسا· (ص293)
(16) رابحي، عبد القادر· على حساب الوقت· دار الغرب للنشر والتوزيع· الطبعة الأولى 2006 (ص84 )
(17) رابحي، عبد القادر· أجنحة لتمثال السياب· مجلة أصوات الشمال· بتاريخ 27 / 5 / 2010
(18)رابحي، عبد القادر· حنين السنبلة· منشورات الاختلاف· الطبعة الأولى .2004 (ص23 )
(19)المصدر نفسه· (ص 54 )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.