رئيس الجمهورية يترأس حفل استقبال بمناسبة الذكرى ال63 للاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية    الوزير أحمد عطاف في زيارة رسمية إلى سنغافورة لتعزيز التعاون الثنائي    ارتفاع رقم أعمال سوق التأمينات بالجزائر بنسبة 13,3٪ خلال الثلاثي الأول من 2025    جامعة الجلفة: مناقشة 70 مذكرة تخرج في إطار مشروع مؤسسة اقتصادية    الحل الوحيد للقضية الصحراوية هو تنظيم استفتاء تقرير المصير    المغرب يستنجد بورقة الاستثمارات في الصحراء الغربية للقفز على حق الصحراويين في تقرير المصير    "سوقرال" تطلق تطبيق "طاكسي سايف" لطلب سيارات الأجرة المعتمدة    شعيب كوسة ومولود عكروف وكوثر فراحتية يتوّجون في مهرجان شعر الشباب بمستغانم    جانت : "سبيبا".. طقس احتفالي يقاوم النسيان ويروي بطولات أسلاف الطوارق    أم البواقي : جمع أزيد من 700 ألف قنطار من الحبوب منذ بداية حملة الحصاد و الدرس    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 57418 شهيدا و136261 مصابا    معسكر: افتتاح اللقاء الوطني السابع للفنون التشكيلية    طبق الفول التقليدي .. سيد المائدة الغرداوية في يوم عاشوراء    كهرباء: وضع حيز الخدمة عدة منشات جديدة بالعاصمة لتعزيز شبكة التوزيع    جانت : آليات الحفاظ على قصيدة "سبيبا" موضوع لقاء اكاديمي وعلمي    وزير الرياضة ورئيسا اتحاد الجزائر وشباب بلوزداد يكرمون رئيس الجمهورية    رئيس الجمهورية يترأس حفل استقبال بالنادي الوطني للجيش على شرف إطارات سامية في الجيش    نهائي كأس الجزائر لكرة القدم 2025/ اتحاد الجزائر- شباب بلوزداد (2-0): الاتحاد يفتك الكأس التاسعة عن جدارة و استحقاق    كرة القدم/ نهائي كأس الجزائر-2025 / اتحاد الجزائر- شباب بلوزداد (2-0) : البطاقة الفنية    ارتفاع حصة الجزائر ب12 ألف برميل يوميا    نادي سوسطارة يتوّج بالتاسعة    ذكرى استقلال الجزائر مبعث فخر لشعب أبي    من الانتصار إلى التجلّي والوحدة والائتلاف    رئيس الجمهورية أحاط الأسرة الإعلامية بالدّعم الذي تستحقّه    حق الصحراوين في تقرير المصير لا يمكن التنازل عنه    "حماس" تعلن جاهزيتها للبدء في مفاوضات وقف إطلاق النّار    عهد متجدّد ومسؤولية مستمرة لبناء وطن قوي    الجزائر تحتضن منتدى لترقية التجارة والاستثمار بين الإفريقيين    عرض العصائر والمياه المعدنية لأشعة الشمس "سم قاتل"    صدور "خراطة من الاحتلال إلى الاستقلال"    الذكرى ال 63 لاسترجاع السيادة الوطنية : الجزائر تعزز أمنها المائي بمشاريع استراتيجية    المعرض العالمي أوساكا 2025 : الصناعة التقليدية والوجهة السياحية الجزائرية تسجل حضورها باليابان    السيد بوغالي : ذكرى عيد استقلال الجزائر مبعث فخر لشعب أبي    الذكرى ال63 لاسترجاع السيادة الوطنية: رئيس الجمهورية يترحم على أرواح شهداء الثورة التحريرية    توقرت: قطاع الصحة يتدعم بعيادة طبية نموذجية متعددة الخدمات    دعوة صريحة للإبادة الجماعية    اهتمام إسباني بضم رامز زروقي    59 حالة وفاة غرقا بالشواطئ والمجمّعات المائية    الشرطة الإسبانية تضبط 15 طنا من الحشيش مصدرها المغرب    تدشين مشاريع تنموية هامة وإطلاق أخرى    تكريم المتفوقين وحث على البعد الأكاديمي العالي في التكوين    "الكاف" تحتفي بمجيد بوقرة قبل موعد "الشان"    هذه تفاصيل هدنة ترامب في غزّة    المجلس الأعلى للغة العربية ينظم احتفائية    سورة الاستجابة.. كنز من فوق سبع سماوات    شرطة الجلفة توقف مروّجين للمخدرات    نصاب الزكاة لهذا العام قدر بمليون و ستمائة و خمسة عشر ألف دينار جزائري    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 57012 شهيدا و134592 مصابا    المشاريع السكنية أصبحت تُنجز في غضون سنة واحدة فقط    أخبار اليوم تُهنّئ وتحتجب    كرة اليد/كأس الجزائر (سيدات)..نادي بومرداس- نادي الأبيار: نهائي واعد بين عملاقي الكرة الصغيرة النسوية    الفاف" تقرر تقليص الطاقة الاستيعابية لكل الملاعب بنسبة 25 بالمائة    630 مليار دينار مصاريف صندوق التأمينات الاجتماعية    الكشف المبكر عن السكري عند الأطفال ضروريٌّ    فتاوى : حكم تلف البضاعة أثناء الشحن والتعويض عليها    الدعاء وصال المحبين.. ومناجاة العاشقين    تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الإفريقي للصناعة الصيدلانية    الجزائر تستعد لاحتضان أول مؤتمر وزاري إفريقي حول الصناعة الصيدلانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



''حلمي مطر'' •• أميرة الفلسفة

إهداء: إلى توكل كرمان حتى لا تقول ما قاله نجيب محفوظ عندما نال جائزة نوبل للآداب:
''إنه كان من المفروض أن ينالها قبلي أدباء ومفكرون··''
ظلت المرأة في تاريخ الفلسفة في هامش الفكر، رغم خطابات العقلانية، والحداثة، والاختلاف، وحقوق الإنسان، واللواتي اشتهرن من النساء في الكتابة الفلسفية، واقترنت أسماؤهم بالنضال الاجتماعي والسياسي، مثل (روزا لاكسبورغ) و(سيمون دي بوفوار)·· وداخل هذه المنظومة الفكرية التقى الغرب بالشرق، بحيث ارتبطت صورة المرأة العربية-الإسلامية بالأدب وصالوناته وبالحضور الأنثوي في المجالس الثقافية، كما هو الحال بالنسبة ل (مي زيادة)، و(فدوى طوقان)، و(غادة السمان) و(نوال السعداوي) و( أحلام مستغانمي) و(فاطمة المرنيسي )·· وكأن سلطة الحريم في بنيتها اللا شعورية أقوى من مشاركتها في وجودها الإجتماعي الذي يتحرك في حدود ضيقة نحو الأفضل·
قد يعود ذلك إلى ''الصورة التي رسمها أرسطو'' للمرأة، كما تقول الباحثة ''سوزان بل''، وأثر ذلك على التراث العربي- الإسلامي، إذ وجدنا بكيفية أو أخرى الإمام الغزالي يعرض ''بعض الحقائق الاجتماعية السائدة التي تحط من قيمة المرأة وقدرها، مستندا إلى أحاديث متواترة يصعب الأخذ بصحة معظمها'' ,1 ويظهر هذا أيضا عند قراءة قواميس الفلسفة والفلاسفة وموسوعاتهم، سواء تلك التي أعلنت عن تقدميتها أو تلك التي قامت على أساس الفهم بغرض تجاوز الفكر الدوغمائي والجدلي (أنظر كتاب: هواجس فلسفية في التراث والفكر المعاصر)، إذ نكتشف منذ الوهلة الأولى ذلك الوجود التراجيدي للمرأة كذات مفكرة، وكأن تاء التأنيث ثقيلة على مفهوم ''الفيلسوف''، مع أنّها لا تحمل بالمشروع الفلسفي، بل تصنعه وترسم آفاقه المستقبلية، ولعل شخصية (أميرة حلمي مطر) هي إحدى النماذج الفكرية التي نستلهم منها هذا الحس الفلسفي الذي ينبت في الأرض، كما تنبت أشجار النخيل في الصحاري العربية- الإسلامية، فأذهلت بذلك المؤرخ اليوناني (هيرودوت) بنشاطها ''ومشاركتها الرجل في جميع مناحي الحياة·· حتى أنّها وصلت إلى أعلى المناصب السياسية عندما حكمت البلاد بمفردها، أو مع زوجها''·
وعلى خطى الأوائل من الفلاسفة في استحسانهم للحق، مهما كان مصدره أو موطنه، قامت (أميرة حلمي مطر) بنقل النص الأفلاطوني (فايدروس) إلى اللغة العربية، لتعبر بكيفية أو أخرى عن موقف نظري مفاده ''بأنّ التنمية وإن كانت قد تمت في الاقتصاد، إلا أنّها لم تتم بعد في الإنسان''، وفي ضوء ذلك كان بحثها في علم الجمال وفلسفته إدراكا لعمق الأزمة الجمالية، وغيابها في فكرنا لأنّ محوره هو عنصر الحقيقة، في مقابل الفكر الغربي القائم على عنصر الجمال لأنّه ورث ''ذوق الجمال من التراث اليوناني الروماني، أما الثقافة الإسلامية فقد ورثت الشغف بالحقيقة من بين ميزات الفكر السامي''·
لقد أثمرت التجربة التعليمية في تدريس مادة علم الجمال لسنوات عديدة لدى (أميرة حلمي مطر) على مؤلفات في الموضوع، همها الأول هو إعادة الاعتبار للفكر الجمالي، بوصفه مسألة إنسانية وجدت قبل اليونان وإن اعترفت بأن العقل هو أساس القيمة الجمالية، فقد جعلها تظهر في صورة ''الفيلسوفة'' المشاركة في الحياة الفكرية من خلال المتابعة الدقيقة لنظريات علم الجمال وفلسفة الفن، كما حدثت في تاريخ الفلسفة، وتطورت مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين·· ولم تقتصر على تصوير الواقع أو محاكاته، كما كان الحال في العصور القديمة، بل عمدت إلى معارضة المثالية الجمالية·· كما ابتعدت عن الأفكار اللا هوتية والأساطير القديمة ونزلت إلى حياة الإنسان العادي لتعبر عن معاناته وكفاحه·· ومع تطور التكنولوجيا الحديثة واستحداثها لمواد جديدة في التكوين والطباعة سهّلت القراءة وانتشرت إلى جميع الطبقات، ومن هذا المنظور التاريخي تشير (أميرة حلمي مطر) إلى النزعة التجريدية في الفن المعاصر التي سادت ''بعد الحرب العالمية الثانية وما يهدد الإنسانية من كوارث نووية في الفلسفة الوجودية ومسرح العبث واللا معقول، وما سيطرأ على الحضارة الغربية من مستجدات غير معالم الحياة حين ظهر ما يسمى ما بعد الصناعة أو مجتمعات الكمبيوتر أو مجتمعات الإستهلاك·· أو ما يعرف بما بعد الحداثة''·
إن التحليل التاريخي للقيم الجمالية، جعل (أميرة حلمي مطر) تقف عند اللحظات الثورية التي جعلت علم الجمال مقدمة لكل تحرر، ووسيلة من وسائل نهضة الإنسان وتحديثه، وعلامة من علامات تقدمه وتطويره وباعتباره فلسفة، تتفاعل مع قيم عصرها، كما يبدو من التكنولوجيا وفنون ما بعد الحداثة التي ساعدت على ''انطلاق طاقات السخرية والتهكم، وظهرت صور البوب وملصقاته ومستنسخاته الجماهيرية وحلت محل الصور الكلاسيكية القديمة، فشوهت فان جوج وفيلا سكيز واستبدلتها بصور زجاجات الكوكاكولا ومارلين مونرو/، وكأنها بهذا الطرح الفني الجديد، تدعونا إلى مراجعة الذات وعلاقتها بالآخر، وبعبارة أخرى تدفعنا إلى التفكير في مدى أصالتنا الجمالية، مادامت القيم الجمالية السابقة، صارت الوجود والرغبة والحلم الذي يصارع كل إرادة ترفض الوهم والحقيقة المزيفة، تلك الحقيقة التي تقوم على منطق ''أن ما يسرني لا بد أن يسر كل شخص سواي''، وبالتالي تؤكد على استمرار التفكير البدائي الذي لا يفرق بين ''الأنا'' و''الآخر'' لأنه لو حدث أن شخصا كان ذا عقل مغاير أدى إلى اضطراب اجتماعي، لأننا مازلنا ''نشعر بإهانة عندما يجد شخص فكرتنا عن الجمال باعثة على المقت، ومازلنا نضطهد كل من يفكر تفكيرا مختلفا عنا''، فهل يمنعنا مثل هذا العائق السيكولوجي من تأويل فكر (أميرة حلمي مطر) قصد معرفة إن كان علم الجمال هو الذي اختارها درسا وتأليفا أم هي التي اختارته بحكم أن سيكولوجيتها قائمة على مبدأ الإيروس أو العشق، في حين أن المبدأ الذي ينسب إلى الرجل منذ القدم هو اللوغوس أو العقل؟·
في المحاورة الأفلاطونية يظهر للفيلسوف ''مهووس بالحب شأنه شأن الشاعر الذي تلهمه ربات الشعر''، ومثل هذا التفاعل بين العقل الفلسفي والخيال الشعري يدحض كل تصنيف معرفي يجعل ''أم العلوم'' لا تنجب إلا نموذجا للتفلسف ظل وسيبقى ثابتا في التاريخ، ''ألم يكن الحب وراء نبوغ كل من بلغ القمة في أي فن من الفنون، ألو يكن وراء ''أبو للون'' عندما تميز في فنون الصيد والطب والعرافة، وكان ملهما لربات الشعر أنفسهن في براعتهن في الفنون الجميلة المختلفة ؟''، وكأنها بهذه المقدمة تذكرنا بتجربة (هيدجر) في مراجعة سؤال الفلسفة؟ بإعتبارها ''حكمة الحب'' في مقابل حب الحكمة قديما وبذلك صار الفيلسوف رجلا تخصص في الحب في زمن صار الإنسان مقرونا بالقلق والكآبة والعبث والغثيان، غير أن هذا الموقف قد يجعل الحب مقولة فلسفة يصنعها العقل وبالتحديد عقل الرجل بمعزل عن عاطفته، مع العلم أن المرأة لم تكن موضوعا للحب فقط، بل هي الحب في حد ذاته الذي أيقظ المعاني الفلسفية عندما انتصرت لتعاليم ''أوزيرس'' الذي علّمهم ''كيف يزرعون الحب، وسن لهم القوانين، وكلمهم تبجيل الآلهة، وبعد ذلك طوف بالأرض كلها ليمدن أهلها دون ما حاجة إلى استعمال السلاح، وإنما كان يستميل معظم الشعوب إليه بالاقتناع والتهذيب، ويسحرهم بجميع ألوان الغناء والموسيقى''، ومن ثم كانت عشتار ملكة للسماء، وكانت ''بالاس'' آلهة للحكمة وكانت ''أفروديت'' آلهة للجمال، ولا نبالغ إذا ما أكدنا على إمارة الفلسفة لدى (أميرة حلمي مطر)، وبذلك ندعو إلى ضرورة معجمية وقاموسية إنسية، تشمل كل جهد معرفي في التفكير الفلسفي، لأن الفلسفة في صفائها تظل مرادفة لمعاني: الحب واليقين والسلام، فهي لم تعد مجرد نشاط عقلي جاف في متناول عامة الناس، بل تتطلب نوعا من الكشف أو التذكر والتجربة الصوفية التي يتصل بها الفيلسوف بهذا العالم ذي الجمال الذي يفوق الوصف، وفي ضوء هذا الوعي الجمالي القائم على محاكاة الطبيعة أحيانا وتمجيدها أحيانا أخرى والدعوى لتجاوزها من جهة والعمل لمغايرتها من جهة أخرى، اشتمل درس الفلسفة عند (أميرة حلمي مطر) على مفاهيم النقل والتقليد والترجمة والتفكير·
1 حلمي مطر بين التأريخ للفلسفة والتراث الجمالي:
إن اشتغال الفيلسوفة بالنصوص القديمة أيقظ فيها أسئلة التفكير التي تحصنها من الاغتراب الزمني عندما تقول: ''ما قيمة هذا التاريخ وما الذي نجنيه من البحث في أفكار ومذاهب عفا عليها الزمن وحل محلها جديد لا غنى عنه لأي إنسان·· كيف ينبغي أن يكتب هذا التاريخ وما هي أصلح المناهج التي يمكن للمؤرخ الوثوق بها عند بحثه في فلسفة معينة أو في عصر من عصور هذا التاريخ؟'' والجواب الذي تقترحه هو من صميم الفلسفة، لأن الرؤية الهجيلية تلزم مؤرخ الفلسفة بفلسفة معينة، لأن تاريخ الفلسفة هو الفلسفة ذاتها، وبالتالي لا يمكن اعتبار الفلسفات القديمة منتهية، لأن ''الفلسفة في طابعها الخالد هذا أقرب ما تكون لطبيعة الفن، فهي وإن استعارت من العلم مناهجه العقلية· إلا أنها تستعير من الفن طابع الذاتية الذي يضفي على آثاره وروائعه الحياة والخلود رغم مرور الأيام''· ولعل هذا التكامل في صفة الذاتية هو ما يفسر اهتمام أميرة حلمي مطر على الطريقة الأبولونية بالكتابة الجمالية داخل هذا التاريخ، معتمدة على تحليل معاصر يتلون بأفكار نيتشه وراسل وبرغسون وشيللر إلى درجة الإقرار بأن ''ما يورده أفلاطون في محاورة تياتيتوس ليس في الواقع إلا نظرية مماثلة في الحقيقة تكاد الخطوط الرئيسية والمعالم الأساسية في نظرية الحقيقة عند البراغماتيين كما تقدم الرد الذي وجهه أفلاطون ممثل الفلسفة المثالية على البراغماتية منذ هذا العصر''، وبهذا الوعي المنهجي تنقلنا من الفلسفة الطبيعية إلى الفلسفة الأخلاقية لتؤسس لتجليات الفن عن أفلاطون في نزعتها الواقعية القائمة على المحاكاة وعند أرسطو من خلال نقده الفني للشعر والخطابة مستلهمة ما كتبته في (فلسفة الجمال) بأن ''الحقيقة الفنية ليس كما يرى أرسطو نقلا حرفيا للواقع ولكنها نوع من التفسير والخلق الذي يكسبها نظام ومعقولية''، وهذا السياق الإبداعي في التفكير الجمالي يشمل مختلف العصور وكافة الإتجاهات والمذاهب، لأن ذات ''أميرة'' تسمو على التصنيف الإيديولوجي و''تمطرنا بحلم الملوك'' في قراءة الفنون، فأسقطت بذلك خرافة فتى الأحلام بعدما صارت صاحبة القبلة التي تلهم كل غافل عن أعمالها·
2 الجماليات في درس أميرة حلمي مطر:
قد تتبنى الفيلسوفة الموقف الذي ينظر إلى تاريخ الفن كحلقات تقدمية ولكل هذه الحلقات مشكلتها الخاصة، وكل منها تقدمية بالنسبة لهذه المشكلة أو هذا الموضوع فحسب، وهذه المراجعة النقدية تجعل الفكر الجمالي تجربة إنسانية لها قيمتها في الزمان والمكان الذي يظهر فيه· وحتى لا نكرر التراث اليوناني الذي اشتغلت عليه بالتحليل والترجمة نقف عند الشخصيات الحديثة والمعاصرة التي استأنست بها مثل الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (1724 1804) الذي اقترنت فلسفته بالثورة العلمية التي تمثلها فيزياء نيوتن وما استلزم ذلك من تفكير في طبيعة العقل الذي أنتجها، فكان مشروعه النقدي بأقسامه الثلاث: المعرفة وموضوعها نقد العقل الخالص، والأخلاق وتتعلق بنقد العقل العملي، واللذة وتختص بنقد ملكة الحكم، وهذا الأخير يشمل نوعين: الحكم الجمالي أو الإستيتكي ويرتبط بالتمثلات في حين نجد الحكم الغائي يحتكم للتصورات، وبعد تقديم موقع الفكر الجمالي في المشروع الكانطي، تنبهنا أميرة حلمي مطر إلى قيمة هذا التأليف في تاريخ علم الجمال، بحيث صار علما قائما بذاته أي ''مستقلا عن مجال المعرفة النظرية ومجال السلوك العملي· يقول كروتشيه: إن ظاهرة الجمال قد ظلت يكتنفها الغموض وتناقض كبير، فحتى عصر كانط ظلت فلسفة الجمال محاولة لإرجاع الإستيطقية إلى مبدأ آخر غريب عليها''، في حين وجدنا موقف الفيلسوفة ينسجم مع الأطروحة الكانطية عندما ترجع الحكم الجمالي إلى الذات، لأن قضايا شعورنا باللذة والألم لا تستمد من العالم الخارجي فقط، وطبيعة العمل الفني تصدر عن حرية الإنسان وإرادته، فهو ناتج تلقائي مجاله ''تقدير شيء أو فكرة من حيث قبولها أو عدم قبولها بدون وجود أي غرض معين''· وهذا السياق الفكري أحدث قطيعة في علم الجمال من البحث عن ماهيته ووجوده إلى إمكانية وشروط إدراك الإنسان وحكمه بالجميل، ومع ذلك يؤخذ عليه بأنه ''كان مقودا بنظريات سيكولوجية وخاضعا لعلم النفس الملكات السائد في عصره، أكثر مما كان مسترشدا بفنون عصره وآدابه ومقاييس الجمال والذوق عند فنانيه ونقاده''· ولعل مثل هذا الاعتراض يوجهنا نحو أرسطو العصر الحديث الفيلسوف الألماني هيجل (1770 1831)، لأن شأنه من كانط هو شأن أرسطو من أفلاطون، لأن المثالية المطلقة تفترض بأن كل الظواهر الطبيعية والإنسانية هي مظهر من مظاهر تشكلات الروح التي تهدف أول ما ''تهدف إلى وعي ذاتها من خلال وسائط الدين والفن والفلسفة''·
إن هذا التفكيك المنهجي للفلسفة الجمالية الهيجلية يتجلى عند أميرة حلمي مطر من خلال دراسة الفكرة والمثال وبحث نظرية الأنماط (الرمزي والكلاسيكي والرومانطيقي) لتؤكد دور الفن في التعبير عن الروح المطلق، وقيمة الذاتية في التعبير عن باطن النفس وتمظهر الانفعالات، غير أن الفيلسوف الإيطالي كروتشه يظل رفيقها عندما تستند على قوله: ''لقد صار هيجل مثيلا لأفلاطون فعلى الرغم من كلا الفيلسوفين كان من أكثر الفلاسفة إحساسا بالفن وتتبعا للأعمال الفنية المعاصرة لهما إلا أن هيجل قد رضخ مثلما رضخ فيلسوف اليونان أمرا يأمر به الدين فأدن المحاكاة والشعر الهوميري على حبه العميق لهما، كذلك فعل فيلسوف الألمان الذي لم يشا أن يتحر من مقتضيات مذهبه المنطقية فأعلن طبيعة الفن الفانية أو بالأحرى موته· إن إستيطيقا هجيل إنما هي خطبة رثاء جمع فيها الصور المتوالية للفن واستعرض المراحل التي تقدم الفن أثناء تطوره ورتبها في قبر كتب على شاهده الفلسفة''، غير أن هذا الحكم لا يقف عند المتاهات الميتافيزيقية والتصنيفات التي تقف عند مبدأ المفاضلة بين الفنون بل يشير إلى الرؤى الأصيلة في فلسفة هيجل كالاهتمام بالمعيار التاريخي في قراءة الأعمال الفنية أي المستوى الحضاري الذي تظهر فيه النظم الفكرية المختلفة، وتواصل إكتشاف أثره على الفلاسفة من بعده كما هو الحال بالنسبة لتصنيف الفنون الجميلة عند شوبهنور، من العمارة إلى النحت إلى التصوير إلى الشعر إلى الموسيقى، لأن اكتشاف الخيط الذهبي المشترك في تفكير الفلاسفة هو أساس الحكمة لدى أميرة حلمي مطر، فتوضح مرة أخرى صلة شوبنهور بنيتشه في نظريات الموسيقى و''تفسير فن التراجيديا الإغريقية وهو مصدر إلهام الفلاسفة وبأن هذا الفن مدين بدوره لروح الموسيقى على نحو ما عبر عنه ديونسيوس إله النشوة والرقص والغناء وإذا كانت الصور التشكيلية وليدة الحلم ومن وحي الإله أبوللون، إلا أن الغناء والموسيقى أقدر الفنون تعبيرا عن الألم التراجيدي''· وهذه الرؤية النتشوية تضع الفن في المظهر المزدوج للطبيعة الإنسانية أي الحلم والأغنية، وقد تأثر بهذه النظرية الجمالية ''أتباع الفلسفة الوجودية المعاصرون الذين رأوا في الفن طريق للكشف عن حقيقة الوجود والكائنات· فعرف مارتن هيدغر العمل الفني بأنه إنشاء وإحضار لجوانب الموجودات الخافية المستترة''·
وبهذا الموقف يمكن فهم تحليل الفيلسوفة لعلاقة الفنون وتداخل أنظمة المعرفة بطريقة تجمع بين الظاهر والباطن أو بين ما هو معلن عنه في تمظهره وبين ما هو خفي ويتحرك في لاشعور المجتمع، لأن النشاط الإنفعالي للفيلسوف قد يعبر عنه الأديب كما كتب تولستوي (1828 1910) ما هو الفن؟ ليعيد الاعتبار لعلم الجمال الاجتماعي، فيساهم في نشر القيم الإنسانية والارتقاء بحياة الشعوب إلى درجة أن لينين اعتبره مرآة الثورة الروسية الأولى، وتسأل لوكاش: ''ماذا تقدم أعمال تولستوي؟ ويرى كما أنه كما ألقى جوركي بمرساته بين العمال الصناعيين، ضرب تولستوي جذوره وسط جماهير الفلاحين الروس وكلاهما كان مرتبطا حتى أعماق روحه بالحركات الباحثة عن تحرر الشعب والكفاح من أجلها''، غير أن هذه الواقعية تثير لدى الفيلسوفة علاقة الفن بالعنصر الإنساني، خاصة بعد تأثير التكنولوجيا وظهور الموسيقى الإلكترونية والأسلوب التلغرافي في القصة والتصوير·
للموضوع إحالات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.