شايب يشرف على استقبال عدد من أطفال الجالية    تنصيب أوّل برلمان للطفل الجزائري    المحكمة الدستورية تنظّم ندوة تاريخية    سايحي يترأس جلسة عمل    مجمع أنتون الصيني يبدي اهتمامه    افتتاح مشاريع ومعدّات جديدة لسوناطراك    مئات الصهاينة يستبيحون الأقصى    جهود مضنية للدفاع عن حق الشعب الصحراوي    حروب إسرائيل غير المنتهية    نهاية قصة مبولحي الترجي    مولوجي تُحضّر لرمضان    نهاية فيفري القادم.. آخر أجل لاستلام المشروع    نسوة يُحضّرن مبكّرا لشهر رمضان    صحيح البخاري بجامع الجزائر    فيلم الأمير عبد القادر أفضل ترويج للجزائر سينمائيًا    التقوى وحسن الخلق بينهما رباط وثيق    تقييم الاستراتيجية الوطنية لرقمنة قطاع الأشغال العمومية    فتح باب الطعون في عدد الغرف للمقبولين في برنامج "عدل 3"    مناورة تقنية للحماية المدنية بمنارة جامع الجزائر    الجزائر فاعل محوري في ترقية الشراكات الإفريقية-الدولية    لا بديل عن الحلول السلمية للأزمة الليبية بالنسبة للجزائر    الرئيس تبون قدّم لي توجيهات سامية لترقية الأمازيغية بكل متغيراتها    تسهيلات هامة للمواطنين المتخلّفين عن تسديد فواتيرهم    الجزائر ماضية في ترسيخ المرجعية الدينية الوطنية    اتفاقيات لتصنيع أدوية لفائدة شركات إفريقية قريبا    التكفل بمخلفات المستحقات المالية للصيادلة الخواص المتعاقدين    الجزائر مستعدة لتصدير منتجاتها الصيدلانية لكازاخستان    تجسيد رؤية الجزائر الجديدة في بناء جيل واعٍ ومسؤول..تنصيب أول برلمان للطفل الجزائري    لجنة الشؤون القانونية بمجلس الأمة:دراسة التعديلات المقترحة حول مشروع قانون التنظيم الإقليمي للبلاد    الرائد في مهمة التدارك    المشروبات الطاقوية خطر وتقنين تداولها في السوق ضرورة    حملة تحسيسية من حوادث المرور    "قضمة الصقيع".. عرض مرضي لا يجب الاستخفاف به    "الخضر" يضبطون ساعتهم الإفريقية على مواجهة السودان    بلايلي يتمنى تتويج الجزائر بكأس إفريقيا 2025    فوز مثير لبلوزداد    مهرجان المسرح المحترف ينطلق اليوم    صحيح البخاري بمساجد الجزائر    صناعة صيدلانية: تسهيلات جديدة للمتعاملين    عهدة الجزائر بمجلس الأمن.. أداء ومكاسب ترفع الرأس    سيغولان روايال على رأس جمعية فرنسا – الجزائر    المهرجان الدولي للمنودرام النسائي في طبعته الرابعة    احتفاء بالأديب أحمد شريبط    أنباء عن قتيلين في عملية إنزال جوي للتحالف الدولي : تفكيك خلية ل "داعش" بريف دمشق    جيجل..تخصيص 2،5 مليار دج لحماية الموانئ الثلاثة    وكالة "عدل" توضّح آليات الدفع الإلكتروني لأشطر سكنات "عدل 3"    وزير الاتصال : "الوحدة الوطنية أقوى من مناورات الحاقدين"    البليدة : بعث أشغال إنجاز محطتين جديدتين لتصفية المياه المستعملة قريبا    بومرداس..اجتماع لمتابعة وضعية مشاريع الاستثمار العمومي    كأس إفريقيا كل 4 سنوات مستقبلاً    غرة رجب 1447ه هذا الأحد والشروع في قراءة صحيح البخاري بالمساجد ابتداءً من الاثنين    "عش رجبا تر عجبا".. فضل رجب وأهميته في الإسلام    غزّة تحت الشتاء القاسي والدمار    المذكرات الورقية تنسحب من يوميات الأفراد    مجلس الأمن يدين بشدة الهجمات على قاعدة بجنوب    انطلاق المرحلة الثانية للأيام الوطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال    كرة القدم / الرابطة الثانية /الجولة ال13 : مواجهات حاسمة على مستوى الصدارة وتنافس كبير في ذيل الترتيب    شبيبة القبائل توقع عقد شراكة مع مستثمر جديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدرس الفلسفي وأفق الوجود
نشر في الجزائر نيوز يوم 18 - 06 - 2012

معرفة الذات منطلق المعرفة، وإشكال الهوية، إشكال مركزي... والمعرفة المحررة هي معرفة تفقه، أي تتجاوز العلم بدلالات دال الفقه في مصادر اللغة، فقه هو معرفة جوهر الأمر، كما قيل، وذلك هو شأن الفلسفة كاشتغال محب وباحث عن الحكمة... اشتغال محبة وحكمة، محبة ترتفع بالذات من انحطاطها وحكمة تصنع التوازن.
1
في سياق التحولات المندفعة والمتدافعة، يحضر سؤال العقل الذي يفكر ويهيكل الوعي... العقل الذي يعقل الحراك ويعقلنه، عقل ينظم التفكير ويؤسس للممارسة ...عقل فلسفي يغص ليبلور ما يتجاوز مجرد التأويل، ينجز كما عبّر كارل ماركس التغيير.
عقل ناسوتي رحال عبر تضاريس الوجود، رحال نحو أقاصي المستحيل، رحال يحرك فعالية الحفريات والتفكيكات، كما مارسها فوكو وديريدا .عقل يحرر من وطأة العابر ومن أغلال الماضي، يحرر من الوثن ومن الكهف بأطيافه وأصدائه ...عقل يستنطق ويتمثل الذات ليبين الوعي الذي يجعلها تنبض بالحيوية.
إن أفضل أنواع المعرفة كما كتب الدكتور حسين الزاوي :''هي تلك التي يكون موضوعها الذات بأعماقها وتفاصيلها'' والفلسفة كما يضيف :''ستكون ترفا فكريا إن لم تمارس بشكل من أشكال المقولة السقراطية الخالدة :أعرف نفسك بنفسك''.
والذات، ذاتنا لا زالت تعاني من نزيف، نزيف الذاكرة الموشومة بتعبير الخطيبي مما تراكم من توقيعات التجميد ومن وطأة الغلق، غلق الاستبداد الذي يبدد الذات ويحول الخاضع التابع إلى شيء وليس ذاتا، كما عبّر أرسطو.
والعربي، المسلم، الإفريقي، المغاربي، الجزائري ...يواجه حيرة أمام الحدث المتدفق بتفاصيل لا تتناهى ...والأشكال ليس في الحيرة بل في تبدد الوعي بها، في ما يلتبس بالإدراك من التباسات تكرس العمى والهوية العمياء بعبارة الخطيبي تتحوّل كما تحدث أمين معلوف إلى هوية قاتلة ...قاتلة لذاتها أساسا.
معرفة الذات منطلق المعرفة، وإشكال الهوية، إشكال مركزي ...والمعرفة المحررة هي معرفة تفقه، أي تتجاوز العلم بدلالات دال الفقه في مصادر اللغة، فقه هو معرفة جوهر الأمر، كما قيل، وذلك هو شأن الفلسفة كاشتغال محب وباحث عن الحكمة ...اشتغال محبة وحكمة، محبة ترتفع بالذات من انحطاطها وحكمة تصنع التوازن.
في كل طور من التاريخ كان الفتح الفلسفي، فتحا مؤسسا للتحوّل التاريخي ...الفلسفي كبنية للفهم وتملك للقدرة التأويلية المبدعة للرؤية، قدرة الانبثاق بفيض التنوير، فيض ببسط تواصلي، فالعقل كما كتب جاك ديريدا :''هو ما يفيض على نفسه وينفتح على مستقبله، وهو في هذا يعتمد بالضرورة على الثقة والإيمان أي الاتساع الذي يسمح بالإيمان بالآخر، بالمستقبل، بالائتمان والتصديق الذي لا يمكن دونهما لأي روابط بين البشر أن تكون ولأي وعد أو عهد أن يكونا''.
الفلسفي هو صياغة استراتيجيات التموقع والانتشار في الوجود، صياغة بأنوار والأنوار كما كتب كانط هي :(خروج الإنسان من حالة القصور التي هو عليها، بخطأ منه .بسبب انعدام القدرة لديه على استعمال عقله دون توجيه من الغير .ولا يرجع هذا القصور إلى عيب في العقل، ولكن إلى الافتقار في التصميم وإلى الشجاعة في استغلاله دون توجيه ما ودون وصاية :''تشجع على استعمال عقلك'' .هذا هو شعار الأنوار).
تلك هي الأنوار، أنوار البصيرة لا أنوار زخرفة قد تكون أشد ظلاما من الظلام، فليس المهم كما كتب العقاد :''أن تكون في النور وإنما المهم أن يكون في النور ما تراه''.
2
تحدي مركب يواجهنا وتكثفت المواجهة منذ بداية ما سمي بالربيع العربي، تحدٍ في زمن ثورة معلوماتية هائلة، ثورة قلبت المعطيات وغيرت معادلة الزمن ببعد افتراضي .الثورة الاتصالية جاءت بتدفق لا متناهي لتفاصيل، تدفق على مدار الساعة، بتفاصيل تنفصل بها وعنها المعنى فتلتبس السبل، وهنا يأتي السؤال، سؤال المعنى.سؤال منتظر من أهل الاشتغال بالفلسفة والعلوم الإنسانية التعاطي معه وتحريره من التوظيفات التكتيكية المرتبطة بجماعات سياسية أو فرق عقائدية وتيارات إيديولوجية.
سؤال معنى ما يحدث وما تتناقله الفضائيات من مشاهد كما يكتب المفكر طيب تيزيني :''تظهر في بعض مدن ''الخريف العربي'' :طفل أو رجل يُقتل بالرصاص الحي ويفقد حياته، ولكن يُستمر في إطلاق الرصاص على الجثة الميتة، بنوع من الهوس والذعر وبحالة من الانتشاء الحاقد .ومشهد آخر يتجلى في طفل تلقى ثلاث رصاصات أفقدته حياته، ولكن القاتل يحزّ رقبته إلى نصفها ...إلخ، ومشهد ثالث تجسّده فتاة يستبيحها ثلاثة رجال منفردين ومجتمعين، ثم يأمرونها بالخروج إلى الشارع عارية مدمَّاة، فهؤلاء الثلاثة وأمثالهم هم علوج يجسدون نمطاً من الكائنات، التي يبحث فيها علماء في الدراسات الحضارية المقارنة، فأحد مواضيع هذه الدراسات يتمثل في ما يطلق عليه ''الإنسان الذئبي''، الذي يخرج عن دائرة ''الإنسان العاقل''، بقدرته على انتصاب قامته، وتمكُّنه من استخدام أصابعه، وبتطوره باتجاه العقل المطابق.
إن كل ذلك مما ينضوي في إطار ما أوردناه وضمن مجتمع أُذِلَّ وحُرم من الثالوث المقدس :الحرية والكرامة والكفاية المادية، على مدى يقترب من نصف قرن، يظهر الآن جلياً كالشمس .والحقيقة، إن هذا الظهور الجلي للحطام العربي (وضمنه السوري) ليس جديداً أو -على الأقل -كان من قبل موجوداً''.
التفاصيل تكثفت والالتباسات تضاعفت، فاختلطت الألوان وتاهت الخيوط وتداخلت الخطوط ...وضاع الناس بين أناشيد تغني الربيع العربي ومرثيات تبكي التفكيك المتضاعف، بين أحاديث الثورة وأحاديث المؤامرة ...وفي الضياع احتدت الحاجة إلى قبسات تقتبس منها المجتمعات ما تستوي به مصائرها ...في وضع كهذا يحضر السؤال عن الفلسفي كهندسة أفق وكتحرير من السطحية والظرفية .يحضر سؤال الفلسفي كتحقيق وجودي، تحقيق الذات وتحقيق انوجادها، تحقيق يبدع الرؤية والمفهوم، ينضج الخميرة، خميرة السؤال المستمر، القلق الذي لا يكف، قلق من يظل في ترحال يبحث فلا يجد لأن الإيجاد التام هو الموت ...ولأن السكون وافتقاد السؤال، افتقاد القلق هو ما يمثل موتا مكثفا.
المثقف كما كتب أركون :''يتمايز في الواقع عن الفاعلين الاجتماعيين الآخرين لأنه الوحيد الذي يهتم بمسألة المعنى'' .وقال :''لقد قام الفلاسفة بدور حاسم في تدشين الموقف النموذجي للتيار الذي أدى في الغرب الأوربي إلى انبثاق ما ندعوه بالمثقف أو ظهوره .نقصد بالمثقف هنا ذلك الرجل الذي يتحلى بروح مستقلة، محبة للاستكشاف والتحري، وذات نزعة نقدية واحتجاجية تشتغل باسم حقوق الروح والفكر فقط''.
3
من سقراط إلى ديريدا، ومن المعتزلة إلى المسيري ...كتبت أسفار النظر الفاعل، نظر الفكر المنبثق من رحم الواقع، انبثاق الفعل المحرك والمنجز لديناميكية التحويل والتصريف نحو ما يحقق للكينونة صيرورة، فبعبارات شريعتي البشر كينونة والإنسان صيرورة .انبثاق من رحم الواقع أو معادلة الفلسفي واليومي، أو عندما ينسف المتفلسف والفيلسوف البرج العاجي وينزل ليخترق العابر ويثقف ميتا اليومي ليهندس برجا مضادا لبرج بابل، برج بلغة تمسح اللغو وتمتد بلاغة مشحونة بالأضواء، أضواء البصيرة.
ديريدا فكك المقولات والأنساق، وفوكو حفر وغاص في الدهاليز، فنقب في الأرشيف وتقصى جيناليوجيات أنظمة المعرفة والخطاب، فكك بنيات وشبكات السلطة ومؤسساتها فدرس المؤسسة العقابية ومصحات الطب العقلي ودرس الجنسانية في تشكلاتها وتحولاتها المختلفة ...إدوارد سعيد تحدث عن الراقصة تحية كاريوكا، المسيري توقف عند ظاهرة عمرو خالد، الخطيبي استحضر الجسد وحفر في البنيات السوسيولوجية ...علي حرب يحاور بسجالية وجدل ...ذلك هو الاشتغال المؤسس لسياسة المعنى، المعنى الذي يحمي من الضياع، المعنى المتحوّل أعني لأن الثابت يدفع نحو التعفن والتفسخ.
في التحولات المتدافعة يزداد إلحاح الحاجة إلى الدرس الفلسفي ...درس لما غاب تشكلت أصوليات تستأصل الأنسنة...
درس نابض بحيوية الخروج من الأنساق، درس ينشق ليشق سبل هندسة عوالم المثل التي تظل عبر التاريخ ملهمة، إلهاما يمد الوجود بروح برومثيوسية تصارع بقلق من ينشد الحقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.