ودعت الأسرة الفنية أحد رموز الموسيقى الجزائرية في جو مهيب مفعم بالأسى والحزن، ممثلا في الفنان محمد بوليفة الذي غادرنا إلى الأبد عن عمر ناهز 59 سنة، حيث أبت الأسرة الفنية والإعلامية وحتى السياسية إلا أن تشارك في جنازة المرحوم وإلقاء النظرة الأخيرة عليه. وقد ركز عليها الحاضرون بالمقبرة على خصاله الإنسانية الكبيرة، حيث اتفق جميع من تحدثنا إليهم على أنه كان إنسانا خلوقا ومتواضعا، وينفرد بحس فني رهيف، ويكفي في هذا الإطار الإشارة إلى أنه كان الأول من تعامل مع الأوبيرات على الخشبة فضلا عن قدرته على استخدام كل الإيقاعات المتناسبة مع مختلف الأذواق. وتبقى أهم محطة في مسيرته الفنية هي حصوله على منحة لمتابعة دراسته الموسيقية في بغداد سنة 1978 على مدار أربع سنوات كاملة، قبل أن تنطلق رحلته مع الموسيقى والتلحين والغناء على غرار تلحينه أغنية “بلادي أحبك" للمطربة الراحلة وردة الجزائرية. لقد رحل الفنان محمد بوليفة إلى مثواه الأخير وستبقى أعماله وإنجازاته الفنية حاضرة في ذاكرة من عايش مسيرته الفنية وتعامل معه واستمتع بأغانيه وألحانه وحسه الفني الفريد من نوعه. قالوا عن الفقيد: عز الدين ميهوبي (مدير المكتبة الوطنية): أول من تعامل مع الأوبيرات على الخشبة «يبقى محمد بوليفة قامة فنية عالية بما يمثله من رصيد علمي موسيقي ورصيد فني منجز، فقدرات الراحل أهلته لأن يكون أول من يتعامل مع الأوبيرات على الخشبة بدءً ب “قال ؟؟السعيد" سنة 1993 وحيزية 1995 وغنائية إفريقيا 1999 وثنائية المجد والتاريخ سنة 2009 وكل هذه الأعمال أنجزتها معه، إلى جانب العديد من النصوص الشعرية التي حولها إلى نصوص مغناة، وفضلا عن كل هذا فهو إنسان خلوق وخجول ولا يبحث كثيرا عن الأضواء قدر تقديمه عملا ناجحا". شكري عبد القادر (ملحن) تعاملت معه في عدة أعمال “هو أستاذ معروف كملحن ومطرب وهو قبل أن يكون صرحا في عالم الفن، فهو إنسان لطيف ومحبوب ويعمل بتفاني ويحب الفنانين، وسبق لي أن تعاملت معه في البحرين منذ أربع سنوات وشاركت في أوبيرات كعازف عود معه، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه والصبر والسلوان لعائلته". الهادي رجب (مطرب) فقدانه خسارة للموسيقى الجزائرية “لقد جمعتني بالمرحوم علاقة وطيدة منذ عشرات السنين، وبالمناسبة فأنا وإياه نملك نفس اللقب لأن اسمي الأصلي هو بوليفة رجب وتشرفت بمشاركته في عدة حفلات وآخر لقاء جمعني به كان بمدينة وهران بمناسبة تكريمنا وذهابه اليوم هو خسارة للموسيقى الجزائرية لأنه كان بإمكانه أن يقدم العديد من الأعمال والإسهامات الراقية، وسيبقى اسمه خالدا إلى الأبد". عبد القادر بن دعماش (باحث في الموسيقى): كان أحد الملحنين الجزائريين الكبار “لقد فقد الفن أحد رواده وهو لم يندفع بل يريد العيش على الهامش، ويحب التلحين كونه يمتلك إمكانات كبيرة أهلته لأن يكون أحد المكونين، كما يعتبر حاليا من الملحنين الكبار في الجزائر، حيث استطاع أن يمزج الجزائري مع الخليجي والعربي فضلا عن أنه تعامل مع أسماء معروفة في الساحة الفنية أمثال سليمان جوادي، عمر البرناوي، عبد الرزاق جبالي ووردة الجزائرية". الصادق جمعاوي (مطرب) بوليفة آخر العمالقة “رحم الله محمد بوليفة الذي كان قمة في التواضع والأخلاق والإبداع، وبالنسبة لي يعتبر آخر عمالقة الجزائر في ميدان الفن، وأعتز بالصداقة التي جمعتني به وسأبقى معجبا بزخمه الفني الذي استعمل فيه النغمة الفلكلورية وأعطاها بعدا عربيا، حيث أن اللحن جزائري لكنه مسموع عربيا، وستظل أعمال بوليفة خالدة رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه". نور الدين دريغول (عازف آلة القيتار) رحل في أوج عطائه “لقد تعاملت مع الفقيد منذ 1976 وشاركته في رائعته “ما قيمة الدنيا" سنة 1976، كما ساهمت معه في عدة أعمال ثقافية داخل الجزائر وخارجها بالإضافة إلى بعض الأعمال بالتلفزيون الجزائري. لقد ذهب بوليفة في وقت ما زلنا في حاجة إلى إسهاماته في الفن الجزائري، لأنه ما زال قادرا على العطاء لسنوات أخرى، لكن الأجل وصل وما عسانا سوى أن ندعو له بالرحمة والمغفرة ونترحم على روحه الطاهرة". لمين بشيشي (وزير الإعلام الأسبق): كان نموذج رجل الثقافة “لقد خسرنا في بوليفة الأصالة وهو شخصية فنية متكونة، وهو فوق كل ذلك إنسان جعلته طيبته نموذجا لرجل الثقافة، لقد رحل في عز عطائه وعمره لم يتجاوز 59 سنة، إذ كان بإمكانه أن يمد الفن الجزائري بإنجازات أخرى. كما تولى في بعض مراحل حياته المسؤولية الإدارية لكي يضمن لقمة العيش لعائلته لأن الفنان في مهب الريح والفن ليس مهنة لأن له علاقة بالروح والوجدان، رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه".