لا حديث اليوم في الساحة الكروية سوى عن أخبار انتقالات اللاعبين خلال فترة الميركاتو الشتوي الذي افتتح كالعادة على وقع الأخبار والإشاعات وجهود الأندية للتعاقد مع اللاعبين كل حسب طموحاته وإمكاناته وأساليب تعامله مع سوق أصبح مع مرور السنوات تشوبه رائحة “البزنسة" في أسس معانيها القذرة. فبغض النظر عن التنافس غير الشريف الذي تنفرد به عمليات البيع والشراء، فإن ما يستوقف كل متتبع لسوق الانتقالات هو الفوضى العارمة التي تعيشها، والكرة الجزائرية تعيش عامها الاحترافي الثالث الذي مع الأسف لم يغير شيئا من الذهنيات البالية التي تجذرت في الوسط الكروي وباتت السمة الغالبة على كل ما له علاقة باللعبة. ويكفي في هذا المجال إلقاء نظرة على أبجديات سوق التحويلات في بلادنا لنكتشف دون عناء التعاطي مع الظاهرة بمنطق المنفعة الشخصية على حساب المصلحة العامة. ولا يمكننا فهم ما يدور في فلك الكرة الجزائرية والانزلاقات التي تحدث اليوم دون أن نغوص في تصرفات رؤساء الأندية من جهة واللاعبين من جهة أخرى، والتي تشبه أحيانا لعبة القط والفأر، طالما وأنها تتم بطرق غير بريئة وتخفي وراءها صفقات لم تعد مع الأسف مشبوهة فقط بل أصبحت وقحة بامتياز. لعبة القط والفأر منذ أيام بلغنا خبر من مصدر موثوق أن أحد المدافعين الواعدين في البطولة الوطنية كان محل مزايدة وضغط من رئيسه الذي ينوي اليوم بيعه إلى أحد الأندية التونسية للاستفادة من فترة العقد التي ما تزال تربطه مع الفريق إلى غاية جوان القادم، وربح بعض الأموال من الصفقة، قبل فوات الأوان خاصة مع وجود مؤشرات أكدت على أن هذا اللاعب يملك اتصالات متقدمة مع أندية فرنسية من الدرجة الثانية، ويأمل اليوم في إتمام الموسم مع ناديه وعدم الرضوخ لما يريده رئيسه، وحسب مصدرنا العليم دائما، فقد تفطن هذا اللاعب إلى الفخ الذي ينوي رئيسه وضعه فيه لكسب بعض من المال قبل فوات الأوان، وهو ما جعل هذا اللاعب يصر على البقاء إلى غاية نهاية عقده ومن ثم دراسة كل العروض بمفرده وبالتالي الاستفادة من أموال انتقاله. وللأمانة، فإن المنطق الكروي الاحترافي الذي تتعامل به كل الأندية العالمية يتفق تماما مع ما ذهب إليه رئيس هذا الفريق وهو أن يستفيد كل فريق من صفقة انتقال لاعبيه إلى أندية أخرى، وبالتالي يعمل مسؤولو هذه النوادي على التخلص من لاعبيهم قبل نهاية فترة عقودهم، وهي عملية لم تعد خفية وتدخل أساسا في إطار الاستثمار الذي تهدف إليه الأندية المحترفة لتوفير الأموال والمحافظة على توازناتها المالية. وبالعودة إلى ما يجري في بلادنا، فإن الاختلاف الموجود يكمن في أن جل رؤساء أنديتنا لا يلجأون إلى بيع لاعبيهم قبيل انتهاء عقودهم من أجل مصلحة نواديهم بقدر ما يسعون إلى ذلك من أجل خدمة مصالحهم وكسب الأموال بعيدا عن الرقابة والمحاسبة التي يتطلبها الاحتراف الحقيقي والهادف. أموال تسبح في الفضاء الكروي دون رقيب المتأمل في المشهد الكروي في بلادنا والفوضى التي يعيشها يستطيع دون أدنى شك إيجاد التفسيرات المقنعة التي تصنفه في خانة الفضاءات غير المراقبة حيث الأموال تسبح فيها بطريقة فوضوية، ولا توجد أي ضوابط وميكانيزمات تحدد الأطر القانونية التي من المفروض أن تسيّر دواليب الأندية ورؤسائها ولاعبيها. وفي هذا الإطار، حري بنا التذكير مرة أخرى أن القطاع الكروي يعيش خارج نطاق التغطية مقارنة بالقطاعات الأخرى، والدليل أن إشكالية الضرائب ومراقبة أموال الأندية ما تزال في خانة الطابوهات التي لا يمكن التطرق إليها أو فتح ملفاتها. وأمام هذا الوضع لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نحاول معرفة مداخيل النادي وقنوات صرف أمواله، والمقاييس التي تتم بها الصفقات، وهو ما جعل قيمة عقود اللاعبين تبقى مبهمة أحيانا وعرضة للتأويلات والكلام الإعلامي الذي يفتقد دائما إلى الدقة في غياب أي شفافية لدى أرقام المعادلة الكروية ممثلة في الرؤساء واللاعبين. وفي هذا الإطار لا يمكننا معرفة ماهية الأموال التي تدخل خزينة الفريق، سواء تعلق الأمر بصفقات بيع لاعبيه أو أموال السبونسور أو الإعانات التي تقدمها المصالح العمومية ممثلة في الوزارة، الدائرة والبلدية. ولعل ما زاد في الفساد الذي انتشر هو أن الجمعيات العامة التي تنظمها سنويا الأندية وتقدم فيها الإحصائيات والأرقام من طرف الرؤساء لم تعد مجدية طالما وأن جل أعضاء الجمعيات العامة يصادقون بالإجماع على الحصيلة المالية دون محاولة الخوض في الأرقام والمبالغ المالية التي يسردها عليهم رؤساء الأندية. ولم يحدث يوما أن رفض هؤلاء الأعضاء هذه الحصيلة، أو الاستفسار عن بعض أرقامها، وهو ما يعطي الانطباع بأن أنديتنا اليوم تسير فقط من شخص واحد ممثل في رئيس النادي، ولا يحق لأي كان أن يناقشه في أي مسألة لها صلة بالأموال التي صرفت أو دخلت الخزينة. لهذه الأسباب يتشبث الرؤساء بمناصبهم إن الحديث عن فوضى الأموال والصفقات المشبوهة التي يبرمها الرؤساء مع اللاعبين والمتعاملين الاقتصاديين (السبونسورينغ) يكاد ينعدم في قاموس كرة القدم الجزائرية، وهو ما يفسر إلى حد كبير إصرار رؤساء الأندية على البقاء لفترة طويلة في مناصبهم ويحاولون دوما إيهام الرأي العام الكروي بأن أساليب تسييرهم هي عين الصواب، بل ويعمدون أحيانا إلى التهديد بالاستقالة، لكن سرعان ما يغيروا من مواقفهم ويبدون استعدادهم للبقاء في حضن الأندية، معللين ذلك بحاجة الفريق إلى خدماتهم وهم الذين يزعمون بأنهم جلبوا له الأموال واللاعبين ويضحون من أجل مصلحته. ولو حاولنا عبثا التمعن في خطابات وكلام هؤلاء الرؤساء لوجدناه لا يختلف عن منطق “البڤارة" الذين لا همّ له سوى اللهث وراء الأموال وخدمة مصالحهم الضيقة على حساب أنديتهم، أما اللاعبون وبالنظر إلى تعامل الأندية معهم، فإنهم أصبحوا مع مرور الوقت عبارة عن “كباش" تباع وتشترى في السوق، ترتفع أسهمها وتنخفض وفق معطيات وحقائق وعوامل لا مجال فيها للمنطق، وغالبا ما تتم في الكواليس بعيدا عن الأنظار وتبقى الصورة الأكثر شيوعا لدى رؤساء الأندية هي جر اللاعبين إلى التوقيع على العقود والصفقات بعيدا عن مكاتب النادي، ويحكى أن بعض اللاعبين يمضون على العقود في السيارات والأماكن العمومية وهو مشهد لا يحتاج إلى تعليق!؟