انطلاق فعاليات الطبعة 4 لمؤتمرهم الإفريقي بحضور 35 دولة    مشروع القطب المالي ببلدية سيدي موسى في العاصمة    بوقرة يحقق من الهداف ما لم يكن منتظرا (5-1)    أزمة ماء"الشرب" تشتد في باتنة ولا حلول في الأفق    سوق شعبي مقصد كل الناس لكن ينقصه التنظيم والرقابة    مافيا"الإطعام المدرسي تفرض منطقها    جوع قاتل في السودان    المعروض على العرب: انتحروا... أو نقتلكم    مرحلة الانتظار الثقيل    مسابقة دكتوراه ب دار القرآن    بيتكوفيتش: بإمكاننا بلوغ الدور الثاني    صحافة الأرجنتين تُحذّر من الجزائر    الجزائر تصطدم ببطل العالم    حالة طوارئ عبر الأسر    صالون للتمور ببسكرة    تطور ملحوظ في إنتاج شعبة البطاطا بولاية تبسة    الشرطة تحيي يوم ذوي الاحتياجات    ماراثون إيكولوجي للشباب    حضور جزائري في مهرجان القاهرة    صور من الحب والإيثار بين المهاجرين والأنصار    أفضل ما تدعو به لإزالة الألم والوجع وطلب الشفاء    رغم التعادل السلبي مع الفريق السوداني حصدنا نقطة ثمينة    انطلاق المسابقة التصفوية لجائزة الجزائر للقرآن الكريم    الجزائر تحتضن المؤتمر الإفريقي للمؤسسات الناشئة.. الرئيس تبون: إفريقيا قادرة على قيادة التحول الاقتصادي    حساني شريف : الوحدة الوطنية صمام أمان لصون الجزائر من جميع المناورات    الأمين العام ل"الأفلان" : "وحدتنا ستقوي سواعدنا لبناء جزائر جديدة ومنتصرة"    جبهة المستقبل : مواصلة مسار الإصلاحات من أجل بناء جزائر قوية    مقديشو تجدّد دعمها الكامل لجهود الأمم المتحدة    رئيس الجمهورية يعزّي عائلات ضحايا الحادث الأليم ببني عباس    منطقة القبائل القلب النابض للجزائر وستبقى كذلك    إجراء القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حجّ إضافية    ديناميكية متواصلة وعام استثماري قياسي    محاكاة حريق بكل من الغزوات والعزايل    تنافس لبناء اقتصاد وطني متجدد    تشجيع أبناء الجالية على الانخراط في جهود التنمية    "في ملاقاة أناييس".. رحلة البحث عن الأصول    فيض من النور وآخر من الألوان في لوحات مزهرة    البحث الجاد هو الذي ينقذ الصورة وليس الذكاء الاصطناعي    مدرب النمسا يعترف بقوة "الخضر" ويشيد بمحرز    فرص الاستثمار في الجزائر محور منتدى بجنوب إفريقيا    مساعٍ لاستقطاب الشباب خدمةً للبيئة    موعد مسابقة توظيف الأساتذة يُعرف هذا الشهر    منظمات وجمعيات إسبانية تطالب مدريد بتحمّل المسؤولية    المواطنون الحائزون على طائرات "الدرون" ملزمون بالتصريح بها    اتفاقية بين ديوان الزكاة وبريد الجزائر    قرعة الحجّ الثانية اليوم    "وول ستريت جورنال" الأمريكية تضع الاحتلال في قفص الاتهام    حامل اللقب و "العميد" و "الكناري" يواصلون المغامرة    الانتقادات لا تقلقني وسنقدم أفضل ما لدينا أمام البحرين    معسكر تحتضن الطبعة الأولى من ملتقى "الأمير عبد القادر" لعمداء ورواد الكشافة الإسلامية الجزائرية    وزارة الشؤون الدينية تشدّد الرقابة على الفتوى وتحمي المرجعية الدينية الوطنية    برايك يثمّن قرار الرئيس    استجابة كبيرة لحملة تلقيح الأطفال ضد الشلل بقسنطينة    جلسة حوارية : الفن الإفريقي المعاصر بين الاعتراف الدولي والتحديات المحلية    أقلام واعدة : تظاهرة ثقافية أدبية موجهة للأطفال والشباب    فتاوى    ما أهمية تربية الأطفال على القرآن؟    فضائل قول سبحان الله والحمد لله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستشرق من قبيلة أولاد عبد الله
نشر في الجزائر نيوز يوم 02 - 10 - 2013

ماذا بقي للعربي والمسلم أمام هذا القصور العقلي "الفطري والغريزي" وغير القادر على التفكير العقلاني والمنطقي، لم يبق له إلا الاستسلام إلى قوى غيبية لتتدبر أمره وتنظم شؤونه في الدنيا والآخرة.
منذ نشأته لم يسلم الاستشراق من النقد، ومع صعود الحركات الأصولية يتعرض إلى هجمة عنيفة تمدها الحركة الوهابية بالمال والبنون، علما أن الكثير من أطروحات الاستشراق تلتقي مع التوجهات الفكرية للحركات الأصولية.
لكن بعضا من الاستشراق وليس كله، فتح آفاقا جديدة لدراسة الإسلام والتراث الإسلامي بمناهج ونظريات غير مألوفة ولا مقبولة من حراس الإسلام وشريعة الإسلام، لهذا ناصبته العداء، وهذا متوقع من حركة أصولية تسعى للهيمنة على الإسلام خدمة لمصالحها ومصالح الشركات البترولية العابرة للقارات لكن ما يستعصى على الفهم، إلا إذا كان في الأمر سر ما، أن يسقط كاتب كبير وباحث مرموق ويساري سابق وعلماني لاحق وفرانكفوني يناصب التراث العداء ويرى في الثقافة العربية الإسلامية واللغة العربية إحدى الهزائم الثقافية للجزائر المستقلة.
هذه "المزايا" الحداثية والعقلانية والتنويرية والعلمانية لم تحصنه من السقوط في فخ الاستشراق في جانبه الأشد عنصرية ورجعية واستعمارية دون أن يلفت إلى خلفيته الاستعمارية التي تهدف إلى إبقاء المسلمين في دائرة التخلف والنفوذ الأجنبي.
ينطلق صاحبنا في "تنظيره" لتاريخ الجزائر من فكرة استشراقية خالصة يجعلها أداة تحليل وتفسير وفكرة مركزية ومحورية لمجمل التاريخ الجزائري، فيرى في الدين الضامن الوحيد، دون سواه، لوحدة الجغرافيا والاستمرارية التاريخية ووحدة وانسجام الشعب الجزائري.
هذا الاستخلاص الذي يبعد جميع العوامل الأخرى والروابط الاجتماعية المختلفة مثل وحدة اللغة والأرض والتقاليد والعيش المشترك والكفاح المشترك والانتصارات المشتركة والهزائم المشتركة والعادات والفنون وأنماط التفكير والعمل والسيمياء النفسية.
إن إهمال هذه الجوانب الثقافية المختلفة التي تميز سمات هذا الشعب أو ذاك لا نحتاج إلى عناء كثير حتى نكتشف الخلفية الإيديولوجية لهذا الأسلوب في التفكير الذي يهدف إلى أمرين اثنين، الأول القول أننا لا نستطيع العيش خارج مجال الدين، أما الأمر الثاني وهو المقصود في هذه الدراسة أن العلمانية بوصفها آلية لتنظيم الحكم غير قابلة للتطبيق داخل المجتمعات المسلمة.
هذه "النظرية" الاستشراقية التي تجعل الدين حاضن التاريخ جاءت كرد على النهضة العربية التي أرادت استلهام وتوطين صيغ الحداثة الأوروبية: العقل، العقلانية، العلم، الديمقراطية من أجل بناء أمة عصرية.
أمام هذه الصحوة الحضارية والوعي الحداثي الجديد والعقلاني والتنويري الذي استلهمه رواد النهضة العربية، تحركت المؤسسة الاستعمارية واستنفرت علمائها ومؤسساتها العلمية للرد ومجابهة "الخطر" القادم من الشرق الذي يتطلع إلى الحداثة والتقدم والحرية والسيادة والاستقلال، وأوصت أن يظل الشرق شرقا والغرب غربا. الشرق اللاهوتي الغيبي الطقوسي الخرافي السحري الأسطوري، أرض البخور والحريم، والغرب الحداثي التنويري، أرض الديمقراطية والعقلانية وحقوق الإنسان.
أمام هذا المطلب الاستعماري كان يجب أن تنشأ "فلسفة" متكاملة، حيث يرى الكثير من الباحثين أنها بدأت مع هيغل وأخذت وضوحها النظري والمنهجي مع إرنست رينان الذي وضع قواعد عرقية لدراسة التاريخ، فميز بين عرق سامي وآخر آري معتبرا الأول، ويتضمن العرب، أقل مرتبة من الثاني على صعيد التفكير العقلاني، فيرى أن العرق الآري مهيأ غريزيا للقيام بعمليات عقلية معقدة تتسم بالتحليل والتركيب، عكس العرق السامي الذي يتميز، بالفطرة، بالإيمان وبالمطلق الغيبي وتاليا، فهو بعيد عن العقل والعقلانية ولا يمتلك القدرة على التحليل والتركيب.
ماذا بقي للعربي والمسلم أمام هذا القصور العقلي "الفطري والغريزي" وغير القادر على التفكير العقلاني والمنطقي، لم يبق له إلا الاستسلام إلى قوى غيبية لتتدبر أمره وتنظم شؤونه في الدنيا والآخرة. ولا بأس أن يستسلم أيضا هذا المسلم الأشعث الأغبر المتخلف بالفطرة والغريزة إلى الرجل الأشقر الذي جاء من بعيد من أجل تمدينه.
لم يتوقف الاستشراق عند حدود نفي صفة العقل والعقلانية على العرق السامي، إنما تعداه إلى التنظيم المجتمعي تزامنا مع صعود حركة التحرر العربي وبداية التفكير في المسألة الوطنية وبناء الدولة الوطنية العصرية ومؤسساتها العصرية والأخذ بأسباب التقدم العلمي والصناعي.
في هذه المرحلة التاريخية الجديدة بدأ الاستشراق يتصدى لهذا الوعي الحضاري الجديد من أجل إقناع العرب والمسلمين أنهم غير قادرين على تنظيم أنفسهم ضمن أطر ومؤسسات عصرية، فهي تتجاوز قدراتهم العقلية فلجأوا إلى اختراع نظرية جديدة أطلق عليها "النموذج الفسيفسائي" التي تعني فيما تعني أن المجتمعات العربية الإسلامية تختلف عن الغرب في التنظيم الاجتماعي الذي يقوم على الطبقات الاجتماعية والجهاز البيروقراطي العقلاني والسلطة المركزية، عكس المجتمعات العربية الإسلامية المبنية على الملل والنحل والتنافر العرقي والتكوينات الاجتماعية ما قبل دولة، أي القبلية والعشائرية والانقسامية التي تتنافى مع وجود حكومة مركزية ووحدة وطنية كما تتنافى مع الفصل بين السلطات الدينية والسياسية، هذه الانقسامية واللاتجانس والتنوع الفسيفسائي للبنية الاجتماعية يتنافى مع فكرة الدولة العصرية ومؤسسات المجتمع المدني، وإطاره الطبيعي هو الحكم الديني الذي يعلو فوق هذا الخليط البشري غير المتجانس.
ومن أجل التأصيل والمشروعية النظرية والتاريخية لجأ الكثير من المستشرقين إلى ابن خلدون فوجدوا عنده المادة الخصبة، بخاصة نظرية العصبية فجرى تعديلها وتحويرها وتأويلها والتلاعب بها لكي تتوافق مع أهداف الاستشراق البعيدة التي انطلت على الكثير من النخب العربية فتحولوا إلى مستشرقين بامتياز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.