في حي الفهريين بالجبهة الشمالية من جامع عقبة بالقيروان وفي بيئة عربية. وبالقرب من القائد العربي عقبة بن نافع الفهري مؤسس القيروان وفاتح إفريقيا، ولد الشاعر أبوالحسن علي بن عبد الغني الفهري الحصري الضرير وكان مولده في عام 420 هجرية. ويقول المؤرخون إن الحصري ينتسب الى صناعة الحصر، على حين يقول بعضهم إن النسبة إلى قرية حصر بالقرب من القيروان وقيل إن أبا الحسن قريب لإسحاق ابراهيم الحصري مؤلف كتاب زهر الآداب وهو شيخ أدباء عصره ولازمه فقد بصره منذ ولادته أو بعد ولادته بقليل بسبب مرض الجدري فأرسله والده إلى الكتاب، حيث حفظ القرآن الكريم على شيوخ عصره، كما قرأ على أعلام النحاة، وبدأ يقول الشعر في سن مبكرة، حيث رثى أباه والتفت إليه ابن عباد صاحب إشبيلية حينما رحل أبوالحسن إليها فاستدعاه لبلاطه وبهذا سبقته شهرته إلى الأندلس. وأبوالحسن الحصري اجتمعت عليه المحن منذ الصغر، حيث فقد بصره وهو صغير وماتت أمه وهو صغير أيضا؛ مما أوجد في نفسه إحساسا بالعجز، كما فقد أباه قبل رحيله من القيروان. ودعته محنته إلى أن يتزوج حتى لا يعيش وحيدا فريدا في الحياة، فقرر الزواج، إلا أنه لم يمكث مع زوجته طويلا، خاصة أنها كانت شابة وهو شيخ كبير، فخشي أن تعبث به رغم أنها ولدت له أربعة أبناء ماتوا جميعا في حياته. محن كثيرة واجهها أبوالحسن منذ نشأته واستمرت طوال حياته.. إلا أنه لم يقف عند كل ذلك، وإنما انصرف إلى الاهتمام بالعلم والشعر وذاع شعره وشهد له القدماء بالبراعة، فقال عنه ابن بسام في كتابه الذخيرة: كان أبوالحسن بحر براعة ورأس صناعة وزعيم جماعة ويقول عنه عبدالواحد المراكشي: كان الحصري الأعمى أسرع الناس في الشعر خاطرا. فشعر الحصري قد يحمل طابع عصره -''القرن الخامس الهجري''- وهذا العصر قد نفقت فيه سوق الشعر في الأندلس واشتهر شعراؤه بالاحتفال بالبديع من جناس وتورية واختص شعر الحصري بمميزات خاصة، فهو غزير العلم باللغة عميق المعاني. والحصري كان محبا للتفوق حتى لا يظهر أمام الناس بالاستسلام لمحنه ولعجزه وقد دفعه حبه للتفوق إلى الاغراب في كل شيء وتعمد التزام ما لا يلزم، خاصة في قوافيه الشعرية واختيار أصعب الحروف في النطق وأقلها في اللغة، وهذا كله كان قليلا في شعره أمام براعته وإبداعه. ويؤكد المؤرخون أنه والمعري صنوان، فكلاهما فقدا البصر وكلاهما متفوقان في علوم العربية؛ مما جعلهما عرضة للحاسدين. والملاحظة المهمة أن الميل إلى التقيد بقيود اختيارية يظهر كثيرا لدى فاقدي البصر وربما كانت هذه الظاهرة راجعة إلى ميل غريزي لإظهار التفوق على المبصرين ومحاولة لتجنب عاهتهم ولفت الأنظار إلى أن الله تعالى عوضهم عن فقد البصر بنور البصيرة.