شهد التاريخ البشري قصص نجاحات تلهم كثيرين، ولعل أكثر هذه القصص تأثيرا تلك التي تتعلق بأشخاص عانوا من صعوبات لكنهم تحدوها ووقفوا أمام كل المعوقات التي واجهوها، لأنهم يؤمنون بأنهم يستطيعون تحقيق أفضل الإنجازات، وهذا ما أثبتته قصص لبعض هؤلاء الأشخاص الذين تركوا أثرا كبيرا على الحياة رغم إعاقاتهم المختلفة. على الرغم من قصر حياته إلا أنه صاحب إنجازات متميزة في الفيزياء والرياضيات ... كما أنه لم يكن عالماً مهتماً بالشؤون العلمية فقط، بل كان أيضا فيلسوفاً وكاتباً لاهوتياً .... ظهر نبوغه وتفوقه في سن صغيرة جداً خاصة في الرياضيات والهندسة ... هو صاحب نظرية الاحتمالات وقوانين ضغط السوائل... إنه "بليز باسكال" الذي كان شبه عاجز عن المشي. ولد العالم "بليز باسكال" في مدينة "كليرمونت فيراند" بفرنسا في 19 جوان عام 1623، وكان الأخ الأصغر لأختين تكبرانه في العمر. توفيت والدته وهو في سن صغيرة ثم انتقل والده مع أطفاله إلى باريس العاصمة الفرنسية وهناك قرر والده أن يعلمه بنفسه فبدأ تعلم اللغات اليونانية واللاتينية إلا أن والده الذي كان مهتماً بالرياضيات رفض أن يعلمه إياها في سن صغيرة ولإبعاده عنها أخفى كل ما يرتبط بالرياضيات والهندسة إلا أن شغف "باسكال" واهتمامه جعله يكتشف وهو في الثانية عشر من عمره أن مجموع زوايا المثلث يساوي زاويتين قائمتين. وعندما عرف والده باهتماماته سمح له بتعلم الرياضيات واقتناء كتب عالم الرياضيات الشهير "إقليدس" بل وقد أصطحبه والده في مقابلات كبار العلماء آنذاك في أكاديمية الرياضيات لحضور الاجتماعات في باريس. وليعلن هناك عن نظريتي الهندسة الإسقاطية وسداسي باسكال الباطني وكان عمره ستة عشر عاماً فقط. مثلث (باسكال) هو منظومة هندسية لمكافئ ثنائي في المثلث، وسمي على اسم (بليز باسكال) يتم ترقيم الصفوف في مثلث باسكال بدءًا من الصفر، وغالبًا ما تتوسط الأعداد في الصفوف ذات الأرقام الأعداد الموجودة في الصفوف الزوجية في المكان. وفي عام 1641 نشر "باسكال" أول عمل مكتوب له عن القطع المخروطي وهو ما أدى لاحقاً إلى المزيد من التقدم في الهندسة الإسقاطية والانتقال من الأبعاد الثلاثية إلى الأبعاد الثنائية. وقد كان "باسكال" شخصاً متديناً حريصاً على الذهاب إلى الكنيسة خصوصاً بعد ما تعرض والده إلى حادث كبير وحضر إليه في المنزل بعض اليسوعيين الذين قرروا الاعتناء ب "باسكال" والتقرب إليه واحتواءه. في عام 1642 وبوحي من مهنة والده الذي كان يعمل جامعاً للضرائب، اخترع باسكال جهازاً قريباً من الآلة الحاسبة التي نعرفها اليوم وكان اسمها آن ذاك "باسكالين" وكانت آلة بسيطة يمكنها إجراء عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة. لكن هذا الاختراع لم يحظ بالنجاح المتوقع فقد كان به بعض مواطن الخلل وقد صنع "باسكال" خمسين نموذجاً حتى عام 1652 محاولاً تفادي العيوب الموجودة بالآلة البسيطة لكن إنتاج "بسكالين" توقف في غضون عام. في عام 1942 اخترع (باسكال) آلة (باسكالين) وهي صورة مبسطة للآلات الحاسبة المعروفة الآن ويمكنها إجراء عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة لكن في غضون عام لوجود بعض العيوب بها ولم تلق رواجاً كبيراً. ومنذ عام 1640 اهتم "باسكال" بالفيزياء وتوسع في إجراء التجارب الفيزيائية سائراً على خطى العالم "تورشيللي"، وقدم تجاربه حول الضغط الجوي. وفي عام 1650 ابتكر "باسكال" آلة الحركة الدائبة ثم آلة الدوران في عام 1655. وفي عام 1654 اكتشف "باسكال" أحد النظريات الرياضية المهمة وهي نظرية الاحتمالات عن طريق مشاهداته حول حجر النرد وأن هناك احتمالية ثابتة لظهور أي حدث من أوجه النرد الستة. كما اخترع "باسكال" ساعة اليد حيث أنه قديماً كان الناس يستخدمون ساعة الجيب والتي استطاع "باسكال" أن يطورها لتأخذ هذا الشكل الجديد. وقد عانى "باسكال" طويلاً منذ فترة مراهقته من آلام شديدة نتيجة عدم انتظام في المعدة إلى جانب معاناته من الأرق حتى أنه كان يعاني دائماً من الصداع النصفي كما كان شبه عاجز عن المشي ومع ذلك فقد كان دؤوباً على مواصلة عمله واختراعاته وتجاربه العلمية حتى تمكن منه المرض وتوفى إثر إصابته بورم خبيث في المعدة في 19 أوت عام 1662 عن عمر يناهز 39 عاما قضاها في خدمة العلم. كانت اختراعات "باسكال" مؤثرة في تطوير الهندسة والفيزياء وحتى علوم الحاسب الآلي لاحقاً. فقد كان اكتشافه للمعاملات ذات الحدين - متأثرا بالعالم الكبير اسحق نيوتن- دورا كبيرا في تطوير الكسور والأسس السالبة. وبعد مضى سنين كثيرة من وفاته في السبعينيات من القرن الماضي اطلق اسم "باسكال" على وحدة قياس الضغط لما ساهم به هذا العالم من مساعدة في فهم الضغط الجوي. وفي عام 1972 اخترع لغة كمبيوتر أصر آنذاك على اطلاق اسم "باسكال" عليها اعترافاً وتقديراً منه لاختراعه آلة "البسكالين" التي تعد شكلاً بدائياً للحاسبات الحديثة. كانت شخصية "باسكال" معقدة ومثيرة للاهتمام فقد كان يوصف بأنه سابق عصره وعنيد ومثابر يسعى إلى الكمال مشاكس إلى درجة البلطجة والقسوة لكنه كان حنوناً ومتواضعاً أيضاً.