تعتبر المنشّطة الإذاعية العصامية زهراء عقابي واحدة من بين آلاف الذين فقدوا حاسة البصر، وأصرّوا على مواصلة حياتهم وكتابة تاريخ إنجازاتهم ليراها العالم مثالا للتحدي، ولتحفّز في نفوس المبصرين روح المبادرة مثل الذين لم تثنهم إعاقتهم عن تحقيق أحلامهم على أرض الواقع. ولدت زهراء إلى جانب أربعة من إخوتها فاقدين لنعمة للبصر منذ الولادة، لم تستلم لهذه الاعاقة بل شقّت طريقا طويلا وصعبا في مجال التنشيط الصوتي والإذاعي، واستطاعت بمساعدة إخوتها التغلب على المعوقات، والوقوف في وجه العراقيل التي اعترضت حياتها، سواء كان ذلك خلال فترة دراستها التي قضتها خارج ولايتها، أو من خلال ما وجدته من موانع، بعدما خطت أولى خطواتها في التنشيط، وما زالت تناضل من أجل ذلك. زهرة عقابي التي سردت قصتها ل "الشعب"، تجزم بأن التعلّم كان مهمّا بالنسبة لها، حيث اعتبرته وسيلة لتغيير نفسها ومحيطها إلى الأفضل، ولتوعية المجتمع بحقيقة وجود قدرات كثيرة كامنة في كل إعاقة، حيث أوضحت بأنّها اضطرت لتتلقّى تعليمها بالمدرسة الخاصة في ولاية بسكرة، كونه في ذلك الوقت لم تكن مدرسة خاصة في ولاية باتنةمسقط رأسها، فدرست هناك لمدة 10 سنوات، وبعدها انتقلت إلى الجامعة، فكانت سنوات الدراسة مكلّلة بالجد والاجتهاد والمثابرة. درست لمدة خمس سنوات، وبعدها استفادت من عقد ما قبل التشغيل محدد بحوالي سنتين، لتتحصّل مباشرة بانتهاء المدة على منصب عمل كمنشّطة جامعية مستوى ثان، بالمكتبة المركزية جامعة الحاج لخضر ولاية باتنة. في راديو النّور ترى محدّثتنا زهرة الحاصلة على ماستر في الأدب العربي، أنّ مصير كل موهبة مرتبط بمبدأين لا ثالث لهما "إمّا أن تبرز وتخرج للأفق، أو أن تبقى رهينة للاستسلام والاندثار أمام صدمات الواقع"، كما أكّدت أن حكمة الله تعالى في خلقه سبب مباشر للإجابة عن بعض التساؤلات التي تطفو على حياتنا، ومن خلال تلك الموانع المرتبطة بالحكمة توجد الموانح على شكل طوق نجاة موصول بمرسى الواقع، فلقد كانت بداية موهبتها مع الإنشاد منذ الصغر، حيث كانت تُستضاف كبرعمة في الإذاعة المحلية، وتشارك من خلال أشرطة التسجيل في عدّة حصص، ونظرا لاحتكاكها الدائم بالإذاعة، اتّسعت نظرتها لهذا الفضاء الذي عزمت من خلاله على إيصال فحوى موهبتها، وبإمكانات مادية جد بسيطة. زهرة من الجمهور الوفي لمختلف برامج القنوات الإذاعية، فلم تكن مستمعة جيدة فحسب، بل كانت مستمعة مجتهدة ومبدعة، حيث فتحت لها الحصص شهيّتها على خوض مغامرة التنشيط الإذاعي، وهو القرار الذي اتّخذته بمعية إخوتها في تقليد تلك البرامج، وإنشاء محتوى إذاعي بوسائل بسيطة، وبعدها تطوّرت هذه الموهبة عبر الانترنت، واستطاعوا تحقيق حلمهم عبر إنشائهم محطة إذاعية من خلال فتح مجموعة عبر تطبيق "الواتس آب"، وكانت موجّهة لمختلف ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن مختلف الدول العربية، حيث قدموا مجموعة من البرامج من بينها "كرسي الاعتراف"، الذي يعنى بتقديم انشغالات الضيوف من مختلف المواهب ومن مختلف الفئات، إلى جانب المسابقات الثقافية و«من يحل اللغز؟"، كما أوضحت في هذا السياق "كنّا نقدّم برامج مثل الإذاعة بالضبط، فكنّا نركّب تلك الحصص بشارات مميّزة، مع الاعتناء بإعطاء كل حصة لمسة خاصة وبتقديم يوافق محتواها، ناهيك عن المؤثّرات الصوتية التي كنا ننتقيها بدقة لتناسبها وتضفي عليها رمزية معينة، فبعدما فتحنا تلك المجموعة فتحنا قناة عبر اليوتيوب أسميناها "نور الكفيف"، وبعدها غيّرنا الاسم لتصبح "راديو النور". تجربة تاجها الأمل.. صرّحت المتحدّثة بأنّ تجربتها الجماعية مع إخوتها بالرغم من أنّها قد فتحت لها آفاقا، وجسّدت من خلالها جزءاً من طموحاتها، واستطاعت أن تكون في ظرف وجيز كهمزة وصل بين الضيوف وبين المعنيين بالأمر، إلاّ أنّ الخوف الأكبر من الركون إلى الفشل هو العراقيل التي تواجههم كشريحة تحتاج إلى عناية خاصة، وتنتظر من خلال ما تحقّق من أهداف أن لا تذهب طاقتهم سدى، ونظرا لما اكتسبته من قوة خلال تجربتها، تصر على عدم الاستسلام وأيضا على ضوء ما تعلمته من بعض الشخصيات الاعلامية التي تأثّرت بها، مؤكّدة أنّها ستعمل على بلوغ هدفها في إنشاء قناة إذاعية قائمة بذاتها لفائدة ذوي الهمم من كل أرجاء العالم. من العراقيل التي تواجه زهرة المنتمية إلى الشباب الطّموح تتمثّل في نقص الوسائل التكنولوجية الخاصة بهذه الفئة، حيث يتعذّر عليهم المشاركة في عدة أنشطة في بعض الأحيان، ويعود ذلك حسب ما صرّحت به زهرة عقابي ل "الشعب"، لعدم وجود المرافقة ممّا يؤدي إلى الفشل، وأيضا عندما يستدعي الأمر إلى تركيب محتوى صوتي معين، وذلك من خلال قناتهم عبر اليوتويوب، فإن غياب المرافقة في اختيار الصور المناسبة يحول دون إتمام المهمة، وبالتالي يبقى العجز عن مواصلة العمل إلى إشعار آخر. ما زالت الشابة الحديدية زهرة عقابي التي طالما آمنت بموهبتها، رغم كل العراقيل عند قرارها في إكمال مسيرتها في عالم الإذاعة، ومن خلال منبر "الشعب" وفي اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة ارتأت أن تقدّم رسالة قوية وتوجّهها إلى الشباب ذوي الهمم بأن لا يفشلوا "فرغم الألم ورغم العراقيل التي نواجهها بإمكاننا أن نعطي جرعات من الأمل، فها أنا أمامكم أصنع التحدي، وأصنع الإرادة والعزيمة والأمل، فنحن جميعا نستحق النّجاح".