تطرقت الدكتورة مهري شفيقة أستاذة علوم الإعلام والاتصال بجامعة سطيف2 خلال حوارها مع «الشعب» إلى العديد من الأسباب والنتائج التي تجعل من انجاز مدينة إعلام في الجزائر خطوة ضرورية من شأنها المساهمة في تطوير قطاع الإعلام وجعله مواكبا للمشهد العالمي في هذا المجال. - الشعب: فيما تتوضح أهمية استحداث مدينة للإعلام في الجزائر برأيكم كمختصين في المجال؟ د. شفيقة مهري: يعتبر استحداث مدينة للإعلام في الجزائر من المشاريع المهمة التي أقر عليها مجلس الوزراء مؤخرا، لمواكبة التطورات العالمية في هذا المجال الذي شهد قفزات غير مسبوقة بظهور الإمبراطوريات الإعلامية للصناعات الإعلامية وظهور المدن الإعلامية المعولمة «GLOBAL MEDIA CITY» مدينة والت ديزني، المدينة الإعلامية للمملكة المتحدة، ومدينة الإعلام الرقمي الكورية، على المستوى العربي توجهت دول الخليج العربي لإنشاء مدن إعلامية ونظرا لتأخر الجزائر في هذا المجال، ظهرت الأهمية الملحة لتبني وتجسيد هذا المشروع، نظرا لفجوات النظام الاتصالي العربي التي كشفتها تحديات الثورة الإعلامية المعلوماتية وتحديات انتقال أدوات الاتصال وتطبيقاته المختلفة من التماثلية إلى الرقمية، وتعزيز قدرات البث الرقمي الذكية. من خلال هذه المتغيرات الراهنة، أصبح توجه الجزائر لإنشاء مدينة إعلامية ضرورة حتمية، نظرا لما تحققه من مكاسب للجزائر في مجال تقوية مكانة الصناعات الإعلامية وتقوية مؤسسات الإنتاج الإعلامي في المجال السمعي البصري على المستوى المحلي والدولي ترقية والصناعات الثقافية وبناء علاقات إعلامية عابرة للحدود الوطنية والإقليمية والدولية. وأهم مكسب لهذا القرار، تنظيم مجال البث على المستوى الوطني وتحقيق التقارب والتكامل بين المؤسسات الإعلامية في الجزائر في مجال البث على مستوى التراب الوطني وتوطين القنوات الجزائرية الخاصة باستوديوهاتها وإمكانياتها، وذلك في إطار إستراتيجية وطنية لتطوير قطاع الإعلام وإنعاشه، وتوظيف نطاقاته للقضاء على مناطق الظل وتحقيق التنمية، كما تتجسد الأهمية الاقتصادية لهذا المشروع في تحقيق التنمية الاقتصادية وإيجاد مصادر دخل قوية ومتينة خارج قطاع المحروقات وتنويع بنية الدخل الوطني، وكذا زيادة فرص العمل أمام أصحاب التخصص، كما تتراكم أدوات القوة الإعلامية الناعمة في تسويق منتجات الثقافة الوطنية المحلية والحفاظ على الهوية وترويج صورة الجزائر. أما عن أهمية المشروع من الناحية الاجتماعية فهو بمثابة حركة ريادية تحدث ثورة اجتماعية، وتساهم في تكوين شرائح اجتماعية متخصصة في الإنتاج الثقافي وعولمة المشاريع الناشئة والابتكارية في قطاع الإعلام وهو ما يعزز من توجه المؤسسات الإعلامية نحو دعم الروابط بين المتخصصين في الصناعة الإعلامية والثقافية وأيضا النهوض بالفنون الإعلامية كالسينما والمسرح وتطويرها. وعلى الصعيد السياسي، من شأن ميلاد مدينة إعلامية أن يعطي الجزائر مكانة إستراتيجية في المنطقة بفضل القوة الناعمة التي توفرها مخرجات هذا المشروع. - كيف يمكن جعل هذا الانجاز متماشيا مع التطورات الحاصلة في مجال الإعلام بالعالم؟ يكون إنشاء مدينة إعلامية متماشية من التطورات الحاصلة في هذا المجال، من خلال الاهتمام بالتمويل والحصول على استثمارات ضخمة من شركات ورجال الأعمال بالشراكة مع الدولة، لتأسيس مدينة إعلامية بمواصفات عالمية، وكذا الاهتمام بالبنية التحتية من وسائل ومعدات الإنتاج التي تحولت من النظام التماثلي إلى النظام الرقمي، والاهتمام بالبعد التقني في مجال البث الرقمي والمنصات التكنولوجية واستحداث مهن جديدة في قطاع الإعلام، وكذا استحداث مركز بيانات يقوم على أساس الذكاء الاصطناعي، والاعتماد على أحدث وسائل الإنتاج في مجال السمعي البصري، من خلال توحيد مختلف المؤسسات الإعلامية في الجزائر وتوطين البث، وإعداد موارد بشرية مؤهلة لإدارة هذا المشروع. - الاهتمام بتطوير التلفزيون والإذاعة لتجديد مشهد السمعي البصري، هل يعتبر ضروريا وكيف يمكن تحقيق ذلك بالنظر إلى الإمكانيات المتوفرة؟ نعم يعتبر الاهتمام بالإذاعة والتلفزيون محورا أساسيا لتطوير المجال السمعي البصري في الجزائر، حيث يعاني هذا القطاع من ضعف الإنتاج، بسبب ضعف التمويل الذي يؤثر على كمية الإنتاج الإعلامي وجودته، بالإضافة للعديد من العراقيل والصعوبات التي تواجه هذا القطاع منها صعوبات قانونية ومالية وتقنية، ويمكن تحقيق التطوير في هذا المجال من خلال فتح المجال أمام المستثمرين من رجال المال والأعمال، لتوفير موارد مالية للإنتاج الإعلامي، ليس فقط على المستوى المحلي، بل على المستوى الإقليمي والدولي وحتى العالمي، فأساس نجاح المدن الإعلامية العالمية هو سياسة التمويل والاستثمار من طرف الشركات العابرة للقارات كجنيرال إلكتريك وسوني، ورجال المال والأعمال، حيث أصبحنا نتحدث اليوم عن مدن إعلامية عالمية وليست فقط وطنية وإقليمية. لذا فإن تنمية القدرات البشرية وفتح المجال للمواهب والمحترفين، وتدريب الكوادر الإعلامية، فتح المجال للمشاريع الناشئة والابتكارية في مجال الإعلام وتمويلها وتوجيهها، وآخر نقطة وضع إستراتيجية للنهوض بفنون الإعلام في الجزائر، خصوصا الإنتاج السينمائي والمسرح خطوات ضرورية.