سوناطراك: ناقلة النفط "إن أكر" تقود عملية إغاثة قارب قبالة السواحل الإيطالية    الاحتلال الصهيوني ارتكب 12 ألف مجزرة وأباد 2200 عائلة منذ بدء العدوان على غزة    قسنطينة: حضور لافت للعرض الشرفي لمسرحية "كرنفال روماني"    "الأونروا" تدين قرار الاحتلال الصهيوني اغلاق مدارس تابعة لها في القدس المحتلة    الجريدة الرسمية : إدراج الحليب الطازج المحلي في نظام إنتاج وتسويق الحليب المدعم    مساعي أملاك الدولة الوطنية في إطلاق نظام معلوماتي جديد يضم الموثقين    السيد بن طالب يؤكد حرص قطاعه على استقرار واستمرارية المنظومة الوطنية للتقاعد    أطباء بلا حدود: غياب مساءلة الكيان الصهيوني "أمر صادم"    رياضة: تبني نظرة واقعية لتحقيق نموذج احترافي حقيقي في كرة القدم    ''مهام المحضر القضائي في ظل المستجدات القانونية'' محور ملتقى جهوي بغرداية    قوجيل: اليوم الوطني للذاكرة يعكس الاهتمام الذي يوليه رئيس الجمهورية للذاكرة الوطنية    قدرات قطاع الصحة بولاية الجلفة تؤهلها لإنجاز مشروع مستشفى جامعي    إلتماس 10 سنوات حبسا ضد السيدة نغزة، ساحلي وحمدي    الاتحادية الجزائرية لكرة القدم: تدشين ملعب "فيفا آرينا" بالجزائر العاصمة    عنابة: افتتاح الطبعة الرابعة للصالون الدولي للسياحة    صون كرامة المواطن أولوية مطلقة في برنامج رئيس الجمهورية    وزير الصحة يشرف بالجلفة على إطلاق مشاريع إنجاز ثلاثة مستشفيات    الوزير الأسبق حميد سيدي السعيد في ذمة الله    مسرحية "بقايا أحلام" للمخرج الجزائري نبيل مسعي أحمد تحصد جائزتين في المونديال المغاربي للمونودراما بليبيا    كرة القدم/تصفيات كأس إفريقيا للاعبين المحليين-2025 (السد - إياب): الجزائر/غامبيا: "الخضر يحطون الرحال بعنابة    أمطار رعدية مرتقبة بعدة ولايات من الوطن يومي الخميس والجمعة    اليوم الوطني للذاكرة: استذكار المجازر و تأكيد مواصلة مسيرة التنمية بولايات الوسط    بوغالي: مجازر 8 ماي محطة أليمة تغذى منها الوعي الوطني وألهمه عناصر قوة إضافية لتفجير الثورة التحريرية    السيد العرباوي يستقبل بفريتاون من قبل الرئيس السيراليوني    لامين جمال يتعهد بالعودة    الجزائر ستظل متمسكة بمطلبها المبدئي في معالجة ملف الذاكرة    رئاسة اللجنة الفنية للملكية الفكرية التابعة لجامعة الدول العربية    مباراة مجنونة    برمجة 22 رحلة إلى البقاع المقدسة انطلاقا من المطار الدولي لوهران    مجازر 8 ماي ستبقى صفحة سوداء في تاريخ فرنسا    الإنتاج الصناعي بالقطاع العمومي.. مؤشرات بالأخضر    الإعلام العماني يجمع على تاريخية الزيارة ونجاحها    الجزائر متمسّكة بمطلبها المشروع في معالجة ملف الذاكرة    تسخير كل الإمكانات لإنجاح موسم الحج    600 مليار لمشاريع تحسين الإطار المعيشي للمواطن    حجز كميات معتبرة من الفلين المهرب بأم الطوب    هكذا يتم التعامل مع الكباش المستوردة قبيل عيد الأضحى    "ترياتلون" الجزائر لتعبيد الطريق نحو أولمبياد 2028    أبواب مفتوحة حول الرياضات العسكرية بالبليدة    نقاط بشار لضمان البقاء    700 حادث مرور على خطوط الترامواي خلال 4 سنوات    الجزائر تدعو إلى تغليب المسار السياسي والدبلوماسي    غوتيريس يدعو الهند وباكستان إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس    يوم دراسي حول حماية الملكية الفكرية بتلمسان    التخلص من عقدة الخوف طريق النجاح    "وقائع سنوات الجمر" في كان 2025    لرئاسة اللّجنة الفنّية للملكية الفكرية    الشروع في أشغال الترميم    عناية أكبر بذوي الاحتياجات الخاصة    إصلاحات كبرى في المناجم    عرض حول واقع الإعلام بالجزائر    قويدري يعرض الإستراتيجية الجديدة    أشهر الله الحُرُمٌ مستهل الخير والبركات    علامات التوفيق من الله    أخي المسلم…من صلاة الفجر نبدأ    شراء سندات الهدي بالبقاع المقدّسة من الجهات المعتمدة فقط    قبس من نور النبوة    ماذا يحدث يوم القيامة للظالم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة الجزائرية الحديثة تُبعث من بوَّابة جيجل
نشر في الشروق اليومي يوم 06 - 03 - 2021

لا تزال مدينة جيجل تحتفظ بذكرى ذلك التاريخ الخالد لمرور بابا عروج عليها فاتحًا منذ أكثر من 500 سنة، وهي التي كانت تعاني من الاحتلال الإيطالي.وقد ترصّع وسط المدينة بتلك السّفينة الرّمزية الشّاهدة إلى الآن: سفينة بابا عروج.
اشتهر عروج بربروس (1474م- 1518م) وأخوه خير الدّين (1470م- 1546م) بجهادهما البحري في سواحل البّحر المتوسّط وشمال إفريقيا، وخاصّة بعد سقوط الأندلس سنة 1492م، وتهجير المسلمين منها من قِبل محاكم التفتيش في إسبانيا، فعمل مع أخيه على إنقاذ المسلمين، وقد قيل إنّ أمّهما كانت أندلسية مسلمة، فتمّ نقل حوالي 70 ألف مسلم أندلسي في أسطول مؤلّف من 36 سفينة، وتمّ تأمينُهم في الجزائر وتوطينُهم بها، ممّا أكسبه شهرةً ومحبّةً من سكان شمال إفريقيا لدوره الأخوي والبطولي، حتى لُقّب: (بابا عروج)، بما تحمله صفة الأبوّة من الحبّ والتقدير والاعتراف بالفضل.
ويأتي في مقدّمة هذه الأسباب لهذا الجهاد البحري والوجود الطبيعي بالجزائر: الدّافع الدّيني بسبب الصّراع بين الإسلام والمسيحية آنذاك، وملاحقة الإسبان والبرتغاليين للمسلمين في شمال إفريقيا بعد طردهم من أوروبا، فكانت الخشية من تكرار مآسي الأندلس، وكانت الجزائر أرض هذه الهجمة الصليبية على الإسلام والعرب والمسلمين، انتقامًا من وصوله إلى أوروبا، وبزوغ شمس الحضارة الإسلامية في الأندلس، وخشيتهم من هيمنة هذه الحضارة على أوروبا كلّها وإلى الأبد.
في تلك الأجواء المشحونة من الحروب العظيمة ضدّ الجيوش الصّليبية والتي كانت حروبًا مقدّسةً برعاية الكنيسة الكاثوليكية ضدّ المسلمين خلال العصور الوسطى، ظهر الأخوان بابا عروج وخير الدّين بربروس، واستطاعَا تجميع القوات الإسلامية في الجزائر، وتوجيهها نحو الهدف المشترك لصدِّ أعداء الإسلام عن التوسّع في شّمال إفريقيا، وخاصّة في الموانئ والمدن الجزائرية.
اعتمدَا في جهادهما أسلوب الكرّ والفرّ في البحر بسبب عدم قدرتهما على الدّخول في حربٍ نظامية ضدّ القوات المسيحية من الإسبان والبرتغاليين وفرسان القدّيس يوحنا، وقد حقّق هؤلاء المجاهدون نجاحات كثيرة، ثم رأوا أن يدخلوا تحت سيادة الخلافة العثمانية، لتوحيد جهود المسلمين ضدّ هؤلاء النّصارى الحاقدين.
حاول المؤرّخون الأوربيون التشكيك في طبيعة هذا الجهاد البحري في المتوسط فوصفوه ب"القرصنة"، كما شكّكوا في أصل أهمّ قادته وهما الأخوان: عروج وخير الدين، وأثرهما في مواجهة الدّور الصّليبي في البحر المتوسط في زمن السّلطان سليم الأول وابنه السّلطان سليمان القانوني.
وبدايةً من سنة 1505م تزايدت هجمات الإسبان على شمال إفريقيا وتحديدًا: على الجزائر، إذ احتلّوا سواحلها الشّرقية.
وفي سنة 1512م استنجد علماء وأعيان بجاية بالأخوين عروج وخير الدّين لتحريرها من الإسبان فلَبّيَا الدعوة، وخلال معركة التحرير بُتِرت ذراعُ بابا عروج فتراجعَا إلى تونس.
وبعد تضايق السّلطان الحفصي منهما في تونس بسبب شهرتهما وشعبيتها وخوفه منهما، حاولا أن يجدَا قاعدةً بحريةً لهما لمواجهة المدّ الصّليبي الأوروبي على العالم العربي والإسلامي.
وفي سنة 1514م حاولا تحرير مدينة جيجل من الاحتلال الإيطالي، وكان لهما ذلك، فاتخذَا ميناءها قاعدةَ انطلاقهما في حملاتهما ضدّ المحتلّين الصّليبيين، بعد طرد الاحتلال الجَنَوي الإيطالي منها، وهي التي تعرّضت للاحتلال الإيطالي منذ سنة 1260م، فأسروا نحو 600 من المحتلين الإيطاليين، واستولوا على غنائم كثيرة، وتمّ توزيعها دون تمييز بين الفاتحين والسكّان الأصليين من أهل بجيجل، واجتمع حولهما حوالي 20 ألف قبائليٍّ مع مرابطيهم، ويذكر الشيخ المؤرخ عبد الرحمان الجيلالي (3/37) أنّ فتح مدينة جيجل تمّ بمساعدة الشيخ أحمد بن القاضي، وكان زعيمًا للقبائل البربرية في جبل كوكو.
ويقول الشيخ أحمد توفيق المدني في كتابه (حروب الثلاثمائة سنة بين الجزائر وإسبانيا، ص 168): "كان لبهم من قبائل كالمسلمون في جهة جيجل والجبال المحيطة بها، وأغتامة قد التفُّوا حول عروج ورأوا من إيمانه ومن أخلاقه ومن قوّة شخصيته ما جعلهم يبايعونه أميرًا، ويعاهدونه على السّير وراءه إلى ميادين الجهاد من أجل إنقاذ المدن الإسلامية".
ويرجِع بعضُ المؤرّخين العلاقة بين الجزائر والعثمانيين إلى فتح بابا عروج وخير الدّين لمدينة جيجل، رغم تعرّضهما للحصار من قِبل الحفصيين في تونس، وسالم التّومي حاكم مدينة الجزائر، الذي ارتكز حكمهما على دعم الإسبان لهما، فضلاً عن قوّة الإسبان وفرسان القدّيس يوحنا التي حاصرتهما من البحر.
وقد أرسل الأخوان إلى السّلطان سليم الأول مجموعة من النّفائس والغنائم التي استوليَا عليها بعد فتح مدينة جيجل من الجنَويين، فقبلها السلطان وردّ عليهما بإرسال 14 سفينة حربية مجهّزة بالعتاد والجنود، وكان هذا الرّد من السّلطان العثماني بمثابة الاعتراف بهما، وتأكيد العلاقة الرّسمية مع الخلافة العثمانية.
دفع تحريرُ مدينة جيجل بالمتحمّسين إلى الضّغط من أجل تحرير كامل السّواحل الجزائرية من المسيحيين الأجانب، واستنجد علماءُ وأعيانُ بجاية بالأخوين عروج وخير الدّين -مرّةً أخرى- لتحريرها من الإسبان فلَبّيَا الدعوة، وتمكّنَا من تحريرها سنة 1516م.
كلّ ذلك شجّعهما على الاتجاه بعدها نحو مدينة الجزائر سنة 1516م بطلبٍ من شيوخها وأعيانها الذين استاؤوا من حاكمها سالم التّومي الذي تحالف مع الإسبان ومكّنهم من احتلالها، فهزم عروجُ الإسبان وقتل حاكمها التومي ونُصِّب سلطانًا عليها، مؤسِّسًا بذلك لإيالة الجزائر، وترسيم العلاقة بالخلافة العثمانية.
وفي سنة 1517م اتجهَا غربًا لتحرير وهران من الاحتلال الإسباني، بعد أن تلاشت مملكة الزّيانيين تحت ضربات الإسبان، ثم اتجهَا نحو تلمسان بطلبٍ من مشايخها وأعيانها، بعد أن عقد السّلطان الزّياني معاهدةَ التبعية مع المحتلّين الإسبان، فطلب عروج منه نقض المعاهدة فرفض، فاستفتى العلماءَ فأفتوه بوجوب إعدامه فأعدَمه.
وفي سنة 1518م جاء ملك إسبانيا شارل الخامس – وكلّ أوروبا معه- بجيشٍ كبير، ونزلوا بوهران وتحالفوا مع بعض الزّيانيين، وحاصروا بابا عروج بقلعة تلمسان الدّاخلية لمدة 06 أشهر، إلى أن استُشهد بمنطقة المالح بالقرب من عين تيموشنت، ولم يتجاوز عمره 44 سنة، وقُطعت رأسُه وأُخِذت إلى إسبانيا، كما أخذوا ثيابه التي كانت من القطيفة الحمراء المزركشة بالذهب، وسلّموها إلى كنيسة القديس جيروم بقرطبة، فصنع منها رجال الدّين هناك شعارًا يسمّى: شارة بربروس.
هزّت كارثة تلمسان بقوّة ضمائر الجزائريين، واجتمع فيها من الشيوخ والزّعماء لمناقشة الموقف، وقرّروا أن يُسنِدوا إلى خير الدّين واجب إمارة الجهاد بعد أخيه بابا عروج فوافق، على أن يتمّ ربط الجزائر بالدولة العثمانية، وتمّ له ذلك سنة 1518م، وعُيِّن حاكمًا، ولُقِّب: (باي البايات)، وأدخلها ضمن حكم الخلافة العثمانية التي كانت القوّة الإسلامية العالمية الوحيدة في ذلك الوقت، بعد سيطرتها على الحرمين ومصر والشام واليمن بين سنتي 1516 و1517م، وبذلك توحّدت الجزائر سياسيًّا، وأصبحت كيانًا موحّدًا، وأصبحت تُعرف بهذا الاسم، ولم يعد مُقتصرًا على مدينة الجزائر فقط، بل شمل هذا الكيان السياسي الحدود الجغرافية للجزائر المتعارف عليها إلى الآن.
يقول الدكتور ناصر الدين سعيدوني سنة 1984م في مقدّمة كتابه: الجزائر في التاريخ 4 العهد العثماني، (ص 11، 12): "إنّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي للجزائر خلال العهد العثماني يعكس بصدق واقع البلاد الجزائرية، وما كانت تمتاز به الأمّة الجزائرية من كيان متميّز، وما كانت تتّصف به حكومة الدّايات من مقوّمات السّيادة وشروط الاستقلال على امتداد التراب الوطني الجزائري بحدوده الحالية".
وبذلك تكون مدينة جيجل بوابةً لإعادة بعث الدولة الجزائرية الحديثة عبر الفتح العثماني لها، وطرد الاحتلال الصّليبي المسيحي الإيطالي والإسباني منها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.