تنس/ دورة بيريغو النسوية: ايناس ايبو تشارك في مرحلة التصفيات    "مقابر الأرقام"... شاهد حي يوثق انتقام العدو الصهيوني من جثامين الشهداء الفلسطينيين    اليوم العالمي للطفل الإفريقي: منظمة "يونيسف" تجدد التزامها بتحسين مستوى التعليم لجميع الأطفال داخل القارة الإفريقية    باتنة: إدراج 4 مواقع أثرية للفن الصخري ضمن قائمة الجرد الإضافي للممتلكات الثقافية    مستشار رئيس الجمهورية للاتصال يقدم تهاني رئيس الجمهورية لأسرة الاعلام بمناسبة عيد الأضحى    ورقلة: عدة مشاريع تنموية جديدة لفائدة سكان دائرة البرمة الحدودية    الجيش الصحراوي يستهدف مقر لواء لجيش الاحتلال المغربي بقطاع المحبس    استشهاد 17 فلسطينيا في قصف صهيوني مكثف على وسط وجنوب غزة    اعتقال 640 طفلاً منذ بدء العدوان على غزة    مداومة عيد الأضحى: استجابة واسعة في 18 ولاية شرقية    رحيل المجاهد والإعلامي محمد العيد بورغدة    نيوزيلندا تقدّم 5 ملايين دولار كمساعدات إنسانية لغزة    عيد الأضحى: مقتل 8 أشخاص وجرح 205 آخرين في حوادث مرور        مهرجان المونولوج وفنون المسرح يشعل ثالث القناديل في نوفمبر القادم    عيد الأضحى: استجابة شبه كلية للتجار لنظام المداومة في ثاني أيام عيد الأضحى    المجاهد والإعلامي السابق محمد العيد بورغدة في ذمة الله    وهران: ملتقى وطني قريبا حول "السياحة بوهران: الواقع والآفاق"    ألعاب القوى/البطولة الافريقية 2024: المنتخب الوطني بعين المكان بدوالا    تنس/كأس/دايفس-2024: المنتخب الوطني يتنقل إلى أنغولا    حماية وترقية الطفولة: جمعيات تثمن المكاسب المحققة وتدعو إلى تعزيز آليات المرافقة    موجة حر بعدد من ولايات البلاد غدا الثلاثاء    الدكتورة هدى جعفري: نرتقب جمع قرابة 3 ملايين من جلود أضاحي العيد خلال سنة 2024    تأمينات: ضرورة إعداد قواعد للحوكمة الرشيدة في سياق القانون الجديد    تراجع أسعار النفط    انتخاب الجزائر في لجنة التراث الثقافي اللامادي باليونسكو "اعتراف" بدور الجزائر في مجال صون التراث وطنيا ودوليا    عيد الأضحى: إلتزام شبه كلي للتجار بنظام المداومة في اليوم الأول بنواحي سطيف و باتنة و عنابة    صندوق ضمان قروض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة: مرافقة أكثر من 4000 مشروع بقيمة 532 مليار دج    عيد الأضحى: رئيس الجمهورية يهنئ أفراد الجيش الوطني الشعبي والأسلاك النظامية وعمال الصحة    رئيس الجمهورية يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بجامع الجزائر    ضيوف الرحمن ينفرون من عرفات إلى مزدلفة    الخطباء يدعون الحجاج الجزائريين بعرفة الى العمل على اتمام مناسك الحج على اكمل وجه    مشاركة الشباب في الانتخابات فعل حضاري وديمقراطي راقي    افتتاح الطبعة ال19 لتظاهرة "أندلسيات الجزائر" بالعاصمة    رئيس الجمهورية يغادر باري الإيطالية عائدا إلى أرض الوطن    حجاج بيت الله الحرام يتجمعون بصعيد عرفة الطاهر لأداء مناسك الركن الأعظم في الحج    شبح المجاعة يهدد مجددا أرواح سكان غزّة    البعثة الجزائرية للحج أصبحت نموذجية    تصفيات مونديال 2026: صادي يؤكد التزام الفاف بتوفير كل وسائل النجاح لبيتكوفيتش    الجزائر حاضرة ب21 رياضيا ورياضية في البطولة الإفريقية لألعاب القوى بالكاميرون    شركة الخطوط الجوية الجزائرية: إطلاق رقم أخضر لمتابعة عملية نقل الحجاج و المعتمرين    فلسطين تُثمّن قرار الرئيس تبّون    الجمارك الجزائرية تفتح باب التوظيف    قباضات الضرائب مفتوحة استثنائيا اليوم    سونلغاز ونفطال: توفر المنتجات واستمرار الخدمات أيام عيد الأضحى    استعراض فني للتاريخ    أسعى جاهدة لتطوير نفسي أكثر    الاتحادية الدولية لكرة السلة تؤكد على رزنامة التصفيات    حماد يعلن عن إنشاء منصة رقمية خاصة ب"النخبة"    دعوة إلى تصنيف "الضغط الرئوي" ضمن الأمراض المزمنة    ارتفاع فاحش في أسعار الخضر والفواكه عشية عيد الأضحى    من يستقطب اهتمام المشاهدين؟    إدانة "فيسبوكي" سرّب مواضيع البكالوريا    الحجاج يشرعون في صعود عرفة تحسبا لآداء الركن الأعظم    هكذا أحيى النبي وأصحابه والسلف الصالح الأيام العشر    تساؤل يشغل الكثيرين مع اقتراب عيد الأضحى    نافلة تحرص العائلات على أدائها طمعا في الأجر والمغفرة    الذكر.. مفتاح الرزق وزوال الهم والغم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكانة التاريخ في الخطاب السياسي الجزائري (3)
نشر في الشروق اليومي يوم 21 - 11 - 2007


د‮/ محمد‮ العربي‮ الزبيري
إن عدم تحميل رؤساء الأحزاب مسئولية الإفلاس العام الذي يطبع واقع البلاد اليوم، لا يعني أنهم يؤدون دورهم كاملا كقادة لتشكيلات سياسية »وجدت لإحداث القطيعة مع الأحادية الحزبية، ولتحرير الشعب من كابوس العمل الفردي« كما قيل للناس مباشرة بعد الإعلان عن قانون الجمعيات‮ ذات‮ الطابع‮ السياسي‮ التي‮ سرعان‮ ما‮ تحولت‮ إلى‮ أحزاب‮ من‮ دون‮ أدنى‮ تحضير،‮ ومن‮ دون‮ استشارة‮ الجماهير‮ الشعبية‮ الواسعة‮.
ولأن الأحزاب لم تؤسس على قواعد واضحة، ولم تعتمد منظومات أفكار بينة، بل وقعت فبركتها على عجل لتغطية فشل المؤامرة الكبرى التي تعرضت لها البلاد في الخامس من شهر أكتوبر 1988، فإن الشعب لم يتفاعل معها، واعتبرها مجرد أجهزة لا تنشط إلا بأمر وفي مواسم معينة. إنها،‮ في‮ نظر‮ الأغلبية‮ الساحقة‮ من‮ الجزائريات‮ والجزائريين،‮ تعيش‮ في‮ عزلة‮ ولا‮ تتحرك‮ إلا‮ لخدمة‮ مصالح‮ بعض‮ أعضائها‮. وهذا‮ ما‮ يفسر‮ عزوف‮ المواطنين‮ عن‮ المشاركة‮ في‮ الانتخابات‮ بجميع‮ أنواعها‮.
ومما لا شك فيه أن قيادات معظم الأحزاب مدركة لهذه الأوضاع المزرية، وتعلم أنها »موظفة« لدى المصالح الإدارية التي تحتفظ بالكلمة الأخيرة في وضع قوائم أعضاء الهيئات المسئولة وفي الترشيح للانتخابات المحلية والجهوية والوطنية، لكنها لا تنتفض خوفا من استبدالها بأخرى،‮ وتباعا،‮ من‮ فقدان‮ الامتيازات‮ والسلطة‮ الشكلية‮. أبعد‮ كل‮ هذا،‮ يأتي‮ الدكتور‮ ويحملها‮ مسئولية‮ نكبة‮ التعريب‮ في‮ الجزائر‮.
إن قيادات الأحزاب، وخاصة ما يسمى بالأحزاب الفاعلة في بلادنا، تدير الظهر للقضايا الأساسية التي تثقل كواهل الجماهير الشعبية ربما لأنها تجهلها بسبب عدم احتكاكها الدائم والصادق بالطبقات المحرومة من الشعب، أو لأنها مقتنعة بأن واجبها يكمن، فقط، في انتظار الأوامر التي تأتي مع رنات الهاتف أو عن طريق الوسطاء وما أكثرهم. فهذه الحقيقة هي التي تفسر تزايد انعدام الثقة بينها وبين المواطنين الطاهرين الطيبين الذين صاروا يكتفون بالازدراء من الحركات البهلوانية التي تعرض عليهم قصرا كلما حان وقت الاستحقاقات بجميع أنواعها.
3 قال الدكتور عميمور: إن الرئيس الراحل هواري بومدين كان يسعى لجعل الجزائر تقوم بدور لبنان الخاص بتقديم الثقافة العربية إلى فرنسا والثقافة الفرنسية إلى العرب. إن هذا الزعم لم نسمع به من قبل وهو ينقص من قيمة الرجل الثوري الذي يسعى ليكون في مستوى متطلبات الثورة الثقافية التي جاء في الميثاق الوطني الذي صادق عليه الشعب بأغلبية ساحقة: »إنها تهدف إلى التأكيد على الهوية الوطنية وتقويتها وإلى الرفع الدائم لمستوى التعليم المدرسي والكفاءة التقنية، وإلى اعتماد أسلوب في الحياة ينسجم مع مبادئ الثورة الاشتراكية«.
وهل يمكن لشعب همشه الاحتلال مدة مائة واثنتين وثلاثين سنة، مرت كلها تجهيل واجتثاث لمقومات الهوية الوطنية وإرساء لقواعد المسخ الثقافي وعمل، بلا هوادة، على تكوين إنسان إمّعي معمعي، فاقد للذاكرة أو بذاكرة مشوشة، أن يقوم بدور الوسيط بين الثقافتين العربية والفرنسية‮ اللتين‮ هو‮ أبعد‮ عنهما‮ بعد‮ السماء‮ عن‮ الأرض‮ بفعل‮ ظلم‮ الإدارة‮ الكولونيالية‮ واستبدادها‮.
فعودة الثقافة العربية إلى الجزائر تتطلب إتباع مسار شبيه بذلك الذي اتبعه منظرو الاحتلال لمحاربتها والقضاء عليها. ومن ثمة، فإذا كانت الإدارة الكولونيالية قد اختارت، منذ البداية، قتل المثقفين الجزائريين أو نفيهم أو مضايقتهم بجميع الوسائل، فإنه كان ينبغي على الجزائر، بعد وقف إطلاق النار مباشرة، أن تشرع في بعث التراث الوطني من خلال نشر إنتاج رجال الفكر والمعرفة الجزائريين سواء منهم الذين تعرضوا للنفي بكل أنواعه أو الذين ظلوا يقاومون السيطرة الأجنبية بجميع الوسائل.
لقد كانت تجارب أمثال محمد البدوي والدكتور محمد بن العربي الشرشالي والشيخ محمد بن رحال والأستاذين عمر راسم وعمر بن قدور والأئمة الشيوخ عبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي والطيب العقبي ومحمد السعيد الزاهري والأستاذ مالك بن نبي والصحافي السياسي محمود بوزوزو والفيلسوف علي بن ساعي والشيوخ عبد العزيز الثعالبي وحسين الخضر والفضيل الورتلاني وغيرهم ممن يطول ذكرهم، كلها ثرية وضرورية لربط الأجيال الصاعدة بماضيها المجيد ولإرساء قواعد النهضة الثقافية الكفيلة بإعادة تكوين الإنسان الجزائري القادر على الاستجابة لمتطلبات‮ ثورة‮ نوفمبر‮ العظيمة‮.
صحيح أن الجزائر، في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، قد رفعت شعار الثورة الثقافية، وصحيح، كذلك، أنها ضمنت نصوصها الأساسية رغبة نظام الحكم في تمكين اللغة العربية من استعادة مكانتها الطبيعية، لكن الواقع كان عكس ذلك، لأن الثورة الثقافية ليست مجرد تذكير بضرورتها‮ كما‮ أن‮ إعادة‮ تأهيل‮ اللغة‮ الوطنية‮ لا‮ يكون‮ بتعيين‮ أعدائها‮ على‮ رأس‮ مؤسسات‮ التعليم‮ وفي‮ مناصب‮ الحل‮ والربط‮ التي‮ تتحكم‮ في‮ سير‮ شؤون‮ الدولة‮ على‮ جميع‮ المستويات‮.
وعلى الرغم من أن الرئيس هواري بومدين كان، دائما، يكرر أن اللغة العربية ليست لها ضرة وأن الدولة ستبذل كل ما في وسعها من جهد لإحلالها المكانة اللائقة بها، فإنه لم يصدر أدنى تعليمة أو أمرية أو مرسوم بهدف إنجاح التعريب في الجزائر، بل إنه كان يبدي موافقة مطلقة‮ لإسناد‮ المناصب‮ الأساسية‮ في‮ سائر‮ دواليب‮ الدولة‮ وكذلك‮ مناصب‮ الحل‮ والربط‮ إلى‮ المتعلمين‮ باللغة‮ الفرنسية‮.
ففي عهده كانت الدبلوماسية والداخلية والاقتصاد حكرا على المتفرنسين الذين كانوا، في معظمهم، مشدودين، بطريقة أو بأخرى، إلى ضفة البحر الأبيض المتوسط. وكان الأمر كذلك بالنسبة للحكومة إذا استثنينا وزير الشؤون الدينية. معنى ذلك أن الدولة بأكملها، ما عدا مؤسستي الحزب والجيش، كانت تسير مباشرة وبكيفية مطلقة في غياب المعربين الذين كانوا يعانون التهميش المقصود والاضطهاد الممقوت. ومن ثمة يمكن القول إن خطابات الرئيس لم تكن سوى حبر على ورق وقد ضرت التعريب أكثر مما نفعته.
وحتى عندما تقرر الشروع في تعريب المدرسة والثانوية، فإن العملية كانت مغشوشة، في أساسها، لأن الطواقم المسيرة كلها كانت متفرنسة، وكانت، أكثر من ذلك، لا تخاطب التلاميذ إلا باللغة الفرنسية وتجبرهم على استعمالها دون غيرها في ساعات الراحة خارج الأقسام وفي علاقاتهم مع الإدارة التي كانت كل وثائقها بالفرنسية. وكانت اللغة الفرنسية، أيضا، هي السائدة في جميع المصالح الإدارية بما في ذلك الحالة المدنية التي أدى استعمال الفرنسية فيها إلى تشويه الألقاب والأسماء وإلى فرض طريقة في التسمية ما أنزل الله بها من سلطان وهي غير مستعملة‮ حتى‮ في‮ البلد‮ المحتل‮ سابقا‮. وبالفعل،‮ فإن‮ الجزائر‮ هي‮ البلد‮ الوحيد‮ الذي‮ تبدأ‮ فيه‮ الحالة‮ المدنية‮ باللقب‮.
وفي مجال التعليم، مرة أخرى، تجدر الإشارة إلى القرار التعسفي الذي اتخذه رئيس مجلس الثورة بوحي من أعداء العروبة والتعريب والقاضي بإلغاء التعليم الأصلي الذي كان تحت إشراف العلامة نايت بلقاسم مولود قاسم والذي بدأ، فعلا، يثمر في مجال تكوين إطارات المستقبل الذين‮ يمكن‮ اعتمادهم‮ في‮ عملية‮ إعادة‮ بناء‮ الشخصية‮ الوطنية‮ التي‮ كان‮ الاحتلال‮ قد‮ قضى‮ على‮ جل‮ عناصرها‮. وهنا‮ نسأل،‮ مرة‮ أخرى،‮ هل‮ يستطيع‮ بلد‮ هذا‮ وضعه‮ أن‮ يقوم‮ بدور‮ الوسيط‮ بين‮ ثقافتين‮ ؟‮ وللحديث‮ بقية‮.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.