كشفت السجالات الدائرة بين جمال ولد عباس، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، والغريم أحمد أويحيى، الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، عن وجود شرخ عميق داخل معسكر الموالاة، جسده حالة الإحباط التي عبّر عنها أويحيى، بسبب المضايقات التي يتلقاها من القوة السياسية الأولى في البلاد داخل مؤسسات الدولة وخارجها. أزمة الخلافات داخل معسكر الموالاة تؤجّجها جملة من الملفات تنذر بمزيد من التسميم في العلاقات الثنائية بين الحزبين الغريمين، اللذين يوفران الغطاء السياسي للسلطة، وفي مقدمة هذه الملفات قضية الخوصصة، التي لا تزال تهدد مستقبل أحمد أويحيى على رأس الوزارة الأولى. خطورة هذا الملف (الخوصصة) تكمن في التباين الحاصل في موقف "جبهة التحرير" و"التجمع الديمقراطي" منه، فالأول أعلن عدم تحمسه، بل رفضه، لكل الخيارات التي أطلقها أويحيى وأوقفها الرئيس بوتفليقة بالتعليمة التي كانت محل جدل كبير منذ الأسبوع المنصرم، في حين أن "الأرندي" يبدو أنه متمسك بمشروعه، كما جاء على لسان أمينه العام خلال الدورة العادية الأخيرة للمجلس الوطني للحزب. هذا الخلاف جاء ليزيد من حجم التراكمات الحاصلة بين الطرفين منذ أشهر، ولا سيما ما تعلق بإفرازات الانتخابات المحلية، التي لا تزال تداعياتها تلقي بثقلها على العلاقات بين الحزبين، بشكل دفع أويحيى إلى الخروج عن تحفظه المعهود، لينتقد الولاة، بسبب ما يشاع عن اصطفافهم بأوامر فوقية، لصالح الأفلان أثناء الانتخابات وبعدها خلال تنصيب المجالس البلدية والولائية. وما زاد من انزعاج "الأرندي" من هذه القضية، هو أن النتائج التي حققها في استحقاق 23 نوفمبر المنصرم، لا تعكس حجم المجالس البلدية والولائية التي حصل على رئاستها، ويكفي للتدليل على ذلك عدم حصول القوة السياسية الثانية في البلاد سوى على ثلاثة مجالس ولائية فقط، من مجموع 48 مجلسا، سيطر فيها غريمه "الحزب العتيد" على 43 مجلسا ولائيا، ما يؤشر برأي متابعين، على أن لعبة التحالفات نسجتها أطراف لها أهداف قد تكون لها علاقة بالانتخابات الرئاسية المرتقبة ربيع العام المقبل. مؤشر آخر يؤكد على عمق هذا الشرخ، هو السباق الذي سجل نهاية الأسبوع على صعيد الحضور الإعلامي، فبينما كان أويحيى في مواجهة الصحافيين في افتتاح دورة المجلس الوطني لحزبه، كان لجمال ولد عباس لقاء آخر مع رجال الإعلام بمناسبة لقاء مفاجئ جمعه برؤساء المجالس الولائية لحزبه، وفي الوقت ذاته، كان وزير الداخلية والجماعات المحلية، نور الدين بدوي، مجتمعا برؤساء المجالس الشعبية البلدية بقصر المؤتمرات عبد اللطيف رحال، مرفوقا بشخصية قريبة جدا من الرئيس بوتفليقة. هذا المعطى، يؤكد أن ولد عباس ومسانديه حرصوا على عدم ترك المجال واسعا أمام أويحيى كي يملأ المشهد الإعلامي لوحده، لا سيما وأن الجميع كان ينتظر ما سيقوله الرجل بعد الضربات المتتالية التي تلقاها طيلة الأسابيع الأخيرة، والتي كانت أثقلها حملا، تعليمة الرئاسة التي أوقفت مشروعه لخوصصة وفتح رأسمال المؤسسات العمومية. كل هذه المقاربات تدفع إلى الاعتقاد بعدم اتضاح الرؤية في قمة الهرم بشأن الاستحقاق الرئاسي المقبل.