عندما تفطر صائما في رمضان يكون لك مثل أجره ، ويكون إفطارك له مغفرة لذنوبك وعتقا لرقبتك من النار، كل هذا الأجر تحصل عليه لمجرد أنك أفطرت صائما سواء بدعوته للإفطار معك أو بإهداءه حبة تمر يفطر عليها أو بالمساهمة في مطعم عابر السبيل في الحيّ الذي تسكن فيه ، لم تحفّظه سورة من القرآن ولم تعلّمه حديثا من الأحاديث الشريفة، كل ما فعلته هو أنك أطعمته فكانت لك المغفرة والعتق من النار فقط بلقمة تفطر بها هذا الصائم أو شربة ماء..فما سرّ هذا العطاء الربّاني الجزيل ياترى؟ ما حكاية هذا الأجر العظيم بعد كرم الله وفضله سبحانه على الرغم من بساطة العمل الذي نؤجر عليه وعلى الرغم من أن الصائم الذي نؤجر على إفطاره ليس فقيرا أو مسكينا بالضرورة بل وليس شرطا أن يكون إفطاره بنيّة الصدقة ، فقط يكفي أن تدعو أخاك أو جارك أو صديقك لتناول الإفطار معك على سبيل الهدية فتكون لك المغفرة والعتق من النار؟.. هذا الأجر العظيم الذي يكسبه عمل خيري مثل إفطار الصائم جعل البعض يسمّيه "عبادة" ، لكن يبدو أنه لا توجد عبادة واحدة في الحكاية، فهناك عبادة إفطار الصائم وهناك عبادة الإفطار كذلك، ولعلّ هذا هو السرّ الذي نبحث عنه، فما يجعل إطعام الصائم عند إفطاره إطعاما إستثنائيا يُكسب العبد كلّ ذلك الثواب هو كون الإفطار نفسه طعاما إستثنائيا، فهو ليس مجرد أكل وشرب لسدّ الرمق ، الأكل والشرب بالنسبة للصائم في رمضان لم يعُد مجرد أكل وشرب، إنه الآن إمتثال وطاعة لله، بتعبير أكثر وضوحا ، إنه الآن عبادة، فالصائم يأكل ويشرب في وقت السحور حتى يتبيّن له الخيط الأبيض من الخيط الأسود طاعة وعبادة لله، ثم يمسك عن الطعام والشراب وغيرهما طاعة وعبادة لله، ثم يفطر عند مغرب الشمس طاعة وعبادة لله، ويقول: اللهم لك صمت وعلى رزقت أفطرت، فلذلك عندما تفطر صائما فأنت تعينه على طاعة الله وعبادته، إنه يفطر على رزق الله إمتثالا لأمره سبحانه عندما يأكل من طعامك، الذي دفعت ثمنه، أو قمت بطبخه ، أو ساعدت في تقديمه للصائمين في مطاعم الإفطار الجماعي.. فما أكرمك يا الله، تأمر عبادك بالصيام وهو خير لهم وتأجرهم على الصيام وعلى الإفطار وعلى إفطار الصائمين.