يعتبر الممثل والمخرج المسرحي حميد قوري، أن مشكلتنا في المسرح هي الرقابة الذاتية والخوف من المغامرة والتجديد، وكثيرا ما نقع في فخ بناء العروض وفقا لرغبة الآخرين سواء من ناحية الشكل أو المضمون، وهذا -حسبه- ما جعل طموحنا الفني مقيدا، كما يرى أن المسرح الجزائري لا يزال يتخبط في عاصفة البحث عن الذات. زينة.ب وفي إجابته على أسئلة مختلفة طرحها مختصون ومهتمون بالشأن المسرحي من خلال منتدى المسرح الوطني الافتراضي بمنصة “فيسبوك” في عدده ال27، -الذي كان مخصصا للحديث عن تجربته المسرحية وكذا موقع المسرح الجزائري بين المدارس والاتجاهات والمناهج المسرحية- أوضح حميد قوري أن أحلام الفنانين كبيرة وظروف مسارحنا مترددة خاصة مع ما يمر به الوطن بين فترة وأخرى، مشيرا إلى أن سنوات الدم في العشرية السوداء كادت أن تعبث بالفن والثقافة والمصيبة أنه لم تكن وقتها الحرية الكافية لطرحها أو التكلم عنها فنيا، كما أن -يضيف- معظم المسارح لا تنتج إلا عرضا أو عرضين في السنة مما يجعل فرصة العمل لتفجير ما يكمن في صدر كل فنان صعبة نوعا ما، بالإضافة إلى الظروف المادية وغيرها، ثم أن -يتابع- تحقيق الحلم الفني والإنساني يحتاج إلى حرية التعبير وفضاء يساعد الفنان على تطوير أفكاره ليصل على الأقل أمام باب أحلامه. وعاد قوري، إلى فترة الثمانينات التي يعتبرها الفترة الذهبية للمسرح الجزائري، كانت السلطة تريد تغيير النظام ولم تعد ذلك الشرطي الذي يحاصر الإبداع، ومنه خرجت أعمال رائعة تتعلّق بالخطاب السياسي وأخرى قريبة من الأدب فحدث تزاوج رائع ورغم الظروف القاسية للفنانين والمسرحيين خصوصا غلب حب المهنة وكان الحلم هو الوقوف أمام الجمهور، مشيرا إلى الحوارات والنقاشات التي كانت لا تنتهي للتعلم، خاصة من قبل كبار المسرحيين والفنانين على غرار علولة، كاتب ياسين مصطفى كاتب، بن قطاف وغيرهم. أما التسعينات -يتابع- أنها علمته أمورا لن ينساها حيث غادرنا كبار الشهداء علولة وعز الدين، وناس غادروا الوطن البحر وآخروا فضلوا البقاء رغم الموت والخوف ولم ينقطعوا عن الحلم، موجها بالمناسبة تحيته لكل الذين صمدوا وقدموا أعمالا وقتها على غرار سميرة صحراوي، كمال كربوز، توفيق ميميش، أحمد رزاق وعبد الحق بن معروف وغيرهم في المسارح الأخرى، كانوا -يضيف- قلة لكنهم استمدوا قوتهم من صمود الشعب. لازلتُ أبحث عن حريتي في المسرح وتابع قوري، أنه لا يزال يبحث عن حريته في المجال المسرحي، فالفنان في بلدنا لا يستطيع أن يضمن تجارب على المدى المتوسط أو الطويل لأن المسارح تابعة للقطاع العام والقطاع الخاص ليست له القدرة على إنجاز أعمال تجريبية أو مخبرية ك”الهربة”، مما جعله -يضيف- يقوم بأعمال ليست بعيدة عن روح الهربة، وهو يفكر جديا في إعادة التجربة إذا توفرت الإمكانيات، كالفضاء وغيره، مؤكدا أن “الهربة” بالنسبة له هي التمرد على الأشكال التي كانت سائدة، حيث كان البحث عن شكل مغاير انطلاقا من الخروج من مسرح العلبة لجعل المتفرج شريكا أساسيا يتفاعل مع شخوص العرض (أن يكون واحدا منهم)، وبالتالي -يشير- أن النص لم يكن يعتمد على الحوار المطول والطويل بل كان يكتفي بتقاطع وجمل وكلمات يكملها الجمهور الذي يكون وسط العرض وهو يمثل سكان القرية الذين كانوا شاهدين على المأساة التي تجري وسط العائلة، أي الصراع حول الميراث بين الأب وأبنائه. ومن ناحية الشكل -يضيف- فلم يعتمد على الديكور بالمفهوم الكلاسيكي، حتى الإضاءة كانت فوق رؤوس الناس، أي الأدوات التقنية كانت أمام الجمهور، حيث كان فضاء العرض في شكل مستطيل، وعلى الجانبين يجلس الجمهور فوق صناديق وليس على الكراسي كما المعتاد، في حين كان الممثلون يتحركون وسط الجمهور ويجلسون أحيانا مع المتفرجين. ومن جانب آخر لا يعتبر حميد قوري الحضور الكثيف في صالات العرض في السبعينات بالجمهور المسرحي بنسبة كاملة، لأنه وقتها كان الجمهور مبنيا على الدعوات أو كانت المؤسسات تشتري العروض للعمال، والتفاعل كان مبنيا على نمطين؛ الأول يتعلق بالكوميديا ولكنها عروض ظرفية محصورة في الزمان والمكان وليس لها تطلعات سرعان ما ينساها الجمهور، والثاني يتعلق بما يحمل من أفكار سياسية وكانت بالنسبة له العروض هي تدعيم ومساندة لخط سياسي معين وهو عادة “اليسار”. النقل يبقينا أسرى تجارب الآخرين وتطرق قوري إلى مشاكل المسرح الجزائري، قائلا أنه من مشاكل مسرحنا هو النقل، فلقد سقطنا في فخ المغلوب يتبع الغالب كما يقول ابن خلدون لذلك كانت المدارس الغربية -وخاصة ذات المفهوم اليساري- قبلة المسرح الجزائري حتى أنها أصبحت قانونا يصعب الخروج عنه فسقطنا في الكثير من العروض المستنسخة من بعضها البعض، آلية بلا روح يجد فيها الجمهور نفسه غريبا باستثناء أعمال كانت تريد الخروج من هذا الحيز لكنها لم تجد الفرصة لفرض نفسها، طبعا -يتابع- كانت هناك تجارب علولة وكاكي وهي تجارب خاصة مع الأسف لم تكتمل، مضيفا من جانب آخر أنه علينا بالبحث في تراثنا بدون عقدة وفي حياتنا اليومية، العالم الفني يتجدد والتجديد لا يعرف الجغرافيا لأن الفن إنساني ويبحث في عمق الروح، وعلينا أن نعطي الحرية لخيالنا ولا نضع الحواجز لخيالنا، وأن نقدم أعمال من عمق ذاتنا وما تمليه علينا أحاسيسنا وعقولنا بذلك نكون أقرب إلى الناس، النقل -يضيف- يبقينا أسرى تجارب الآخرين، فمثلا اقتباس عمل مسرحي أمر غير منطقي، ربما نأخذ الفكرة ونسقطها على واقعنا أو نفتبسها في شكل تجريبي، مضيفا أن قوة الاقتباس تكمن في اللجوء إلى الأدب، مشيرًا إلى تعامله مع الروائي واسيني الأعرج، وكذلك محمد شكري في الخبز الحافي وبروسبار ميريمي صاحب رواية “كارمن”، وهكذا -يقول- نخلق جسرا متينا بين المسرح والأدب، فالأدب يعطينا مجالا واسعا للإبداع. ضرورة تحقيق مشروع ثقافي بأسس قانونية وقال الفنان، أن جيل الأمس كان صادقا ونزيها لكنه سقط في فخ السياسة وكثيرا ما كانت العروض منبرًا سياسيًا بل سياسويا في بعض الأحيان وهذا لم يخدم المسرح كفرجة وأسقطه في اتجاه واحد أي شمول النظرة، والكثير يقول أن المرحلة كانت تتطلب ذلك أما اليوم رغم أن الظروف المادية نوعا ما تحسنت مع وجود عدة مسارح لكن الأمر يتطلب سياسة واضحة تتمثل في مشروع ثقافي وطني مبني على أسس قانونية فالمسرح مرتبط بكل الأشكال الفنية وعلى المسرح أن يتخلص من الأعمال تحت الطلب كما صار في عشرات الملاحم حيث ضاعت الملايين. وختم الفنان حميد قوري، أنه علينا أن ننهض ونسير، فالمسرح مدرسة الصمود والغد أكيد سيكون للصادقين، المسرح -يضيف- قضية حضارة، قضية أمة، قضية دولة، لا يعرف صراع أجيال بل جيل مع جيل يشكلون جسرا نحو الأفق البعيد، ولابد أن تتغير الأمور ولن تتغير إلا بوقوفنا جنبا إلى جنب، فأمنا الخشبة تحبنا جميعا وتنتظرنا كما تنتظر الأم ابنها الضال. مسار قوري بين الركح والشاشة يقول الفنان حميد قوري عن مساره الفني “عرفت المسرح وشغفت به في زمن كانت السياسة تسيطر على حياتنا اليومية، وكنت حينها غير راضٍ بما يقدم، اتجهت إلى الأدب اقتبست منه فكان ميلاد 1986 مسرحية الطاروس عن رواية الخبز الحافي لمحمد شكري من المغرب، وسنة 1987 حب في بلاد الحجر، مقتبسة عن محمود تيمور، ومزغنة في 1995 عن حارثة الظلال المأخوذة عن واسيني الأعرج، وفي سنة 2017 ألفتُ مسرحية لويزة عن رواية كارمن لبروسبير مريني، وفي 2020 أخرجت رصيف النوار لمالك حداد، اقتباس بوزيان بن عاشور. وبين هذه المحطات كتبتُ مسرحية الأحلام القذرة التي قدمت في فرنسا، ومونولوڨ الطاروس سنة 1983 قبل تحويله إلى عرض كامل قدم في كثير من الجامعات الجزائرية، وفي 1991 كتبت بالفرنسية Clondo bazard وسنة 2018 تزوجتها بمذكرات ماعز”، يضيف “عشقت التلفزيون فكان لي فيه حظ وكتبت سيناريو عيسى سطوري وقصر الفونبير، وسلسلة فونطازيا 1و2، وشاركت في عمل سينمائي مصدق حلال للمرحوم محمد زموري، ومسيرتي كان بها محطة هامة حيث استفدت من التكوين في إطار رسكلة بكل من موسكو وجمهورية جورجيا تبيليسي”.