* “جيل الأمس كان صادقا ونزيها لكنه سقط في فخ السياسة” يرى الفنان المسرحي حميد قوري أن مشكلة المسرح الجزائري تكمن في الرقابة الذاتية والخوف من المغامرة والتجديد، ومعظم الأعمال التي تعرض على خشبة المسرح غالبا ما تأتي في الطابع المتعارف علية من ناحية الشكل والمضمون وهذا ما جعل طموح الفن عند الكثير من المسرحيين مقيد. قال الفنان حميد قوري خلال تنشيطه للعدد 27 من منتدى المسرح والذي قدم خلاله شهادته في دور الممارسة المسرحية على ركح مسارح الجزائر، أن فترة الثمانينات، كانت الفترة الذهبية للمسرح الجزائري، حيث كانت وقتها السلطة تريد تغير النظام ولما تعد رقابتها تحاصر الإبداع، فشهدنا في تلك الفترة أعمال خرجت من الخطاب السياسي واقتربت من الأدب فكان تزاوج رائع ورغم الظروف القاسية للفنانين والمسرحيين كان هناك حب للمهنة و كان الحلم الطاغي آنذاك هو الوقوف أمام الجمهور، كان الجميع يتناقش ليل نهار و كان بيننا الكبار تعلمنا منهم كثيرا علولة كاتب ياسين مصطفى كاتب بن قطاف و غيرهم من الفنانات و الفنانين، أما في فترة التسعينيات يقول قوري كانت أصعب مرحلة بالنسبة للمسرح الجزائري حيث فقد فيها المسرح أهم أعمدته على غرار علولة وعز الدين مجوبي، وهناك من هاجر الوطن، وهناك من بقى رغم الموت والخوف لم ينقطعوا عن الحلم ،على غرار سميرة صحراوي، كمال كربوز توفيق ميميش، أحمد رزاق وعبد الحق بن معروف،وغيرهم في المسارح الأخرى كانوا قلة لكن استمدوا قوتهم من صمود الشعب. وعن مشواره في الفن الرابع، قال “لازلت أبحث عن حريتي في المجال المسرحي لأن أحلام الفنان كبيرة و ظروف مسارحنا مترددة، وحتى ما يمر به الوطن بين فترة وأخرى يكفي سنوات الدم العشرية السوداء كادت أن تعبث بالفن والثقافة ولم تكن الحرية الكافية لطرح أو التكلم على تلك الفترة، معظم المسارح لا تنتج إلا عرض أو عرضين في السنة مما يجعل فرصة العمل لتفجير ما يكمن في صدر” مضيفا” أن تحقيق حلم فني و إنساني يستعدي حرية التعبير وفضاء يساعد الفنان على تطوير أفكاره ليصل على الأقل أمام باب أحلامه”. أما بخصوص واقع المسرح الجزائري بصفة عامة، يقول المتحدث من أهم المشاكل الذي يعاني منها المسرح الجزائري هو النقل أو العقل، ويقول بهذا الصدد “لقد سقطنا في فخ المغلوب يتبع الغالب كما يقول ابن خلدون”، فكانت المدارس الغربية خاصة ذات المفهوم اليساري هي قبلة المسرح الجزائري ،حتى أنها أصبحت قانون يصعب الخروج منه وبالتالي فمعظم الأعمال التي كانت تقدم كانت مستنسخة من بعضها البعض آليا بلا روح، يجد فيها الجمهور نفسه غريبا باستثناء الأعمال التي كانت تريد الخروج من هذا الحيز لكنها لم تجد الفرصة لفرض نفسها، مؤكدا أن كانت هناك تجارب لعلولة وكاكي وهي تجارب حسبه خاصة ولم تكتمل”، وللخروج عما يعيشه المسرح الجزائري دعا قوري إلى ضرورة الرجوع إلى تراثنا بدون عقدة والعودة إلى حياتنا اليومية حياتنا، حيث قال “العالم الفني يتجدد والتجديد لا يعرف جغرافيا لأن الفن إنساني أي يبحث في عمق الروح علينا أن نعطي الحرية لخيالنا دون وضع حواجز، مضيفا يجب أن نقدم أعمال من عمق ذاتنا وما تمليه علينا أحاسيسنا وعقولنا حتى تصنع أعمال تكون قريبة إلى الجمهور، أما النقل يقول قوري سيبقى المسرح الجزائري أسير تجارب الآخرين. وعن الفرق بين جيل الأمس وجيل اليوم، يرى قوري أن جيل الأمس كان صادقا ونزيها لكنه سقط في فخ السياسة، وكثيرة ما كانت العروض منبر سياسي بل سياساوي في بعض الأحيان وهذا لم يخدم المسرح كفرجة وأسقطه في اتجاه واحد أي شمولية النظرة، أما اليوم رغم تحسن الظروف المادية مع وجود عدة مسارح لكن الأمر يتطلب سياسة واضحة مشروع ثقافي وطني مبني على أسس قانونية فالمسرح مرتبط بكل الأشكال الفنية و على المسرح أن يتخلص من الأعمال تحت الطلب كما صار في عشرات الملاحم وضياع الملايين. وعن مسرحية “الهربة” التي تعد من أكثر الأعمال جرأة في الجزائر، فقال تجربة “الهربة” بالنسبة لي هي التمرد على الأشكال التي كانت سائدة،وكنا نبحث على شكل مغاير انطلاقا من الخروج من مسرح العلبة لنجعل المتفرج شريكا أساسيا يتفاعل مع شخوص العرض أي هو واحد منهم، أما من ناحية النص، فهي لم تعتمد على الحوار المطول بل كان تقاطع وجمل وكلمات تترك الجمهور من يكملها ،حيث أن الجمهور كان وسط العرض وهو يمثل سكان القرية الذين كانوا شاهدين على المأساة التي تجري وسط العائلة ،الصراع كان حول الميراث ما بين الأب و أبنائه، أما من ناحية الشكل فلم نعتمد على ديكور بالمفهوم الكلاسيكي،حتى الإضاءة كانت فوق رؤوس الناس ،أي الأدوات التقنية كانت أمام الجمهور، مشيرا في هذا الصدد أن الفنان في الجزائر لا يستطيع أن يضمن تجارب على المدى المتوسط أو الطويل لان المسارح تابعة للقطاع العام، والقطاع الخاص ليست له القدرة على إنجاز أعمال تجريبية أو مخبرية كالهربة، مما جعلني أقوم بأعمال ليست بعيدة عن روح الهربة. وعن تجربته في روسيا والمدرسة الفنية الطاغية على المسرح الروسي في المرحلة التي كان متواجد فيها هناك يقول قوري “أنا قمت برسكلة في روسيا،ولم أقم بالتكوين، ولستانسلافكي مكانة كبيرة في المسرح الروسي لأنها تعتمد على الواقعية والجماليات وقوة الأداء، وقد سبق يضيف أن شهدت عرضين”شجرة الكرز” و “الملك لير”، بالنسبة لمايرهولد هناك من يرى فيه اتجاه آخر يخدم فضاء يسمح بالتجديد والخروج بأشكال مغايرة أما فيما يتعلق بالاقتباس قال المتحدث”إن اقتباس عمل مسرحي من مسرحية أخرى غير منطقي، ربما أخذ فكرة أو إسقاطها على واقعنا أو اقتباسها في شكل تجريبي”، مضيفا “أرى أن قوة الاقتباس تمكن في اللجوء إلى الأدب ، الذي من شأنه أن يخلق جسر متين بين المسرح والأدب، فالأدب يعطيك مجال واسع للإبداع”.