يعرف عصرنا الحالي بتفشي عدة أمراض مزمنة وجد خطيرة لا تعكر صفو حياة المصابين به فحسب، رغم صعوبة الأمر عليهم لكبر سنهم و لعدم قدرتهم على تحمل مشقة الداء و نسبية نجاعة الدواء، بل حتى على ذويهم و الذين يسهرون على التكفل بهم و إسعافهم قدر استطاعتهم، من بين هذه الأمراض داء السكري. محمد بن حاحة تزداد أعراض داء السكري على المصابين به بين الحمية الغذائية الصارمة و حقن الأنسولين غير المنتهية، و الحذر من الإصابة بالجرح ، فمهما كان ذلك الجرح بسيطا فإن عواقبه ستكون وخيمة على المريض ، و تتثاقل أعباؤه أكثر على أهل المريض ، المادية منها أو المعنوية . من أجل معالجة هذا الموضوع ، تنقلت "الجزائرالجديدة" إلى بعض عائلات المصابين بداء السكري، فاستفسرت حول معاناتهم نفسيا و ماديا من إصابة ذويهم بداء السكري. "صفية" تقول " جدتي مصابة بداء السكري و يجب مراقبتها يوميا ، و هذا ما يجعلنا في معاناة معنوية و مادية دائمة ، فمجرد خطأ صغير أو لحظة غفلة منا عنها ستكون لها نتائج لا تحمد عقباها ، إذ يجب مراقبة حميتها الغذائية ، و كما تعلمون أن هذا صعب خاصة بالنسبة لكبار السن الذين يشتهون الحلويات الشرقية الكثيرة ، و كذا السكر و العسل ، و إذا منعتها من ذلك فستبقى متحسرا ، وتقول المسكينة اشتهتها و أنا حرمتها من ذلك، و الحرص على تناولها الأدوية في وقتها و بكميتها المناسبة ، و فيما يخص الدواء ، هناك المرضى المسجلين في الضمان الإجتماعي، فهؤلاء لهم إمكانية الحصول على الدواء مجانا، و أما غيرهم ممن ليس لهم ضمان اجتماعي فيضطرون لشرائه رغم ثمنه الباهظ ، خاصة حقن الأنسولين التي قد يصل ثمنها ال 50 ألف دينار جزائري للثلاثي الواحد ، فما بالك إذا توجب على المريض شراءه بانتظام ، فكثير من المرضى الذين يتعذر عليهم شراؤه يطلبونه من أحد الأقارب ممّن تسنى له شراؤه، أو يتبرع لهم به من طرف متبرعين أو من يملكونها بزيادة ". "آسيا"، تحكي عن معاناة أمها مع داء السكري و صعوبة الوضع على سائر أفراد العائلة " قبل إصابة أمي بداء السكري و اشتداده عليها فقدت أبي بسبب نفس المرض ، و الآن انتقل المرض لأمي التي فقدت بصرها بسبب المرض ذاته ، وذلك بسبب عدم التزامها بالحمية، فهي تحب الحلويات كثيرا، و كلما نطلب منها التوقف عن أكل الحلويات و السكاكر و الالتزام بحميتها تعدنا بذلك ثم تخلف وعدها ، و نحن دائمي المراقبة لها مخافة سقوطها أو إصابتها بجرح ، فالمصابون بالسكري إذا تعرضوا لمجرّد جرح بسيط فسيكون احتمال إصابتهم ب "الغرغرينا" كبيرا ، ولهذا يجب الحرص على توفير حذاء أو نعل مخصص و ألبسة مخصصة ، و هذا ليس أمرا هينا ". و يزيد الوضع صعوبة بالنسبة للمصابين بداء السكري إذا كانوا أشخاصا مسنين و يعيشون بمفردهم، فتعثر صغير أو شوكة يطئونها قد تصبح شديدة الخطورة عليهم ، إذ أن جروح مرضى السكري صعبة الاندمال لنقص ما قد يعرضهم إلى تعفن أو ما يسمى بالغرغرينا ، و بالتالي قد تقطع إحدى أطرافهم مخافة انتشارها في الجسم، وكل هذه الظروف يصعب على أهل المرضى عيشها خاصة مع تخوفهم الشديد على صحة المريض و حياته ، دون نسيان أن داء السكري قد ينتقل إليهم وراثيا ، فهذا يؤثر على نفسيتهم كثيرا. أدوية دائمة تفوق قيمتها الملايين إن استهلكت لسنة واحدة أو أقل من ذلك ، مع غلاء العيش و عسر الحالة الاجتماعية لأغلبية المرضى ، إلى جانب التزامهم بحميات خاصة و عجزهم عن العمل في كثير من الحالات، كل هذا يزيد من وطأ المرض و تأثيره على المريض و عائلته بأكملها . و لقد نصت دراسة دولية أجريت سنة 2012 من طرف مخابر نوفونورديسك الدنماركية ، على أن 23 بالمائة من عائلات المصابين بداء السكري بالجزائر تعاني من تأثير المرض على وضعيتها المادية. وتمحورت هذه الدراسة التي شاركت فيها 17 دولة من القارات الأربع ، و التي كانت الجزائر البلد الإفريقي الوحيد الذي شارك فيها، حول كيفية التكفل بمرضى السكري نفسيا واجتماعيا. وأثبتت الدراسة أن الأعباء المادية والنفسية لداء السكري تتحملها كل أفراد العائلة وليس المريض لوحده. كما أبرزت أن 78 بالمائة من أفراد عائلة المريض بالجزائر قلقة من المضاعفات الخطيرة للداء مقابل 63 بالمائة بالنسبة لبقية الدول التي شملتها الدراسة. وأظهرت أيضا أن 89 بالمائة من نفس العائلات ينتابها القلق ليلا تخوفا من انخفاض مادة الأنسولين لدى مريضها الذي يعالج بهذه المادة خلال هذه الفترة ، مشيرة إلى أن 77 بالمائة من أقارب المصاب بداء السكري غير راضين عن طريقة العلاج المتبعة من طرف المريض. وتوصلت ذات الدراسة إلى أن 63 بالمائة من العائلات لم تشارك بتاتا في برامج التربية الصحية حول داء السكري رغم نصح 70 بالمائة من الأطباء و توصيتهم بذلك، من جهة أخرى فقد سجّلت الدراسة نقصا في أنظمة العلاج و القرار السياسي وعمل الجمعيات والخدمات الصحية المقدمة من طرف المختصين بالدول التي شاركت فيها، ويرى المشرفون عليها أنه حتى في حالة توفر أفضل أنواع العلاج يبقى تحسن حالة المصاب معتمدا على التربية الصحية وتحفيز ودعم عائلة المريض له . بين إلزامية الدواء رغم غلاء ثمنه و قساوة الحالة الاجتماعية و غلاء الأسعار ، و رغم صعوبة الاعتناء بمرضى السكري و تطلب ذلك الكثير من الصبر، كل هذه العوامل تضع العائلات الجزائرية المصابة بهذا الداء بين واقعين حتميين، غلاء تكاليف التداوي و غلاء الأسعار .