سيما الحق في تقرير المصير..بوغالي يؤكد أهمية ترسيخ الوعي بحقوق الشعوب في أذهان الناشئة    تبث على قناة "البلاد تيفي" والقناة الإلكترونية "دزاير توب"    مشاركون في ندوة علمية بالعاصمة..تأكيد على أهمية التحكم في تقنية الضوء السنكروتروني    الجزائر- زيمبابوي : فرص عديدة للتعاون بين البلدين    متحدث باسم حماس: لا بديل لغزة إلا المسجد الأقصى والتحرير الكامل لفلسطين    لليوم الثاني..اليمن يضرب عمق النقب المحتل مستهدفاً قاعدة "نيفاتيم"    كأس الكونفدرالية: شباب قسنطينة يفوز أمام بركان (1-0) ويغادر المنافسة    اليوم العالمي للسلامة والصحة في العمل: تعزيز الإجراءات الوقائية وترقية الترسانة القانونية    عن مسيرة الفنان محمد زينات : العرض الشرفي للوثائقي زينات.. الجزائر والسعادة    تكريما للفنان عبد الرحمن القبي.. ألمع نجوم الأغنية الشعبية في حفل فني بابن زيدون    حادث انزلاق التربة بوهران: ترحيل 182 عائلة الى سكنات جديدة بمسرغين    طابع عن مقرأة الجزائر    شراكة جزائرية صينية    الذكاء الاصطناعي والتراث موضوع أيام تكوينية    أسبوع للابتكار بجناح الجزائر    قفزة نوعية في قطاع التربية    مذكرة تفاهم جزائرية تركية    مزيان يحثّ على النزاهة والمسؤولية    مولودية وهران تتنفس    بو الزرد: الاقتصاد الوطني يشهد نجاعةً ونشاطاً    رئيس تونس يُقدّر الجزائر    تعزيز الأمن المائي من خلال تحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه المستعملة    حادث انزلاق التربة بوهران: مولوجي تسدي تعليمات للمصالح المحلية لقطاعها لمرافقة التكفل بالمتضررين    ندوة تاريخية بالجزائر العاصمة إحياء للذكرى ال67 لمعركة سوق أهراس الكبرى    رئيس الجمهورية يعزي عائلة ضحايا حادث انزلاق للتربة بوهران    البيض: جثماني المجاهدين سكوم العيد و بالصديق أحمد يواران الثرى    الجمباز الفني/كأس العالم (مرحلة القاهرة): تتويج الجزائرية كايليا نمور بذهبية اختصاصي جهاز مختلف الارتفاعات    الطبعة الرابعة للصالون الدولي "عنابة سياحة" من 8 إلى 10 مايو المقبل    القمة الإفريقية لتكنولوجيات الإعلام والاتصال : تكريم أفضل المنصات الرقمية في الجزائر لعام 2025    مؤسسات صغيرة ومتوسطة : "المالية الجزائرية للمساهمة" تعتزم بيع مساهماتها في البورصة هذه السنة    اسبانيا: تنظيم وقفة تضامنية مع المعتقلين السياسيين الصحراويين بالسجون المغربية بجزر الكناري    جيجل: وصول باخرة محملة بأزيد من 10 آلاف رأس غنم قادمة من رومانيا بميناء جن جن    كرة القدم/البطولة الافريقية للمحليين: مجيد بوقرة يستدعي 26 لاعبا للمواجهة المزدوجة أمام غامبيا    انطلاق أشغال الاجتماعات الدورية للمنسقين الإذاعيين والتلفزيونيين ومهندسي الاتصال العرب بالجزائر العاصمة    فلسطين : عشرات المستوطنين الصهاينة يقتحمون باحات المسجد الأقصى المبارك    تطرقنا إلى السيناريوهات العملية لإنتاج النظائر المشعة محليا    إطلاق جائزة أحسن بحث في القانون الانتخابي الجزائري    بدء عملية الحجز الالكتروني بفنادق مكة المكرمة    عطاف ينوّه بالإرث الإنساني الذي تركه البابا فرنسيس    دينو توبمولر يدافع عن شايبي    منتخب المصارعة بخطى التتويج في البطولة الإفريقية    الجزائر أمام فرصة صناعة قصة نجاح طاقوية    3 بواخر محملة بالخرفان المستوردة    ملتقى دولي حول مجازر8 ماي 1945    10 ملايير لتهيئة الطريق الرئيسي بديدوش مراد بولاية قسنطينة    ابنة الأسير عبد الله البرغوتي تكشف تفاصيل مروعة    انطلاق الحجز الإلكتروني لغرف فنادق مكة المكرمة    جاهزية تامة لتنظيم موسم حج 2025    عدسة توّثق جمال تراث جانت بشقيه المادي وغير المادي    صيدال يوقع مذكرة تفاهم مع مجموعة شنقيط فارما    حج 2025 : إطلاق برنامج تكويني لفائدة أعضاء الأفواج التنظيمية للبعثة الجزائرية    الجزائر حاضرة في موعد القاهرة    النخبة الوطنية تراهن على التاج القاري    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التوبة والإنابة :

الله تعالى من شأنه حبُّ الستر والصون لعباده , والتجاوز عن هفواتهم والعفو عن زلاتهم ,وقبول التوبة ممن تاب , قال تعالى : \" وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) سورة هود .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَىَّ ، قَالَ : وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ ، قَالَ : وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلاَةَ ، قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا ، فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللهِ ، قَالَ : أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ ، أَوْ قَالَ : حَدَّكَ. أخرجه البُخَارِي 8/206(6823) و\"مسلم\" 8/102 (7106).
ج- الستر على النفس وعدم المجاهرة بالمعصية :
يستحب لمن وقع في معصية وندم أن يبادر إلى التوبة منها ولا يخبر أحداً , عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : \" كُلُّ أَمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ \" . أخرجه البخاري 8/24(6069) و\"مسلم\" 8/224 .
عن ابن عمر رضي الله عنه:قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :\" اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله و ليتب إلى الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله .رواه الحاكم والبيهقي , تحقيق الألباني ( صحيح ) انظر حديث رقم : 149 في صحيح الجامع .
قالَ ابن بَطّال : فِي الجَهر بِالمَعصِيَةِ استِخفاف بِحَقِّ الله ورَسُوله وبِصالِحِي المُؤمِنِينَ، وفِيهِ ضَرب مِنَ العِناد لَهُم، وفِي السِّتر بِها السَّلامَة مِنَ الاستِخفاف، لأَنَّ المَعاصِي تُذِلّ أَهلها، ومِن إِقامَة الحَدّ عَلَيهِ إِن كانَ فِيهِ حَدّ ومَن التَّعزِير إِن لَم يُوجِب حَدًّا، وإِذا تَمَحَّضَ حَقّ الله فَهُو أَكرَم الأَكرَمِينَ ورَحمَته سَبَقَت غَضَبه، فَلِذَلِكَ إِذا سَتَرَهُ فِي الدُّنيا لَم يَفضَحهُ فِي الآخِرَة ، والَّذِي يُجاهِر يَفُوتهُ جَمِيع ذَلِكَ. فتح الباري 10:487.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ ِللهِ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ ، وَلكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ : أَنْ تَحْفَظَ الرَّاْسَ وَمَا وَعَى ، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ ، فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ.أخرجه أحمد 1/387(3671).
يقول الشاعر :
إذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي * وَلَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ
فَلاَ وَاَللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ * وَلاَ الدُّنْيَا إذَا ذَهَبَ الْحَيَاءُ
يَعِيشُ الْمَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْرٍ * وَيَبْقَى الْعُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ
عَنْ مَيْمُوْنٍ قَالَ: \"مَنْ أَسَاءَ سِرّاً، فَلْيَتُبْ سِرّاً، وَمَنْ أَسَاءَ عَلاَنِيَةً، فَلْيَتُبْ عَلاَنِيَةً فَإِنَّ النَّاسَ يُعَيِّرُوْنَ وَلاَ يَغْفِرُوْنَ، وَالله يَغْفِرُ وَلاَ يُعَيِّرُ. سير أعلام النبلاء 9:81.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة * * * والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحيي من نظر الإله وقل لها * * * إن الذي خلق الظلام يراني
وقال ابن القيم رحمه الله: \"الذنوبُ جراحاتٌ، ورُبَّ جرحٍ وقع في مقْتَلٍ، وما ضُرب عبدٌ بعقوبةٍ أعظمَ من قسوةِ القلبِ والبعدِ عن اللهِ، وأبعدُ القلوبِ عن الله القلبُ القاسي\" ورحم الله أبا العتاهية حين تخيل لو أن للذنوب رائحة كريهة تفوح فتفضح المذنب كيف يكون حالنا؟ وكيف أن الله قد أحسن بنا إذ جعل الذنوب بلا رائحة. فقال:
كيف إصلاح قلوبٍ * * * إنما هُنَّ قروح
أحسَنَ اللهُ إليْنا * * * أنَّ الخَطايا لا تَفوح
فإذا المستور منا * * * بين ثوبيه فَضوح
يروى أنهم أتوا إلى عمر رضي الله عنه برجل قد سرق فقال هذا السارق : أستحلفك بالله أن تعفو عني فإنها أول مرة ، فقال عمر رضي الله عنه : كذبت ليست هي المرة الأولى فأراد الرجل أن تثار الظنون حول عمر فقال له : أكنت تعلم الغيب ؟ فقال عمر رضي الله عنه : لا ، ولكني علمت أن الله لا يفضح عبده من أول مرة ، فقطعت يد الرجل فتبعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : أستحلفك بالله أهي أول مرة ؟ فقال : والله إنها هي الحادية والعشرون.
2- الستر على العاصي من صفات المؤمن الصالح :
الستر على أهل المعاصي وعدم تتبع سقطاتهم من صفات المؤمنين الصالحين , ومن حقوق الأخوة الإسلامية , قال تعالى : \" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) سورة الحجرات .
عَنْ سَالِمٍ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَخْرَجَهُ أحمد 2/91(5646) و\"البُخَارِي\" 3/168(2442) و\"مسلم\" 8/18(6670).
قال ابن حجر رحمه الله : \"أي: رآه على قبيحٍ فلم يُظهِره؛ أي: للناس، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه، ويحمل الأمر في جواز الشهادة عليه بذلك على ما إذا أنكر عليه ونصحه فلم ينتهِ عن قبيحِ فعلِه ثم جاهَر به، كما أنه مأمور بأن يستتر إذا وقع منه شيء، فلو توجَّه إلى الحاكم وأقرَّ لم يمتنع ذلك، والذي يظهر أن الستر محله في معصية قد انقضَتْ، والإنكار في معصية قد حصل التلبُّس بها، فيجب الإنكار عليه، وإلا رفَعَه إلى الحاكم، وليس من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة. فتح الباري\" (5/ 97).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا ، إِلاَّ سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أخرجه أحمد 2/388(9033) و\"مسلم\" 6686 .
ومعنى الستر هنا عامٌّ لا يتقيَّد بالستر البدني فقط، أو الستر المعنوي فقط، بل يشملهما جميعًا، فمَن ستَر مسلمًا ستَرَه الله في الدنيا والآخرة؛ ستَر بدنه كأن رأى منه عورة مكشوفة فستَرَها، أو رأت امرأة شيئًا من جسد أختها مكشوفًا غير منتبهة إليه فغطَّته، وستره معنويًّا فلم يظهر عيبه، فلم يسمح لأحدٍ أن يغتابه ولا أن يذمَّه، مَن فعل ذلك ستَرَه الله في الدنيا والآخرة، فلم يفضحه بإظهار عيوبه وذنوبه.
قال العلماء: إنه يجب على المسلم أن يستر أخاه المسلم إذا سأله عنه إنسان ظالم يريد قتله أو أخذ ماله ظلمًا، وكذا لو كان عنده أو عند غيره وديعة وسأل عنها ظالم يريد أخذها، يجب عليه سترها وإخفاؤها، ويجب عليه الكذب بإخفاء ذلك، ولو استحلَفَه عليها لزمه أن يحلف، ولكن الأحوط في هذا كله أن يورِّي، ولو ترَك التورية وأطلق عبارة الكذب، فليس بحرامٍ في هذه الحال. \"الأذكار\"؛ للإمام النووي (ص 580).
واستدلوا بجواز الكذب في هذه الحال بحديث أم كلثوم - رضي الله عنها -: أنها سمعت رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ليس الكذَّاب الذي يُصلِح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا. أخرجه البخاري (2/ 958، رقم 2546)، ومسلم (4/ 2011، رقم 2605).
أجمع العلماء على أن مَن اطَّلع على عيبٍ أو ذنبٍ أو فجورٍ لمؤمن من ذوي الهيئات أو نحوهم ممَّن لم يُعرَف بالشر والأذى ولم يشتهر بالفساد، ولم يكن داعيًا إليه؛ كأن يشرب مسكرًا أو يزني أو يفجر متخوفًا متخفيًا غير متهتِّك ولا مجاهر - يُندَب له أن يستره، ولا يكشفه للعامة أو الخاصة، ولا للحاكم أو غير الحاكم. الموسوعة الفقهية الكويتية\" (24/ 169).
وخصوصًا إذا كان ممَّن يُنسَب لأهل الدين، والطعنُ فيه طعنٌ في الإسلام، والعيبُ عليه عيبٌ في أهل الإسلام، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم: اقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ ، إلا الْحُدُودَ.أخرجه أحمد 6/181 والبخاري في (الأدب المفرد) (465).
وفي قصة ماعزُ بن مالكٍ الأسلمي ما يؤكد حث الإسلام على الستر على العصاة , فقد كان ماعز الأسلمي أحدُ الأصحاب الأخيار ممن وقر الإيمانُ في قلبه، فآمن بربه، وصدَّق برسالة نبيِّه، وعاش في مدينة رسول الله يَحمل بين جنبَيه نورَ الإيمان، وضياء التَّقوى، بَيْدَ أنَّه لم ينفك عن بشريَّته، ولم ينسلخ من ضعفه الآدمي؛ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [النساء: 28].
فزيَّن له الشيطانُ فعلَ الحرام، وأزَّته نفسُه الأمَّارة نحوَ الفاحشة أزًّا، وفي ساعة الغفلة وسكرة الشَّهوة وقع في الإثم، وكان من أمره ما كان.
عصى ماعزٌ ربَّه، وأيقن أنَّ ذاك من عَمَلِ الشيطان؛ إنه عدو مضل مبين، فاحترق قلبه، وتلوَّعت نفسُه ندمًا وأسفًا، وعاش أيامًا عدة في بُؤس وغمٍّ، وحسرةٍ وهمٍّ.
عندها قرر ماعز أنْ يبوحَ بأمره ذاك إلى أحد بني عشيرته، وهو هزَّال بن يزيد الأسلمي، الذي أشار عليه أن يعترفَ ويقرَّ أمام النبي - صلَّى الله عليه وسلم - بخطيئته.
مشى المذنب التائب تجرُّه رِجلاه نحوَ الرَّحمة المُهداة، فوقف في حياءٍ واستحياء، ونطق بجُرمه ومَعصيته، فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فكرر ماعز اعترافَه، وأقرَّ أربعًا، وألح على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُقيمَ حدَّ الله، فلم يكُن بدٌّ من إقامة الحد، حدِّ الرجم، فرجمه الصحابة حتَّى فاضت روحُه إلى بارئها، ثم صلَّى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا له، واستغفر، وأثنى على توبته وصدقه مع ربِّه.
فلما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ هزَّالاً الأسلميَّ هو الذي أشار عليه بالاعتراف، دعاه ثم قال: \" يا هزَّالُ، لو سترته بثَوْبك، كان خيرًا لك مما صنعت به\" . أخرجه أحمد 5/216(22235) و\"أبو داود\"4377 و\"النَّسائي\" في \"الكبرى\"7167, الألباني : الصحيحة 2/29.
والستر على الناس فضله عظيم وثوابه عميم , فعَنْ دُخَيْنٍ ، كَاتِبِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِعُقْبَةَ : إِنَّ لَنَا جِيرَانًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ ، وَأَنَا دَاعٍ لَهُمُ الشُّرَطَ فَيَأْخُذُوهُمْ ، فَقَالَ : لاَ تَفْعَلْ ، وَلَكِنْ عِظْهُمْ وَتَهَدَّدْهُمْ ، قَالَ : فَفَعَلَ ، فَلَمْ يَنْتَهُوا ، قَالَ : فَجَاءَهُ دُخَيْنٌ ، فَقَالَ : إِنِّي نَهَيْتُهُمْ ، فَلَمْ يَنْتَهُوا ، وَأَنَا دَاعٍ لَهُمُ الشُّرَطَ ، فَقَالَ عُقْبَةُ : وَيْحَكَ ، لاَ تَفْعَلْ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ مُؤْمِنٍ ، فَكَأَنَّمَا اسْتَحْيَا مَوْؤُدَةً مِنْ قَبْرِهَا. أخرجه أحمد 4/153(17530) و\"أبو داود\"4892 .
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ مَنْ قَدْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِى جَوْفِ رَحْلِهِ.
قَالَ وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ. أَخْرَجَهُ الترمذي (2032) الألباني:رقم : 7984 في صحيح الجامع .
ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم النموذج الأعلى في الستر على الناس وعدم تعييرهم بأخطائهم وهفواتهم , قال زَيْدَ بن أَسْلَمَ قال خَوَّاتَ بن جُبَيْرٍ ، قَالَ : نَزَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظَّهْرَانِ ، قَالَ : فَخَرَجْتُ مِنْ خِبَائِي فَإِذَا أَنَا بنسْوَةٍ يَتَحَدَّثْنَ ، فَأَعْجَبْنَنِي ، فَرَجَعْتُ فَاسْتَخْرَجْتُ عَيْبَتِي ، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا حُلَّةً فَلَبِسْتُهَا وَجِئْتُ فَجَلَسْتُ مَعَهُنَّ ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُبَّتِهِ ، فَقَالَ : أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا يُجْلِسُكَ مَعَهُنَّ ؟ , فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِبْتُهُ واخْتَلَطْتُ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ جَمَلٌ لِي شَرَدَ ، فَأَنَا أَبْتَغِي لَهُ قَيْدًا فَمَضَى وَاتَّبَعْتُهُ ، فَأَلْقَى إِلَيَّ رِدَاءَهُ وَدَخَلَ الأَرَاكَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ مَتْنِهِ فِي خَضِرَةِ الأَرَاكِ ، فَقَضَى حَاجَتَهُ وَتَوَضَّأَ ، فَأَقْبَلَ وَالْمَاءُ يَسِيلُ مِنْ لِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ ، أَوْ قَالَ : يَقْطُرُ مِنْ لِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ ، فَقَالَ : أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا فَعَلَ شِرَادُ جَمَلِكَ ؟ , ثُمَّ ارْتَحَلْنَا فَجَعَلَ لا يَلْحَقُنِي فِي الْمَسِيرِ ، إِلا قَالَ : السَّلامُ عَلَيْكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا فَعَلَ شِرَادُ ذَلِكَ الْجَمَلِ ؟ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ تَعَجَّلْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ ، واجْتَنَبْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُجَالَسَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ تَحَيَّنْتُ سَاعَةَ خَلْوَةِ الْمَسْجِدِ ، فَأَتَيْتُ الْمَسْجِدَ فَقُمْتُ أُصَلِّي ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْضِ حِجْرِهِ فَجْأَةً فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وطَوَّلْتُ رَجَاءَ أَنْ يَذْهَبَ ويَدَعُنِي ، فَقَالَ : طَوِّلْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا شِئْتَ أَنْ تُطَوِّلَ فَلَسْتُ قَائِمًا حَتَّى تَنْصَرِفَ ، , فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : وَاللَّهِ لأَعْتَذِرَنَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأُبْرِئْنَ صَدْرَهُ ، فَلَمَّا قَالَ : السَّلامُ عَلَيْكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا فَعَلَ شِرَادُ ذَلِكَ الْجَمَلِ ؟ , فَقُلْتُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا شَرَدَ ذَلِكَ الْجَمَلُ مُنْذُ أَسْلَمَ ، فَقَالَ : رَحِمَكَ اللَّهُ ثَلاثًا ، ثُمَّ لَمْ يُعِدْ لِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ . أخرجه الطبرانى (4/203 ، رقم 4146) قال الهيثمى (9/401) رواه الطبرانى من طريقين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير الجراح بن مخلد وهو ثقة .
قال بعض العلماء: اجتهِد أن تستر العصاة؛ فإن ظهور معاصيهم عيبٌ في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب ,وقال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: \"المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير. جامع العلوم والحكم\" (1/ 82).
لمّا ركب ابن سيرين الدّين وحبس به ، قال : إني أعرف الذنب الذي أصابني يهذا ، عيّرتُ رجلاَ منذُ أربعين سنة ، فقلت له : يا مفلس .
قال الشاعر :
لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا * * * فيكشف الله ستراَ من مساويكما
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا * * * ولا تعب أحداَ منهم بما فيكا
وا ستغن بالله عن كل فإن به * * * غنى لكل ،وثق بالله يكفيكا
ُحكى أن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- كان له كاتب، وكان جيران هذا الكاتب يشربون الخمر؛ فقال يومًا لعقبة: إنَّ لنا جيرانًا يشربون الخمر، وسأبلغ الشرطة ليأخذوهم، فقال له عقبة: لا تفعل وعِظْهُمْ. فقال الكاتب: إني نهيتهم فلم ينتهوا، وأنا داعٍ لهم الشرطة ليأخذوهم، فهذا أفضل عقاب لهم. فقال له عقبة: ويحك. لا تفعل؛ فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة) .
حكى الشعبي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جلس بين مجموعة من أصحابه، وفيهم جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- وبينما هم جالسون أخرج أحد الحاضرين ريحًا، وأراد عمر أن يأمر صاحب ذلك الريح أن يقوم فيتوضأ، فقال جرير لعمر: يا أمير المؤمنين، أو يتوضأ القوم جميعًا. فسُرَّ عمر بن الخطاب من رأيه وقال له: رحمك الله. نِعْمَ السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام. البداية والنهاية 8/61.
قال سفيان بن حسين: ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية فنظر في وجهي, وقال: أغزوت الروم؟؟قلت: لا قال: أغزوت الهند أو السند أو الترك؟؟قلت: لا قال: أفسلم منك الروم, والهند , والسند , والترك؟!ولم يسلم منك أخوك المسلم! .
كان معروف الكرخي قاعدا يوم على دجلة ببغداد فمر به صبيان في زورق يضربون بالملاهي ويشربون فقال له أصحابه:أما ترى هؤلاء يعصون الله تعالى على هذا الماء؟ادع عليهم فرفع يديه إلى السماء وقال:الهي وسيدي كما فرحتهم في الدنيا أسألك أن تفرحهم في الآخرة. فقال له صاحبه:أنما سألناك أن تدعو عليهم ولم نقل ادع لهم, فقال:أذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضركم هذا. ابن الملقن : طبقات الأولياء 1/47.
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَصَابَ ذَنْبًا وَكَانُوا يَسُبُّونَهُ، فَقَالَ: \" أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَجَدْتُمُوهُ فِي قَلِيبٍ أَلَمْ تَكُونُوا تَسْتَخْرِجُونَهُ ؟ \" قَالُوا: بَلَى . قَالَ: \" فَلَا تَسُبُّوا أَخَاكُمْ، وَاحْمَدُوا اللهَ الَّذِي عَافَاكُمْ \"، قَالُوا: أَفَلَا نَبْغَضُهُ ؟ قَالَ: \" إِنَّمَا أَبْغَضُ عَمَلُهُ فَإِذَا تَرَكَ فَهُوَ أَخِي \". البيهقي : شعب الإيمان 9/63.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.