منذ أيام أجرى رئيس الدولة تغييرات واسعة في سلك القضاء , مباشرة بعد تعيين وزير عدل جديد , ولعل القاسم المشترك بين معظم التعيينات الأخيرة في المجالس القضائية, أنها جاءت بقضاة لم يسبق لهم شغل المناصب الجديدة التي تمت ترقيتهم ليشغلوها, وهو ما يمكن اعتباره انعكاسا للتصريحات «الصريحة» لوزير العدل حافظ الأختام , التي توعد من خلالها بمحاربة الفساد في جميع القطاعات, وفي قطاع العدالة الذي توعد بتطهيره من القضاة المشكوك فيهم من ذوي السمعة السيئة , مؤكدا تصميمه على استرجاع هيبة الدولة بالتصدي للفساد . وقد ألحق الوزير القول بالفعل عندما أصدر قرارات توقيف مؤقت ضد قاضيين ووكيل جمهورية بشبهة سوء استغلال الوظيفة و خرق الإجراءات القانونية وانتحال صفة الغير.و في نفس السياق كان القاضي المحقق لدى المحكمة العليا قد أمر أول أمس بإيداع وزير العدل الأسبق الطيب لوح الحبس المؤقت بسجن الحراش لمتابعته في وقائع تتعلق بإساءة استغلال الوظيفة، إعاقة السير الحسن للعدالة، التحريض على التحيز والتحريض على التزوير في محررات رسمية. وهكذا يكون برنامج إصلاح العدالة الذي انطلق منذ أكتوبر 1999 , بهدف تشخيص دقيق لأوضاع القطاع و» اقتراح تدابير مناسبة لإرساء قواعد نظام قضائي صلب و فعال قادر على الإستجابة لتطلعات المواطن وعلى المساهمة في بناء دولة القانون، والهدف من وراء ذلك تصالح المواطن مع مؤسسات بلاده وخاصة استرجاع ثقته في العدالة»و تكون «التدابير الاستعجالية» المتخذة في ظل هذا الإصلاح من قبيل «مراجعة المنظومة القانونية , تنمية الموارد البشرية , عصرنة العدالة و إصلاح السجون , الوسائل و الموارد المالية , ...إلخ « يكون هذا البرنامج قد تمخض فأنتج ملفات لا حصر لها حول شبهات فساد طالت كبار المسؤولين في الدولة , ممن اسندت لهم تجسيد هذه الإصلاحات ؟ لقد شغل ملف إصلاح العدالة حيزا معتبرا في جميع البرامج السياسية للرؤساء المتعاقبين على حكم الجزائر المستقلة , وما من عهدة رئاسية إلا و اهتمت بدعم المنظومة القانونية لمحاربة كل أشكال الجريمة وضمان حقوق المواطن الفردية و الجماعية, المدنية منها والسياسية, والسهر على التكوين النوعي و بالعدد الكافي للقضاة وللأسلاك المساعدة للقضاء , وكذا عصرنة جهاز العدالة بمختلف مؤسساته القضائية الإدارية و العقابية . وهي الإصلاحات المتعاقبة , التي أثرت المنظومة القانونية بدساتير و تعديلاتها المختلفة و تشكيلة من القوانين العضوية و التشريعية الخاصة والعامة , المعززة للديمقراطية و المكرسة لدولة القانون خاصة و أن الجزائر كرست هذه الإصلاحات من خلال التوقيع و التصديق على كل المعاهدات و الاتفاقيات الدولية وملحقاتها المكرسة لحقوق الإنسان . كما حظي قانون الصفقات العمومية عدة تعديلات خلال السنوات الأخيرة للتوفيق بين مقتضيات المال العام والقضاء على الفساد من جهة و بين ضرورة تسهيل إجراءات الصفقات العمومية وتشجيع الاستثمار ومخططات التنمية من جهة أخرى . إنها إصلاحات قد تكون استهدف الشكل , لكن المضمون من المفروض أن يضمنه الإنسان سواء كان قاضيا أو متقاضيا أو وسيطا بينهما .لأن الإشكال الذي ظل مطروحا , هو استمرار الإحساس لدى المواطن بغياب العدالة رغم توفر كل مستلزماتها القانونية البشرية و المادية ؟ و لعل الحملة الجارية ضد الفساد و الشخصيات التي طالتها , تفسر جانبا من هذا الشعور بغياب العدالة. فقد كانت ضحية شخصيات وازنة عملت على حضورها شكلا و قولا و غيابها عملا و أحكاما.