{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} …ميثاق الفطرة    فتاوى : زكاة الذهب الذي ادخرته الأم لزينة ابنتها؟    المؤمن لا يعيش بين لو وليت    خلال أشغال مؤتمر "يونيدو" بالرياض : عرقاب يستعرض مشاريع الجزائر الطاقوية والهيكلية الكبرى    البحث مستمر عن مفقودين.. حصيلة فيضانات فيتنام ترتفع إلى 90 قتيلاً    غزّة لا تزال تفعل العجائب    مجلة "الدبلوماسية الاقتصادية الإيطالية" تخصص ملفا عن الجزائر : تنامي اهتمام الشركات الإيطالية بالسوق الوطنية    بودن يلتقي بكينشاسا مع الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي    أبناء الجزائر.. ثروتها الحقيقية    أوكرانيا في مرمى العاصفة الأمريكية    اليوم التالي بنسخته الأمريكية    مشاريع جديدة للتكفّل بآثار التقلّبات الجوية    تساقط للثلوج على ولايات بشرق البلاد    إنشاء 10 آلاف مؤسّسة ناشئة في ظرف وجيز    انطلاق الصالون الوطني للتشغيل والتكوين والمقاولاتية    اختتام الطبعة الأولى لأولمبياد المهن    قرعة الحج تصنع أفراح آلاف العائلات    خنشلة : توقيف رجل و امرأة وحجز 20 كلغ مخدرات    ربات البيوت يتسابقن على تخليل الزيتون    ضرورة "مراقبة أجهزة التدفئة وسخانات المياه "    نخطّط لتجهيز مؤسسات الشباب بالعتاد والوسائل الحديثة    تخصيص 100 ألف يورو مساعدات للاجئين الصحراويين    الرئيس يقرر رفع الحدّ الأدنى للأجور وتحسين منحة البطالة    الجزائر تسعى إلى أن تكون قاطرة للابتكار و الاستثمار في افريقيا    يد الجزائر ممدودة لمساعدة دول الساحل    أولمبيك أقبو يقفز للوصافة    نجحنا بنموذج تنموي خاص    قوائم الأفلان للانتخابات المقبلة مفتوحة أمام جميع المناضلين    ضبط استيراد الأثاث يشجع الإنتاج الوطني    الكفاءات الجزائرية لتجسيد المشروع    جوهانسبورغ تحتضن قمة مجموعة العشرين    القضية الصحراوية في قلب النّقاش بجامعة "لاغونا" الكنارية    الخط المنجمي الغربي مكسب وطني ومشروع لكل الجزائريين    حان الوقت لتفعيل النّقابات بمؤسسات القطاع الخاص    مدرب فينورد يصدم حاج موسى بخصوص خلافة محرز    بركان يؤكد طموحاته العالية في كأس العرب    شخصية مازة تبهر الألمان ونصيحة ألونسو خدمته    "عيد الميلاد" أداء متفرد    عاصمة الحماديّين تكشف عن موروثها الثري    معرض "من خلال عيوننا".. تعبير عن أحلام كبيرة    باحثون وخبراء يدعون لتسهيل الاستفادة من العقار الصناعي    برنامج سنوي يحمل في طياته رسالة إنسانية    20 دولة في المهرجان الدولي للمنمنمات وفنون الزخرفة    مشاركة قياسية منتظرة في سباق الدرب بالشريعة    بوقرة يُقيّم الخيارات المتاحة    وزير الصحة يبرز جهود الدولة    الرئيس يترحّم على ابن باديس    ترقية المنظومة الوطنية الصحية في الهضاب العليا والجنوب    توقرت تحيي الذكرى ال68 لاستشهاد البطلين محمد عمران بوليفة ولزهاري تونسي    مشاركون في المهرجان الدولي للفيلم القصير بتيميمون.. دعوة إلى تطوير الصناعة السينمائية وتحسين أدائها    وردة آمال في ذمّة الله    يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار    وسط ارتفاع المقلق لحالات البتر..التأكيد على الفحص المبكر لحالات مرض القدم السكري    حوارية مع سقراط    عمورة ثالث هدافي العالم في تصفيات مونديال 2026    تحسبا لكأس أفريقيا 2025.. 3 منتخبات إفريقية ترغب في إقامة معسكرها الإعدادي بالجزائر    ورقلة.. يوم دراسي لتعزيز ثقافة الاتصال داخل المرافق الصحية العمومية    دعاء في جوف الليل يفتح لك أبواب الرزق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عرس الحَمَام
نشر في الجمهورية يوم 18 - 11 - 2019

كان لكل موسم حكاياه وقصصه وأحجياته ، وتفاصيل الأحداث الشيقة النائمة في طيات الموروث الشعبي وذاكرته الحية على الدوام، المتوارثة بين الأجيال على لسان الجدات والأجداد، والحكائين الذين كانوا بمثابة الصندوق السحري للذاكرة الجمعية. شتاء تتكوم أحجياتنا معنا تحت ما توفر من دفء، صيفا حكاياتنا تفرد أجنحتها تحت نور القمر، بين أحضان البطمة العتيقة أو الدردارة السخية بظلها أو الزبوجة حارسة المقام.
ثلاث أشجار لكل واحدة تاريخها الدقيق والعميق مع نساء القرية وفتياتها وفتيانها. هي الأشجار حافظة الجمال والأسرار. من كل هذا يطل الجد الجميل والبهي، الأنيق دوما. جد الجميع لأنه كان أيضا جد من لا جدله. كنا نتنافس على ترتيب أغراضه القليلة وطيّ ألبسته المشعة بياضا وكأنها لولي صالح. نتسابق إلى حمل عصاه ووضع خفيه عند أقدامه وفرد سجادة الصلاة وجمعها ووضعها في الكوة الخاصة بها، عند الوتد المعلقة عليه جلابية النوم. ما إن ينزع رزته لطقوس الوضوء والصلاة أو النوم، حتى نهرع إلى لمس شعره الفضي الذي ينسدل على كتفيه مثل شلال من النور، نمسد عليه بنحو ونشم رائحته الزكية. يستسلم لحركاتنا بكل طيبة ووداعة مثل القط الأليف. كنا نتكوم حوله ملتصقين كالقطط المستدفئة ببعضها البعض، في انتظار تلك الللحظات التشويقية، التي سترحل بِنَا إلى عوالم خاصة، كل واحد فينا يتخيلها ويثريها كما يشاء حسب ذكائه وقدرته التخييلية .
معه لكل حرف قصة ولكل كلمة حكاية ولكل الأشياء تاريخ وجغرافيا ولكل نبتة قلب وذاكرة وروح. قبل أن يباشر الحكاية، ينادي فتيات العائلة السبع كل واحدة باسمها، يُجلسهن على يمينه وشماله حماية لهن من شيطنتنا وملعنتنا، أما نحن فنشكل نصف دائرة بعيون مُبرققة، وآذان متوثبة مثل آذان القط والأرانب المتوجسة. كانت له قصص وطرائف عجيبة مع الحمام، يعرف أنواعه وأسماءه وطرق عيشه، لدرجة أنه كان يبني له مساكن فنية جميلة بكل أنواع الطين، تظهر من بعيد مثل أقواس القرميد؛ كتلك التي تزين أطراف الأسطح والنوافذ في بعض القرى والمداشر، حماية لها من الأمطار والثلوج والعواصف وحرارة الصيف. كان الحمام عنده يرمز إلى المحبة والأمن وصفاء الروح؛ كما في الأساطير القديمة وثقافات الشعوب الأخرى المتنوعة. كان يعرف سر الأعشاب الخاصة بمداواته إذا ما أصيب بضرر أو بحالة انطواء واكتئاب؛ كنا نندهش لكلمة اكتئاب وهو يرددها مرات، لم نكن نعرف أو ندرك أن الحمام هو الآخر يصاب بالاكتئاب كما الإنسان.
كان يردد على مسامعنا باستمرار وحتى لا ننسى أو نتناسى: كل خلق الله، من حيوانات ونباتات وحتى أدق حبات الرمل وحبات الحجر تصاب بالاكتئاب، وهي في حاجة إلى دفء من قلوبنا ورعاية من عيوننا. هكذا كان يعلمنا حب الطبيعة وحمايتها والرأفة بالحيوانات وعدم إيذائها؛ إذ كثيرون هم أطفال القرية الذين كانوا يصطادون كل أنواع الطيور وعلى رأسها طير الحمام، وذبحها وشويها بعيدا عن أنظار الكبار خوفا من التأنيب والتوبيخ والفأل السيء؛ لأن الناس كانوا يتطيرون من أذية الطيور وعلى رأسها الحمام، لما له من رمزية عميقة في ذهنية الناس والموروث الشعبي والإنساني. الحالات الوحيدة التي كان يُسمح فيها بأكل طير الحمام، المرأة الحامل في الشهر التاسع وبعد الولادة؛ لأنه يدر الحليب ويعطي المرأة النافسة القوة، أو المريض المصاب باليرقان لتقوية مناعته. كان يرسل الحمام عدة مرات إلى مزرعته يوم دوره في السقي، يأتيه الحمام بالعشب المندى وبشيء من الطين في قوائمه، كما النبي نوح عليه السلام؛ وقصته مع الحمامة للبحث عن اليابسة بعد النجاة؛ والتي أتته يوما حاملة بمنقارها عُرف زيتون يبهج بخضرته ولمعانه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.