ينتظر أن تنطلق اليوم بمحكمة سيدي محمد بالجزائر العاصمة وقائع محاكمة المسؤولين في قضايا الفساد التي عالجتها غرف التحقيق منذ شهر مارس الماضي , و ستتم هذه المحاكمة في جلسات علنية حسبما أعلن عنه وزير العدل حافظ الأختام في وقت سابق أمام أعضاء مجلس الأمة. و تتعلق هذه القضايا على وجه الخصوص بمنح امتيازات من غير وجه حق لمتعاملي تركيب السيارات التي تورط فيها وزيران أولان سابقان , إلى جانب وزراء سابقين تعاقبوا على وزارة الصناعة , فضلا عن رجال الأعمال المعنيين بنشاط تركيب السيارات . ورغم أن تاريخ المحاكمة مرتبط عادة بآجال محددة قانونا , إلا أن تزامنها مع الحملة الانتخابية لرئاسيات 12/12, قد يضفي عليها أبعادا أخرى , و يتمخض عن بدئها قبل أيام قليلة من توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع , أحداثا متوقعة مثل ما صدر عن البرلمان الأوروبي ,الذي يبدو أن تسبيق المحاكمة على الانتخابات أرغمه على إظهار ما كان يخفيه حيال المسار الانتخابي الذي لم يحد قيد أنملة عما ينص عليه دستور البلاد و ما تفرضه المبادئ والتقاليد الديمقراطية, إذ يبدو أن وراء أكمة البرلمانيين الأوروبيين ما وراءها , بخصوص الأسرار والحقائق التي ستكشف عنها المحاكمة العلنية للرأي العام الوطني و العالمي , إذ لا يمكن لهيئة تشريعية مثل "البرلمان الأوروبي" أن يسلط أضواءه على حوادث معزولة تتعلق بتعامل رجال الأمن مع مثيري الشغب و المعتدين على حرية الآخرين, وتخفى عليه قضايا فساد من هذا الحجم الذي ستنظر فيها محكمة سيدي امحمد ؟ لأن جل أو كل الأموال المنهوبة جراء هذه القضايا , كانت تحوّل إلى الملاذات الأوروبية , لتحرك جمود أسواق العقارات بها علما أن "كل الأنظمة في دول الثورات الربيعية ،قد طالبت الدول العربية والأوروبية بمساعدتها في استرداد تلك الأموال، لكن دون جدوى إلى حد الآن ، فبالرغم من وضوح وإلزام اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد لكل الدول التي وقَّعتها بإرجاع الأموال المُهرَّبة إلى البلد المعني، إلا أنّ العديد من الدول ترفض أو تماطل في إرجاع تلك الأموال المنهوبة. و بالتالي فإن طريق الجزائر في هذا الاتجاه قد تحدد معالمه وقائع محاكمة رموز الفساد , بإدانة المتورطين و مصادرة هذه الأموال أينما وجدت أي في الدول الأوروبية و منها فرنسا "راعية الفاسدين" بحكم ما حظيت به من استثمارات هؤلاء دون أن تتحرك سلطاتها أو برلمانيوها لوقف ما عانى منه الاقتصاد الوطني من استنزاف , رفعته بعض التقديرات إلى حدود 300 مليار دولار"؟ فعلى الجزائريين ألا يسأموا أو يتعجلوا النتائج ,و أن يتسلحوا بالصبر الجميل و تحمل طول الانتظار, و أن يصروا على استرجاع الأموال المنهوبة بكل الطرق المتاحة بغض النظر عن استفزازات البرلمان الأوروبي وأعضائه المتصهينين سواء حول الانتخابات أو حول قضايا أخرى , ستعود تلقائيا إلى سطح الأحداث , في إطار المعاملة بالمثل التي غالبا ما غضت السلطات الجزائرية السابقة الطرف , مثل قانون تجريم الاستعمار الفرنسي الذي كان من المفروض إقراره منذ سنة 2005 عقب إقرار الجمعية الوطنية الفرنسية قانون تمجيد الاستعمار , الذي مازال برلمانيو فرنسا يفتخرون به في مرافعاتهم العنصرية , كما فعل أحدهم قبل تبني لائحة العار حول الوضع الإنساني في الجزائر ؟ لا ندري كم من الوقت ستستغرقه هذه المحاكمة قبل النطق الحكم , و لكن الأكيد أن استمرارها بعد الرئاسيات سيؤكد "للمشككين و المترددين في الداخل و الخارج" حول جدية مسار مكافحة الفساد , أن السلطة القضائية أظهرت امتلاكها إرادة سياسية للمضي قدما في هذا الطريق , و بدون مثل هذه الإرادة لن يستطيع "عباقرة القضاة و ضباط الشرطية القضائية مواجهتها في غياب الإراد السياسية "كما لاحظ ذلك وزير العدل حافظ الأختام ؛مشيرا في هذا الخصوص :"أن ما حققه قطاع العدالة منذ - مارس الماضي –من نتائج في محاربة الفساد و قطع دابر المفسدين , لم يحققه القطاع منذ وجود قانون مكافحة الفساد والوقاية منه سنة 2006"؟. من جهة أخرى, فعن أطوار المحاكمة لن تتوقف عند تهم سوء استغلال الوظيفة ومنح مزايا وامتيازات من دون وجه حق وتلقي رشاوى وتبديد المال العام, إنما ستمتد إلى تهم أخطر مثل التخابر مع جهات أجنبية, مما يعيدنا مرة أخرى إلى لائحة البرلمان الأوروبي, التي لم يكن هدفها دعم شرذمة موالين للغرب ولفرنسا, أو البحث عن مكانة سياسية, وإنما حملة ممنهجة لحماية عملائه ومخبريه, وما تكشف عنه مجريات المحاكمة من أسرار صادمة للرأي العام الوطني والخارجي, كما وصفها وزير العدل ؟