كالعادة.. صار العدّ التنازلي لقدوم شهر رمضان إيذانا بشن غارة شعواء على كل ما من شأنه أن تبلعه البطنُ و لو ظلّ الفم فاقدا لأسنانه ، لأنّ المهم هو «السرط» و تعبئة البطون المصفّرة بكل شيء وأيّ شيء لتأتي التخمة «فالقَلَسُ» فتبرير الوجود يؤكده الأكل و النهم ، في زمن تغيب فيه تماما ثقافة الاستهلاك ، بل أكثر من ذلك يستحوذ سلوك التبذير. والمصيبة أن حتّى أصحاب المداخيل البسيطة صارت تستدرجهم للمشاركة في هذه الحرب الضروس على المحلات و كلّ ما يُباع و كأنّ القوم صيامٌ في باقي الأشهر. عندما يغيب الوعي بالأشياء فالطبيعة لا تبقى فارغة إطلاقا بل يستأسد التصرّف الأعوج، أكثر من ذلك تضيع القيّم، لأنّه عندما يتغلّب المادي المتمثل في مجرّد الأكل لإثبات الوجود على الروحاني المتمثل في اغتنام فضائل هذا الشهر الذي ابتغاه الله لنفسه و أكّد أنّه يجزي به ، فتلك طامة لم تسبقنا إليها أمم ، و لو كان قياس التقدّم و الحداثة بالمآسي التي تقرقع في البطون و ما نأكل و ما تمتلئ به الكروش التي تصير مجرّد جلدة منفوخة لشغلنا الورى ، و لكن .. حالنا يغني عن طرح السؤال. ليس هذا فحسب بل أغلب ما نأكله لا ننتجه و تتحمّل الدولة وزر الفاتورات المفلفلة في زمن الأزمات ، لنجد نصف الطعام تتغذّى به دلاء القمامات ، و قوما آخرين جوعى لكنّهم لا يسألون النّاس صدقات و لا عطايا و طرفا ثان غارقا في صولات و جولات على الموائد مفعما بشراهة شحن البضاعة إلى البطن تحسبا للبكاء و النحيب عند الصيدليات و الاستعجالات.