سنعود أقوى وبدعم من الجمعية العامة من أجل العضوية الكاملة لفلسطين بالأمم المتحدة    وزير الاتصال : منع دخول الصحفي فريد عليلات الى الجزائر لا يتعلق به كمواطن بل كمبعوث للوسيلة الاعلامية التي يشتغل فيها    عطاف يجري لقاءين ثنائيين مع نظيريه البرازيلي و الاردني بنيويورك    الانتهاء من إعداد مشروع صندوق دعم الصحافة    بلمهدي يبرز أهمية التوجه نحو البعد الإفريقي عبر الدبلوماسية الدينية    مجلس الأمن يخفق في تمرير مشروع قرار متعلق بانضمام دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة    فلاحة: القطاع على أهبة الاستعداد لإطلاق عملية الإحصاء العام    محاكم تجارية متخصصة: اصدار توصيات لتحسين سير عمل هذه المحاكم    "مشروع تحويل المياه من سدود الطارف سيحقق الأمن المائي لولايتي تبسة و سوق أهراس"    الناخب الوطني فلاديمير بيتكوفيتش يحضر جانبا من تدريبات النادي الرياضي القسنطيني    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    كاس الجزائر أكابر (الدور نصف النهائي): مولودية الجزائر - شباب قسنطينة بدون حضور الجمهور    فلسطين: ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة إلى 33 ألفا و 970 شهيدا    زيتوني يشدد على ضرورة إستكمال التحول الرقمي للقطاع في الآجال المحددة    مسار إستحداث الشركة الوطنية للطباعة جاري    فايد يشارك في أشغال الإجتماعات الربيعية بواشنطن    وزارة الدفاع: إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار و توقيف 10 عناصر دعم خلال أسبوع    من خلال إتمام ما تبقى من مشاريع سكنية: إجراءات استباقية لطي ملف «عدل 2»    الجهوي الأول لرابطة باتنة: شباب بوجلبانة يعمق الفارق    سدراتة و«الأهراس» بنفس الإيقاع    رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي يؤكد: تشجيع الإشراف التشاركي في العملية الانتخابية المقبلة    سطيف: ربط 660 مستثمرة فلاحية بالكهرباء    أرسلت مساعدات إلى ولايات الجنوب المتضررة من الفيضانات: جمعية البركة الجزائرية أدخلت 9 شاحنات محمّلة بالخيّم و التمور إلى غزة    سترة أحد المشتبه بهم أوصلت لباقي أفرادها: الإطاحة بشبكة سرقة الكوابل النحاسية بمعافة في باتنة    انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة : تأجيل التصويت على مشروع قرار الجزائر إلى غد الجمعة    أكاديميون وباحثون خلال ملتقى وطني بقسنطينة: الخطاب التعليمي لجمعية العلماء المسلمين كان تجديديا    وزير الاتصال و مديرية الاعلام بالرئاسة يعزيان: الصحفي محمد مرزوقي في ذمة الله    كرة اليد/كأس إفريقيا للأندية (وهران-2024): الأندية الجزائرية تعول على مشوار مشرف أمام أقوى فرق القارة    مجمع سونلغاز: توقيع اتفاق مع جنرال إلكتريك    68 رحلة جوية داخلية هذا الصيف    عون يؤكد أهمية خلق شبكة للمناولة    تظاهرات عديدة في يوم العلم عبر ربوع الوطن    لم لا تؤلّف الكتب أيها الشيخ؟    توزيع الجوائز على الفائزين    الحكومة تدرس مشاريع قوانين وعروضا    من يحرر فلسطين غير الشعوب..؟!    تفكيك جماعة إجرامية تزور يقودها رجل سبعيني    دعوة لضرورة استئناف عملية السلام دون تأخير    هذا موعد عيد الأضحى    أحزاب ليبية تطالب غوتيريس بتطوير أداء البعثة الأممية    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    أول طبعة لملتقى تيارت العربي للفنون التشكيلية    بطاقة اشتراك موحدة بين القطار والحافلة    ضرورة جاهزية المطارات لإنجاح موسم الحج 2024    نحضر لعقد الجمعية الانتخابية والموسم ينتهي بداية جوان    معارض، محاضرات وورشات في شهر التراث    شيء من الخيال في عالم واقعي خلاب    مكيديش يبرر التعثر أمام بارادو ويتحدث عن الإرهاق    نريد التتويج بكأس الجزائر لدخول التاريخ    حجز 20 طنا من المواد الغذائية واللحوم الفاسدة في رمضان    نسب متقدمة في الربط بالكهرباء    تراجع كميات الخبز الملقى في المزابل بقسنطينة    انطلاق أسبوع الوقاية من السمنة والسكري    انطلاق عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرايا عاكسة
نشر في الجمهورية يوم 08 - 11 - 2021

هناك إشكالية تتعلق بالمنظومة المصطلحية:لخيال والتخييل والمخيل والمتخيل والمخيال والتخيل والمخيلة، إذ لا يوجد، في مختلف الدراسات تحديد دقيق لهذه الكلمات التي تتردد في عدة مقاربات. لقد استعملت بتباين مفهومي، مع أنها وجدت منذ القدم مع ابن سينا في علاقته بالفلسفة اليونانية، وتحديدا أرسطو، ومع عبد القاهر الجرجاني وحازم القرطاجني، في تأثرهما بابن سينا والفارابي وابن رشد، وصولا إلى الدرس النقدي الجديد.
القواميس المختلفة لا تضع، بدورها، ضوابط نهائية لهذه المصطلحات المتداخلة، المحصورة ما بين الخيال، بمفهومه العام، كمحاكاة ووهم وتجاوز وأثر، وبين المتخيل كموضوعات سردية أو شعرية،مع ما اكتنف ذلك من تداخلات أثناء التعامل مع المنجزين الشعري والنثري، إذ عادة ما لا يتمّ التمييز بين هذا وذاك.
يتقاطع ابن سينا، الذي تأثر بالفارابي، مع بعض منظورات الشعرية والسيمياء والأسلوبية والشكلانية، وذاك ما سنلاحظه في مقولات البلاغيين الذين استفادوا منه لاحقا، ويصبح الخيال (المخيل)، أو (التخيل) مرتبطا بالهيئة، أو بكيفية القول، بصرف النظر عن ثنائية الصدق والكذب، وسيكون، بمفهوم القدامى، ذا علاقة بتجاوز الخطابة والحقيقة.
فإذا كانت هذه الأخيرة تؤسس على التصديق، أي على الواقع الممكن، وبأشكال مشتركة، فإنّ المخيل يبني على التأثير والعدول، أي أنّ قيمة الشعر ليست في المادة وحدها، بل في هيئتها، أمّا معناه فليس عقليا بالضرورة، في حين يرتبط معنى الخطابة بالتبيين والحقيقة، وليس بالبيان.
نجد الأمر ذاته في المؤلفات الحديثة التي بنت على المنظور اليوناني للتمييز بين ما هو شعري وما لا ينتمي لحقل الشعر، وما بين الواقع والخيال، كما يتجلى في هذا الطرح الموجز لمفهوم الكتابة الشعرية الذي ورد في كتاب الخيال والإلقاء لجيرار جينيت :«يكون الشاعر أكبر بما يخترعه من أخيلة، وليس بالأبيات التي يؤلفها". ومع الاختلافات القائمة بين النقاد، هل يمكن الوصول إلى هذه النتيجة التي تبدو أقرب إلى الحقيقة الأدبية؟ ، كتب حسين خمري في مؤلفه فضاء المتخيل: "إن الكلام النظري عن علاقة المتخيل بالواقع، يظل يدور دائما في فلك المماحكات الأيديولوجية، لأنه لا ينطلق من تعريف واضح ومحدد لكلّ من المتخيل والواقع، وبالتالي الكشف عن العلاقة التي تجمعهما أو تفرقهما". يمكننا أن نجد، خارج الحقل الإبداعي،عادات وثقافات لا تؤمن بالملموس والحقيقة الحياتية قدر إيمانها بالخيال كحقيقة جامعة، كما في الفهم البوذي الذي يرى أنّ الواقع ليس إلا وهم عقلي يمكن تجاوزه، وهو الفهم الذي نجده في حضارة المايا الذي يعدّ، من منظور التحليل النفسي، حالات نفسانية قريبة من الحالات المرضية، وبالمقابل فإنّ هناك من الهنود من يضع الخيال والواقع والحلم في خانة واحدة بالنظر إلى المجاورات التي تسم الكلمات الثلاث التي ستصبح في مستوى واحد.
نشير إلى أنّ أرسطو يعتبر الخيال إنتاجا يتطلب ذكاء معينا لتجسيده. أمّا إذا استعمل دون تنظيم واضح المعالم، أو دون إدخاله في بنية دالة على لمية الاستعانة به، فإنّ قيمته المثلى تتراجع لتصبح صدى باهتا للانطباع العابر، أي مجرد انشطار واهن للنفس والتعبير،هكذا يغدو وضعه ثانويا، أي أقلّ قيمة وتأثيرا من الخيال العارف الذي يحتكم إلى زاد له ما يبرر وجوده في تقوية الحسّ وترجمته، أو في الطاقة الاستدلالية الناقلة للمادة المشتركة بين العام والخاص.
تدلّ هذه الفكرة على طبيعة الخيال كنشاط معرفي خلاق يقوم على تجميع الأشكال وإعادة استغلالها في تمثيل له منظومة من المعارف، وهو يسعى إلى تقديم المادة السردية أو الشعرية انطلاقا من شكل دال لا يرتبط بالواقع الحرفي المشترك، على الأقل من حيث تصوير الواقع تصويرا مختلفا، ومقنعا أيضا إن نحن عدنا إلى طبيعته التنظيمية التي لا تبني على المتواتر من الأشكال المكررة.
هناك تماس ما بين الآراء، ذلك أنّ هذه المقاربات هي التي ستعاد في الطرح الغربي الجديد الذي ركز على التجميع والاستغلال، أو على ابتكار المعادلات الموضوعية لنقل الواقع بتجاوز آلياته التعبيرية التي فقدت القدرة على التأثير والإقناع، أو تلك التي لا تستطيع نقل الموضوعة والحسّ بتنويعات أكثر تدليلا على المادة التي يتم التبئير عليها في أي كتابة.
يتجلى هذا المنحى، بدرجات متفاوتة، في الأدب والفنون التشكيلية والمسرح والسينما، وفي حقول سردية وعلمية أخرى، وهو يختلف عن الخيال السلبي الذي يظهر في شكل انطباعات عفوية محسوسة لا تصدر عن وعي عملي له مسوّغاته السياقية ومقاصده المبنية على سلسلة من المقدمات المنطقية، بقدر ما يأتي مرتبكا ومترددا، أو خافتا ومتشظيا من حيث إنه لا يخضع لوعي سردي أو شعري منتظم.
يقول ابن سينا: "المخيل هو الكلام الذي تذعن له النفس فتبسط عند أمور، وتنقبض عند أمور من غير روية وفكر واختيار...سواء كان القول مصدقا أو غير مصدق، فإن كونه مصدقا غير كونه مخيلا أو غير مخيل: فإنه يصدق بقول من الأقوال ولا ينفعل عنه، فإن قيل مرة أخرى وعلى هيئة أخرى انفعلت النفس طاعة للتخييل، لا للتصديق". هناك تعليل دقيق لمفعول المخيّل في علاقته بالنفس البشرية، وليس بالعقل، أو بالصدق والكذب، لأن للهيئة دورا ضاغطا على المتلقي، بصرف النظر عن الصدق الذي ينتقل إلى مرحلة أدنى لأنّ المخيل ذو علاقة بالكفاءة القولية. أمّا الزعيم جواهر نهرو، رئيس وزراء الهند فيقدم منظورا متقدما قد يفيد الكتاب المقيدين بالواقعية الحرفية في التعامل مع الموضوعات السردية، أو باستهلاك المادة التاريخية لتمرير المعطيات المعلومة بأشكال معلومة، ودون هيئة مخصوصة مفارقة للمعيار، سواء كان محليا أو وافدا. يقول في رسالة إلى ابنته أنديرا بعد اطلاعه على ألف ليلة وليلة: "إن مملكة الخيال أصدق وأبقى من مملكة الواقع والحقائق". يتعلق الأمر ها هنا بالمحكيات كقيمة نصية ثانوية، وبالكيفيات الناقلة لها، أي بالهيئة عندما يتعلق الأمر بالفن.
نشير إلى أنّ المخيل نفسه قد يفقد وزنه التأثيري عندما يؤسس على المعاودة المستمرة للنموذج، وليس على الجهد الدال على الفرادة، كما أشار إلى ذلك غوته بعد تراجعه عن فكرة النموذج العالمي. إنّ الفعل النقلي يسهم في مصادرة كفاءة تخطي المتواتر من الكيفيات الموجهة للمؤلف، وعادة ما يؤدي إلى محاكاة لا قدرة لها على إقناع المتلقي الذي وصل إلى مرحلة من التشبع بسبب تبوأ الكيفيات المتماسة، أو تلك التي أصدرت عن تأثر إملائي، مكتفية بعرض الخيال الغيري الذي بنى على خصوصية، مانحا لنفسه قيمة اعتبارية ذات علاقة سببية بالمقام.
المخيّل العربي الجديد، في أغلبه، ظل ملوّثا بالتجارب التي استقدمت من الغرب، مع أنّ هذه الأخيرة استعملت خيالها خدمة للنموّ الحلقي للكتابة، وإذا كنا لا ننفي الطابع الإنساني للخيال السردي والشعري، فإننا لا ننفي وجود خيال خاص بكل أمّة، وبكل جيل لا يعيش في الماضي، مكتفيا بإرث القدامى. لذا قد يكون النقل الآلي تكريسا متجاوزا، وهدما للفرادة التي طالما أكد عليها بعض المبدعين وعلماء اللسان: المعنى لا يوجد إلا في الاختلاف، وحيث لا يوجد اختلاف لا يوجد معنى.
إن السعي لنقل الخيال دون تجاوز، ودون تبيئة تحتكم إلى أسس معرفية وجمالية ووظيفية مؤهلة لجعله معبّرا ومنتظما في سنن واعية، قابلة لمنطق تداولي، ودون وعي كاف بالتوطين كقيمة متعددة الأبعاد،لا يقدم إضافة للقارئ، بقدر ما يسهم في محاصرة الخيال الفردي والحدّ من اتساعه، شأنه شأن الموضوعات التي لا تشحذ الكيفيات. التضييق على الخيال بالمحاكاة يجعله منحسرا في مرجعية ضاغطة ليست ذات قيمة من حيث الفعالية، أو ينقله من الجهد الشخصي ليحتمي بمعطف الوافد، فاقدا بذلك شخصيته كحتمية لكل إبداع مستقل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.