روايات المخزن بشأن الصحراء الغربية " فقاعات هواء "    ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 57680 شهيدا    بجاية : لبحار تعرض لحادث على متن سفينة برتغالية    سعيدة: تدشين الوحدة الجمهورية الخامسة للأمن    موجة حر مرتقبة على أربع ولايات    بسطاء يسترزقون من بيع الخردوات    موجة الحرّ تُنعش تجارة القبعات الصيفية    رفع درجة التنسيق الأمني والعملياتي بين البلدين    تحيين إجباري للمعلومات ورقابة على أموال السياسيين    هكذا يتم توجيه تلاميذ "البيام" والأولى ثانوي    استمرار مجازر الاحتلال الصهيوني بحق العائلات الغزّية    المغرب يواصل سياسة غلق الإقليم المحتل أمام الأجانب    خيارات رئيس الجمهورية الاقتصادية بخطوات ثابتة للتجسيد    صد محاولات إدخال أزيد من 16 قنطارا من الكيف المغربي    "أفريكسيم بنك" سيضع الجزائر في قلب الشبكة المالية الإفريقية    التأسيس لصناعة حقيقية تلبّي حاجيات السوق وتدعم التصدير    تعزيز إجراءات اليقظة للوقاية من الحرائق    المراكز الثقافية الإسلامية سند لنشاط المساجد والزوايا    "من النسيان إلى الذاكرة" ثمرة تواصل مع المنفيين    شيتة يغادر وفسخ عقد الكونغولي مونديكو    الصيف موسم للعلاج والتجدد    "المحاربات" في مهمة التأكيد أمام تونس    وهران تناقش "دور المرأة في صناعة التاريخ"    إضفاء بُعد جديد للعلاقات مع دول جنوب شرق آسيا : الجزائر تنضم رسميا إلى معاهدة الصداقة والتعاون لرابطة "آسيان"    الاحتلال المغربي يواصل مسلسل الابتزاز والمضايقات بحق النشطاء الصحراويين    رخروخ وواضح يترأسان اجتماعا تنسيقيا..بحث آليات إدماج وترقية المؤسسات الناشئة في قطاع الأشغال العمومية    الفيلم الوثائقي التاريخي أداة هامة لتوثيق وفضح جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر    القمة العالمية لمجتمع المعلومات: السيد زروقي يبرز بجنيف جهود الجزائر في مسار التحول الرقمي الوطني    إدانات شديدة للقمع المخزني    سعيود يشرف على تخرّج 130 طالباً    تعديل قانون حماية الأشخاص في مجال معالجة المعطيات الشخصية يرمي إلى تفعيل التعاون الأمني والقضائي    العاب القوى/ الدوري الماسي 2025- مرحلة موناكو: مشاركة ياسر تريكي في مسابقة الوثب الثلاثي    مكافحة الحرائق: المديرية العامة للغابات تعزز اجراءات اليقظة    الرابطة الأولى "موبيليس" (شباب بلوزداد): انتخاب رشيد أوكالي رئيسا جديدا لمجلس الادارة    العاب القوى/ ملتقى "أركو بالينو أتلتيكا أوربا": فوز الجزائري عبد النور بن جماع بسباق 400م    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 57680 شهيدا و 137409 مصابا    معرض "أوساكا 2025" : السيد نذير العرباوي يحل بمدينة اوساكا للاشراف على اليوم الوطني للجزائر    أوباسانجو يشيد بتحضيرات الجزائر لتنظيم المعرض الإفريقي للتجارة البينية    هل يعود عوشيش إلى الخضر ؟    صناعة السيارات.. رسالة قوية للمتعاملين    المغرب بوابة مخدّرات    الكشف المبكر عن السكري عند الأطفال ضروريٌّ    مسابقة الكترونية في السيرة النبوية لفائدة تلاميذ الطورين الابتدائي والمتوسط    15 فرقة في الطبعة ال15    أسامة قدور أول الموقعين لمولودية وهران    "أوريدو" تطلق مسابقة سيناريو سينمائي حول الثورة التحريرية    هل سيغادر بلايلي الترجي؟    الصيدلية المركزية للمستشفيات تطمئن    ورشات وندوات فكرية، ثقافية وعلمية : المهرجان الوطني للثقافة والتراث النايلي .. لقاء الأصالة بالتكنولوجيا    تحذير من استعمال دواء مقلّد    مسرحية النصف الآخر تفوز بجائزة العنقود الذهبي    الصيدلية المركزية للمستشفيات تؤكد التزامها بضمان وفرة المستلزمات الطبية عبر التراب الوطني    هذا نصاب الزكاة بالجزائر    من اندر الاسماء العربية    جامع الجزائر : ندوة علميّة تاريخيّة حول دروس عاشوراء وذكرى الاستقلال    توقرت: قطاع الصحة يتدعم بعيادة طبية نموذجية متعددة الخدمات    سورة الاستجابة.. كنز من فوق سبع سماوات    نصاب الزكاة لهذا العام قدر بمليون و ستمائة و خمسة عشر ألف دينار جزائري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين يصبح التمركز الذاتي مرضا

تُعلِّمنا تجارب التاريخ أنّ أبناء كلِّ مدنيّةٍ يحملون الاعتقاد أنّ مدنيَّتهم تتفوَّق على غيرها من المدنيَّات السابقة أو المعاصرة لها.
والاعتقاد والشعور بذلك طبيعي لأنه ينبع من الأنا الجَمْعيّة، ومن نظرتها إلى نفسها بوصفها المصدر الذي لا مصدر غيرَهُ لأيّ معيار تُوزَن به الأشياء وتتراتب في القيمة والأهميّة.
والنظرةُ التي من هذا الجنس هي، حكمًا، نظرة متمركزة على الذات (أو مركزيّة ذاتيّة)، تُدْرَك فيها الذاتُ هذه بحسبانها مستودع الحقائق والقيم، وتُقْرَأ فيها الذّوات الأخرى تَبَعًا لمعيار قربها من، أو بُعدها عن، تلك الحقائق والقيم فيُحْكَم عليها، بالتّبِعية، على ذلك المقتضى.
ولا تَعْري جماعةٌ اجتماعيّةٌ وثقافيّة من هذا الشعور بالتمركُز الذاتيّ حتى وإنْ هي أصَابَها في تطوُّرها الكَبْوُ الشديد، وتَعَطّلت فيها فاعليّةُ العطاء والإبداع، ودخَلَتْ في أدوارٍ من الانحطاط والتكلُّس، بل حتى وإنْ هي انكسرتْ أمام المتغلِّب وأُجْبِرت على الخضوع لسلطانه.
من البيّن، إذن، أنّ الشعور بالتفوُّق وما يرافقه من منازِع من قبيل النظر إلى الآخر نظرةً دونيّة، وتخطِئتِه في اعتقاداته وقِيَمِه ليس سمةً خاصةً، وعلى نحوِ حصْريّ، بالمجتمعات المنتمية إلى المدنيّات المسيطرة والغالبة، بل هو يطال حتّى تلك التي لم يبْق لها ما تَعْتَدّ به سوى مدنيّاتها الماضية وأمجادها الغابرة.
على أنّ فارقًا، هنا، ينبغي أن نلْحظه ولا نُسيءَ إدراكَهُ، حين يشعُر مَن يشعُر بتفوُّقِ مدنيّته، وهي في حال غَلَبة، يتلازم شعورُهُ هذا مع مَيْلٍ صريحٍ إلى احتقار الآخر، غيرِ المنتمي إليها، وإلى الإزدراء بقيمه وعدِّها مجافيَةً للحضارة.
أمّا حين يشعُر مَن يشعُر بتفوُّق قيمه – بعد زوال مدنيّته – فلا يكون شعُورُه ذاك، في حساب الواقع، أكثر من تَعْزيةٍ للنفس ومحاولةٍ لبعث التوازُن فيها بعد أنِ اخْتَلَّ بسلطان مدنيّةٍ أخرى.
التمركُز الذاتيّ لدى المجتمعات الغالبة له من الموارد الماديّة والمعنويّة ما به يُعَزِّز نفسَه ويأخذها إلى فكرة تفوّق النموذج الحضاريّ الذي تنتمي إليه مجتمعاتُه، وهو لذلك فعّال، اقتحاميّ، وداعٍ باستمرار إلى التحاق المجتمعات الأخرى بنموذجه.
أمّا التمركز الذاتيّ للمجتمعات المغلوبة فما من موردٍ له سوى الموارد الرمزيّة، لذلك هو يبدو انكفائيًّا حتى والمعبّرون عنه يدعون غيرهم إلى مشاركتهم اعتقاداتهم الصحيحة وقِيَمَهُم السديدة، ذلك أنّهم إنّما يحملون فكرةً رمزيّة – وربّما متخيَّلَة – عن نموذجٍ حضاريّ بديل شهِد على شكلٍ من التحقُّق في التاريخ، ولو في زمنٍ مضى، وأملهم إنّما في استعادته ثانيًا.
على أنّ من يستبدّ بهم الشعورُ بالتفوُّق الحضاريّ، ومدنيَّتُهم في حالٍ من الغلبة، لا يميّزون في الآخرين – غير المنتمين إلى مجتمعاتهم – بين من هو منكفئ على نموذج مدنيّته القديم لا يبغي غيرَه بديلاً ولا يجعل له منافسًا، فيرفض الاعتراف لنموذج المدنيّة الغربيّة القائم بشرعيّة الوجود أو، على الأقلّ، بشرعيّة أداء الدور الحضاريّ بما يُمكّن مجتمعات أخرى – غير غربيّة – من الاستفادة من ثمراته ومكتسباته، و(بين) مَن هو منفتح على مدنيّة الآخر، ناهلا من معطياتها وقيمها، ومقحما إيّاها في منظومة تفكيره وسلوكه، غيرَ رافضٍ لها كمدنيّة. هؤلاء وأولئك- على ما بينهم من اختلافٍ شديد – هُم واحدٌ يَجْمَعُهم وصفُ “الآخر” بالنسبة إلى المسكون بفكرتيْ التفوُّق والمغايَرة، ونظيرُ هذه الحال نجده في الضفّة الأخرى، المسكون بفكرة تفوُّق النموذج الحضاريّ القديم – الذي يرزح في قيود المغلوب – لا يميّز في آخَرِه بين المنكفئ على نموذج مدنيّته، الرافض لغيرها، والمنفتح على مدنيّات وثقافات وقيم أخرى. هؤلاء وأولئك، عنده، سواءٌ يجْمَعُهُم تَحَدُّدُهم بالنسبة إليه كآخر.
ومن النافل القول إنّ الفريقيْن معًا يشتركان في حمْل النظرةِ المطلقيّة Absolutiste عينِها إلى الآخر، هذا الذي يبدو، في منظار كلٍّ منهما، كلِّيّةً مغلقة لا تناقُض يخترقها، بل ولا تَعَدُّد يغشاها!
قلنا إنّ هذه النظرة المركزيّة الذاتيّة متولّدة من شعورٍ طبيعيّ لدى الجماعات الإنسانيّة الوَلعِ كلٌّ منها بأناهُ الجمعيّة،. وهذا أشبهُ ما يكون بشعور الإنسان المفرَد تجاه غيره، إنّه شعور الإعزاز للذات والاعتداد بها إلى حدود النرجسيّة وأحيانًا، إلى حدود الأنانيّة.
غير أنّ المشكلة تبدأ حين يصير هذا الشعورُ الطبيعيّ شعورًا غيرَ طبيعيّ، أي حالاً مَرَضيّة متأزمة يولِّد الإفصاح عنها مشكلات وأزْمات؛ عند من يعبّر عنها وعند مَن يقع عليه تعبيرُ مَن يعبّر عنها.
تلك، مثلاً، هي الحالة التي يُنجب فيها التمركز الذاتيّ شعورًا حادًّا بكراهيّة الآخر، والنقمة عليه والرغبة في إلحاق الأذى به، والانتقال به من محض مشاعر إلى أفعال ماديّة.
ونحن لن نستطيع أن نفهم أسباب كثيرٍ من الظواهر السياسيّة العدوانيّة والخطيرة، التي تجري وقائعها على مسرح العالم اليوم، مثل الحروب الظالمة التي تُشَنّ على دولٍ ومجتمعات صغيرة من أخرى أكبر، والإرهاب الذي تمارسه جماعات متطرّفة منظّمة، على مجتمعات الآخر وعلى مجتمعاتها، من دون أن نعود بها إلى تلك اللحظة المَرَضيّة التي يبلُغها الشعور بالتمركز الذاتيّ، والتي تسوِّغ للمصابين بها إتيان أفعالٍ نكراء لا إنسانيّة.
سكاي نيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.