وزارة التربية تمكنت من "رقمنة ما يزيد عن 60 وثيقة رسمية    الجالية "امتداد للجزائر وجزء لا يتجزأ من شعبها"    الفلاح ملزم بالإنخراط في مسعى تحقيق "الإكتفاء الذاتي"    تطرقنا إلى السيناريوهات العملية لإنتاج النظائر المشعة محليا    الرابطة الأولى موبيليس: م.الجزائر تضيع فرصة الابتعاد في الصدارة, وشبيبة القبائل ترتقي الى الوصافة    أمطار رعدية ورياح قوية في 15 ولاية    توقف صاحب الفيديو المتعلق ب "نفوق 3 أضاحٍ مستوردة"    وصول باخرة محملة ب 13 ألف رأس غنم    إطلاق جائزة أحسن بحث في القانون الانتخابي الجزائري    بدء عملية الحجز الالكتروني بفنادق مكة المكرمة    جيدو/ بطولة إفريقيا فردي 2025 (اليوم الثاني والاخير): الجزائر تحرز أربع ميداليات جديدة    الرئيس تونسي قيس سعيد يزور جناح الجزائر    عطاف ينوّه بالإرث الإنساني الذي تركه البابا فرنسيس    الجزائر أمام فرصة صناعة قصة نجاح طاقوية    دينو توبمولر يدافع عن شايبي    لا حديث للاعبي "السياسي" إلا الفوز    مولودية وهران تفوز ومأمورية اتحاد بسكرة تتعقد    التنسيق لمكافحة التقليد والممارسات غير الشرعية    إطلاق جائزة لأحسن بحث في القانون الانتخابي    تعزيز التعاون الجزائري التركي في القانون الدستوري    3 بواخر محملة بالخرفان المستوردة    ملتقى دولي حول مجازر8 ماي 1945    10 ملايير لتهيئة الطريق الرئيسي بديدوش مراد بولاية قسنطينة    سكان قطاع غزّة يواجهون مجاعة فعلية    ابنة الأسير عبد الله البرغوتي تكشف تفاصيل مروعة    "الشفافية لتحقيق الأمن الغذائي" في ملتقى جهوي بقسنطينة    انطلاق الحجز الإلكتروني لغرف فنادق مكة المكرمة    جاهزية تامة لتنظيم موسم حج 2025    عدسة توّثق جمال تراث جانت بشقيه المادي وغير المادي    بحث سبل استغلال مخزون لم يكتشفه العالم    ورقلة: التأكيد على أهمية ترقية ثقافة التكوين المتواصل في المؤسسات الإعلامية    تلمسان في الموعد    مُلتزمون بتحسين معيشة الجزائريين    توقيع مذكرة تفاهم في مجال البحث والتطوير    تعميم رقمنة الضرائب خلال سنتين    عطاف يوقع على سجل التعازي إثر وفاة البابا    مزيان يُحذّر من تحريض الجمهور    هذا موعد بداية بيع الأضاحي المستوردة    صالونات التجميل تحت المجهر    صيدال يوقع مذكرة تفاهم مع مجموعة شنقيط فارما    مشاركة جزائرية في الطبعة ال39 لمعرض تونس الدولي للكتاب    السيد مزيان يؤكد على أهمية التكوين المتخصص للصحفيين لمواكبة التحولات الرقمية    أفضل لاعب بعد «المنقذ»..    بسبب بارادو وعمورة..كشافو بلجيكا يغزون البطولة المحترفة    إعادة دفن رفات شهيدين بمناسبة إحياء الذكرى ال67 لمعركة سوق أهراس الكبرى    تربية: إطلاق 3 منصات إلكترونية جديدة تعزيزا للتحول الرقمي في القطاع    "زمالة الأمير عبد القادر"...موقع تاريخي يبرز حنكة مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة    حج 2025 : إطلاق برنامج تكويني لفائدة أعضاء الأفواج التنظيمية للبعثة الجزائرية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51495 شهيدا و117524 جريحا    الجمباز الفني/كأس العالم: تأهل ثلاثة جزائريين للنهائي    أكسبو 2025: جناح الجزائر يحتضن أسبوع الابتكار المشترك للثقافات من أجل المستقبل    الأونروا: أطفال غزة يتضورون جوعا    المجلس الشعبي الوطني : تدشين معرض تكريما لصديق الجزائر اليوغسلافي زدرافكو بيكار    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس بورقيبة وبن علي… مَن الثالث؟
نشر في الحياة العربية يوم 13 - 02 - 2021

الفرد الحاكم له قوةٌ في حضوره وفي غيابه. إذا حضر ملأ حياةَ الناس بقوته عبر القرارات التي ترسم تفاصيل حياة الناس بكل ما فيها من مسارات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها. لكل حاكم منهج في أسلوب إدارة الدولة، وله خطابه الذي يشكل في امتداداته المسموعة والمرئية نسيج الوصل مع شعبه. تونس تمثّل حالة فريدة تجسّد ما نقوله.
قام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بتصميم مشروع اجتماعي شامل نفذه بقوة القرار والخطاب. بعد أن نقل تونس من حكم البايات، وأنهى الوصاية الفرنسية على البلاد وأجلى وجودها العسكري، اندفع في بناء مجتمع قضى سنوات طويلة في رسمه. أصدر تشريعات شملت كل مناحي الحياة، ووضع مناهج تعليمية تفتح أبواب السبيل لتحقيق حلمه في بناء تونس حديثة. نجح في إزالة الكيانات القبلية التي كانت تسمى العروش، وفتح أبواب التعليم للمرأة ودفع بها للمشاركة في كل مناحي النشاطات المختلفة وأعاد تأهيلها اجتماعياً لذلك. كان منع تعدد الزوجات قراراً ترتب عليه وجود جديد للمرأة التونسية، وفُتحت أبواب المدارس والجامعات لها. قال صراحة ولمرات كثيرة، إنَّ التنمية الشاملة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، هي المطلب الأول للبلاد، وبذات الصراحة أعلن أن الدخول في تعددية حزبية باسم الديمقراطية، سيعوق ما أطلق عليه الجهاد الأكبر، واعتمد على حزبه الواحد في الحكم وإدارة شؤون الدولة. لم يتبنَّ بورقيبة آيديولوجيا معينة، وإن رفع شعار الاشتراكية التي كان لها مفهوم وتطبيق خاص في سياساته. ابتعد عما ساد المنطقة العربية من اصطفافات إقليمية وصراعات عابرة للحدود، وكان أقرب للكتلة الغربية بمكونيها الأوروبي والأميركي، وفي الوقت ذاته حافظ على علاقة متوازنة مع الكتلتين الشرقية والغربية. كان الحبيب بورقيبة خريج أكاديمية زمانه بما فيها من نضال سياسي ودراسة بفرنسا وثقافته الواسعة ومعرفته بالنسيج الاجتماعي التونسي. قاوم الاستعمار الفرنسي، لكنه بعد توليه قيادة البلاد طوى صفحة ماضي البلاد مع فرنسا، وحافظ على اللغة الفرنسية بمناهج التعليم التونسية، واستمرت في التداول، خاصة بين النخبة. رأى في اللغة الفرنسية نافذة للبلاد على الغرب، بلاد الحضارة والتقدم والمدنية. رحل بورقيبة عن السلطة بعد انقلاب وزيره الأول زين العابدين بن علي عليه في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1987، تولى بن علي رجل الأمن وأول جنرال يتولى منصب رئاسة الوزراء. في بداية عهده أظهر مرونة بينة مع المعارضة، وأفرج عن السجناء منهم، وتصالح مع التيار الإسلامي، وبدأت الإذاعة والتلفزيون التونسيان يرفعان الأذان، ووسع هامش حرية الرأي، لكن ذلك لم يدم طويلاً فقد بدأ في فرض قبضة شديدة على المعارضة والتضييق على حرية الرأي في وسائل الإعلام كافة. انتهج زين العابدين سياسة اقتصادية حققت نسبة عالية في معدلات التنمية، لكن رائحة الفساد كانت نسبتها أعلى بكثير. لم يمتلك الرئيس زين العابدين قدرات بورقيبة الخطابية وشفافيته المالية الشخصية، ولجم أسرته عن التدخل في الشؤون المالية تحديداً.
عبر سنوات صار بورقيبة رمزاً وطنياً وارتبط اسمه باستقلال البلاد وتحديثها وحضوره الطاغي في مسار الحياة اليومية التونسية، وتقبل التونسيون عنوانه الوطني وهو المجاهد الأكبر، وصدحت وسائل الإعلام من دون توقف بالأغاني والأناشيد والأذكار التي تمجده وصارت أغنية «يا سيد لسياد يا حبيبي بورقيبة الغالي»، النشيد الوطني الثاني بعد «حماة الحمى يا حماة الحمى… هلموا هلوا لمجد الزمان…. لقد صرخت في عروقنا الدمَا… نموت نموت ويحيا الوطن». بحكم تغيرات الزمان والناس والحياة، كان الرئيس زين العابدين بن علي غير الحبيب بورقيبة ولكل منهما تونسه. في العهدين البورقيبي والزيني، كانت البلاد تستظل بظل الفرد الأوحد فهو من يحتكر القرار ويمثل الأب والرمز بنسبة أو بأخرى. في يناير (كانون الثاني) 2011 رحل الرمز الوريث لتونس البورقيبية زين العابدين بن علي، وبدأت رحلة في مسار طويل تداخل في زحمته شخوص دفعها تيار الآيديولوجيا والسياسة والمال. تداول على السلطة العائمة أسماء كثر أبرزهم الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، الذي جمع ميراث الزمن التونسي بقوس قزحه السياسي والقانوني والسياسي.
المشهد السياسي المعيش اليوم في تونس سريع التغيير وغاية في التعقيد. دولة على قيادتها ثلاثة رؤوس؛ قيس سعيد رئيس الجمهورية، وراشد الغنوشي وله قبعتان؛ زعامة حزب النهضة الإسلامي ورئاسة مجلس النواب، والمشيشي رئيس الحكومة. يزاحمهم في المشهد الاتحاد التونسي للشغل الحاضر دائماً، وزعيمة الحزب الحر الدستوري عبير موسي، وهي المرأة التي تتحدث بلسان بورقيبي وتقود حزباً وارثاً لما تركه، ولا تغيب عن صوتها المرتفع داخل مجلس النواب وخارجه، المعارضة الصارخة للغنوشي وحزبه وفكره.
في ظل المخاض الذي يرتفع ويتسع، وما تعيشه البلاد من خلافات بين الرؤوس المتعددة التي تقف فوق أكتاف البلاد، يلوح الحنين الصامت إلى الأب الرمز الذي يكفي الجميع صخب التعدد والاختلاف، ويواجه بقوة سلطته ورمزيته الضائقة المالية التي تعيشها البلاد، وتصادم التيارات والشخصيات والفوضى الحزبية التي تخوض معارك صوتية في قاعة مجلس النواب، وغضب الناس المندفع في مظاهرات في شوارع البلاد من دون بريق أمل. تونس بعد عقد من ثورتها لا تزال تبحث عمن يرسم لها إشارات المرور التي تهديها إلى السبيل الحلم، تكوين أو تنظيم أو زعيم، فيه من بورقيبة وبن علي فمن سيكون الثالث؟
الشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.