وزارة التربية تؤكد: تسوية وضعية الانتدابات النقابية إجراء قانوني لحماية المعنيين لا للتضييق عليهم    قانون الاستثمار 18/22 ركيزة للأمن القانوني وتحفيز الاستثمار في الجزائر    تساقط ثلوج وأمطار رعدية بعدة ولايات ابتداءً من اليوم    رفض عربي وإسلامي واسع لاعتراف الكيان الصهيوني ب"أرض الصومال" وتحذير من تداعيات خطيرة على الأمن الدولي    وزارة العدل تنظم لقاءات دراسية لتعزيز الإطار القانوني لمكافحة الاتجار بالبشر وحماية الضحايا    الرقمنة خيار استراتيجي لقطاع العمل: إلغاء 27 وثيقة ورقية وتوسيع الخدمات الرقمية لفائدة المواطنين    دار الثقافة ابن رشد بالجلفة تحتضن الملتقى الوطني الثاني للأدب الشعبي الجزائري    الخطوة تأتي في سياق تأبى فيه الجزائر إلا أن تكون ندا للدول الكبرى    افتتاح الملتقى الوطني حول "الأمن القانوني وأثره على التنمية الاقتصادية"    غارات عنيفة يشنها الاحتلال الصهيوني    فلسطين : الاحتلال الصهيوني يعتقل 8 مواطنين    ضرورة تعزيز مكانة الجزائر كمركز موثوق اقتصاديا وآمنا قانونيا    أيام تحسيسية واسعة لمكافحة تعاطي وترويج المخدرات في الوسط المدرسي    برودة شديدة على العديد من ولايات الوطن    انخفاض أسعار النفط بأكثر من 2 بالمائة    البليدة : افتتاح المهرجان الثامن لموسيقى وأغنية العروبي    أم البواقي : تنظم مهرجان البراعم بعين مليلة    أعرب عن "فخري" بالتاريخ الوطني لعائلتي رجالا ونساء    آغور مهني يتبرّأ من أفعال والده ويتمسّك بالوحدة الوطنية    رقمنة الخدمات وتوسيع الشبكة خلال 2026    قانون تجريم الاستعمار جاء لتكريس العدالة التاريخية    قانون تجريم الاستعمار الفرنسي قرار سيادي لصون الذاكرة    تراجع فاتورة واردات البيع على الحالة إلى 7 ملايير دولار    فتح الأفق لشراكات تسهم في دفع التنمية الاقتصادية    التصويت بالإجماع على قانون تجريم الاستعمار وفاء لرسالة الشهداء    الجزائر تهيب بكافة الأطراف اليمنية للتحلّي بروح المسؤولية    بيت الجدة.. بين الشوق ومتاعب الأحفاد    شكولاطة الأسواق تحت المجهر    التنمية تغيّر وجه منطقة سيدي بختي    نخبة العدو الريفي تختتم تربص بجاية الإعدادي    صدور كتاب "رحلتي في عالم التعبير الكتابي"    "الخضر" لتأمين التأهل للدور ثمن النهائي    اتحادية الشطرنج تختار ممثلي الجزائر في الموعدين العربي والقاري    وكالة النفايات تحسّس    لوكا زيدان فخور    الخضر .. بين الثقة والحذر    شنقريحة يوقّع على سجل التعازي    بداري: الجامعة الجزائرية ماضية    تكريم رئاسي لعلّامة بارز    لاناب تحتفي ب خليفة    برنامج علمي وروحي بجامع الجزائر لفائدة 52 طالباً من أبناء الجالية بالخارج    منجم "غار اجبيلات" رسالة قوية تكرس مبدأ السيادة الاقتصادية الوطنية    خنشلة : توقيف 04 أشخاص و حجز صفيحة مخدرات    غارات عنيفة يشنها الاحتلال الصهيوني    تمديد مدة المرحلة الثانية للتلقيح ضد شلل الأطفال    انطلاق الطبعة14 لمهرجان موسيقى الحوزي    معنى اسم الله "الفتاح"    .. قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا    مستعدون لتقديم كل ما لدينا من أجل الفوز    تغلب ضيفه مستقبل الرويسات بثنائية نظيفة..اتحاد العاصمة يرتقي إلى الوصافة    الرابطة الأولى موبيليس : الكشف عن برنامج الجولة ال14    التقوى وحسن الخلق بينهما رباط وثيق    الجزائر ماضية في ترسيخ المرجعية الدينية الوطنية    اتفاقيات لتصنيع أدوية لفائدة شركات إفريقية قريبا    التكفل بمخلفات المستحقات المالية للصيادلة الخواص المتعاقدين    صحيح البخاري بمساجد الجزائر    صناعة صيدلانية: تسهيلات جديدة للمتعاملين    انطلاق المرحلة الثانية للأيام الوطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزاعات الأنهار… متى تعود المياه إلى مجاريها؟
نشر في الحياة العربية يوم 23 - 03 - 2021

بعد عشر سنوات من انطلاق مشروع «سد النهضة» الإثيوبي على النيل الأزرق، ووصول الإنشاءات إلى نحو 80 في المائة، كررت إثيوبيا رفضها للتحذيرات المصرية والسودانية وتمسكها بملء السد. كما رفضت أديس أبابا مقترح «وساطة رباعية» من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوربي، إلى جانب الاتحاد الأفريقي.
لقد صبرت مصر كثيراً على التمادي الإثيوبي في إيذاء العلاقات التاريخية مع مصر، وقدمت كل ما تستطيع، ووعدت بإقامة مشاريع مشتركة مع إثيوبيا في مجالات مختلفة، مقابل عدم التعرض لحصة مصر من مياه النيل.
في عام 1929 وقعت الحكومة البريطانية، بصفتها الاستعمارية، نيابة عن ثلاث دول من حوض النيل (أوغندا وتنزانيا وكينيا)، اتفاقية مع الحكومة المصرية تُقِرّ بموجبها هذه الدول بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وأنَّ لها الحق في الاعتراض (فيتو) في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده. وفي عام 1959 تم في القاهرة توقيع اتفاقية بين مصر والسودان، جاءت مكملة لاتفاقية 1929 وليست لاغية لها، «حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان، في ظل المتغيرات الجديدة التي ظهرت على الساحة آنذاك، وهي رغبة مصر في إنشاء السد العالي ومشروعات أعالي النيل لزيادة الواردات النهرية وإقامة عدد من الخزانات في أسوان». وتم إنجاز السد العالي في ملحمة تاريخية بعد أن رفضت الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي تمويل المشروع، ما دفع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إلى تأميم قناة السويس وقيام حرب 1956 بين مصر من جهة، وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل من جهة أخرى. واستعان عبد الناصر بالاتحاد السوفياتي في زمن رئيس الوزراء نيكيتا خروشوف في تنفيذ المشروع وتم افتتاحه في عام 1964.
أثار المشروع الإثيوبي لبناء «سد النهضة» غضب مصر واحتجاجها لعدم استشارتها في التفاصيل العامة، ولأنه يؤثر على واردات النيل إلى أراضيها، وجرت سلسلة اجتماعات على مدى عدة سنوات للتوصل إلى اتفاقية ملزمة مصرية – سودانية – إثيوبية بضمانات إثيوبية بعدم المساس بحصتي مصر والسودان من مياه أطول أنهار العالم؛ إلا أنَّ الاجتماعات فشلت في التوصل إلى الاتفاقية بعد أن تحجَّجت أديس أبابا بسيادتها على النهر وحقها في إقامة السد. وهي حجج قابلة للتكرار في المستقبل لتغيير مجرى النيل كله، ما لم يتم التوصل إلى اتفاقية ملزمة بعدم الإضرار بحقوق مصر والسودان النهرية.
ومشكلة الأنهار عابرة الحدود تعاني منها أكثر من دولة عربية واحدة، في مقدمتها العراق الذي يعاني من شحة مياه نهر الفرات بسبب السدود التركية والسورية منذ السبعينات من القرن الماضي وحتى اليوم. بالإضافة إلى تكرار المشكلة مع نهر دجلة الذي ينبع من جبال طوروس جنوب شرقي الأناضول في تركيا أيضاً. حيث بَنت أنقرة أكثر من سد، وحولت مجاري عِدة روافد كانت تصب في نهر دجلة. وفعل النظام الإيراني الحالي الأسلوب نفسه في روافد نهر دجلة «الزاب الأعلى، والزاب الأسفل والعظيم والوند وديالى»، ثم تحويل مجرى نهر الكارون إلى داخل إيران بعد أن كان يصب في شط العرب، وهو ملتقى نهري دجلة والفرات منذ آلاف السنين.
العراق ومنذ فترة طويلة لم يحتج على السلوك الإيراني المجحف، الذي أدى إلى تقليص مياه دجلة وجفاف معظم أهوار الجنوب، ما أدَّى إلى عطش شديد في محافظة البصرة، بعد أن اندفعت مياه الخليج العربي المالحة إلى حوض شط العرب بدلاً من العكس.
وكان شط العرب موضع نزاع بين العراق الجمهوري وإيران الملكية في الستينات من القرن الماضي وما قبلها، إلى أن تم اللجوء إلى اقتسام المجرى حسب خط التالوك الذي تم الاتفاق عليه في الجزائر بوساطة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، وبحضور الرئيس العراقي صدام حسين (كان نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة في حينه) وشاه إيران محمد رضا بهلوي. لكن العراق في عام 1980 رفض ذلك، مؤكداً أن شط العرب كلَّه نهر عراقي، ما أدى إلى اندلاع الحرب العراقيةالإيرانية التي دامت ثماني سنوات، قبل أن يوافق الخميني على وقف الحرب.
وتَرافَق سوء العلاقات السياسية بين بغداد ودمشق في السبعينات مع مشكلة نهر الفرات، بسبب قيام سوريا بإنشاء سد جديد على النهر، ما أدى إلى جفاف النهر في المحافظات العراقية الوسطى والجنوبية. وشهدت محكمة العدل الدولية في لاهاي خلال العقود الماضية عدداً من القضايا حول استخدام الأنهار المجحف أو غير المنصف، إلا أن المشكلة ظلت قائمة.
وفيما يخص البحار المالحة والمحيطات المتجمدة، يشهد العالم مشاكل يصل بعضها إلى التلويح بالحرب حول المياه الإقليمية لكل دولة. ولذلك اعتمدت الأمم المتحدة في عام 1982 اتفاقية لقانون البحار تحمل شعارها، ويشمل الموارد المائية المشتركة على هذا الكوكب. وأسهمت الاتفاقية في حل عدد كبير من القضايا المتعلقة باستخدام البحار والمحيطات وتحديد السيادة فيها. وأدَّت الاتفاقية إلى إقرار حقوق حرية الملاحة في المياه الدولية، وتعيين الحدود البحرية الإقليمية ب12 ميلاً بحرياً من الساحل، وتحديد المناطق الاقتصادية إلى مدى 200 ميل بحري من الساحل. وكذلك إرساء قواعد أوسع لنطاق حقوق الجرف القاري الذي يصل إلى 350 ميلاً بحرياً من الساحل. وتم وضع آليات أخرى لحل النزاعات بين الدول. إلا أنَّ أهم وأخطر إجراء تم اتخاذه هو إنشاء سلطة دولية لقاع البحار من بين أهدافها منع استخدام الأسلحة النووية في تلك القيعان العميقة، واعتبارها خارج حدود الولاية الوطنية لأي دولة، وهي تراث مشترك للإنسانية. وبالنسبة للقطبين الشمالي والجنوبي، تم اعتماد مدونة دولية للسفن العاملة في المياه المنجمدة.
وأولت الأمم المتحدة اهتماماً خاصاً بجرائم القرصنة البحرية وتأثيراتها الاقتصادية على أمن الملاحة البحرية. واهتمت المنظمة الدولية أيضاً بالمحيطات وجعلت يوم 8 يونيو (حزيران) من كل عام يوماً عالمياً للمحيطات تجري فيه احتفالات خاصة بجمالها وثرواتها، وهي المحيط الهادئ، وهو أكبرها، والمحيط الأطلسي والمحيط الهندي والمحيطان المتجمدان الشمالي والجنوبي. ولم تكتفِ المنظمة الدولية بذلك، فأطلقت على السنوات (2021 – 2030) تسمية «عقد علوم المحيطات» من أجل التنمية المستدامة لدعم الجهود المبذولة في عكس دورة التدهور في صحة المحيطات. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن «استعادة قدرة المحيطات على احتضان البشرية وتنظيم المناخ يمثل تحدياً حاسماً». وذهب غوتيريش إلى القول: «بحلول عام 2050 قد يكون هناك بلاستيك أكثر من الأسماك في البحار والمحيطات». وقدرت الإحصائيات عدد سكان سواحل المحيطات ب300 مليون شخص حالياً. وللأسف فإن المغرب هي الدولة العربية الوحيدة المؤسسة لتحالف عقد علوم المحيطات، مع أن الدول العربية التي تقع سواحلها على المحيطات هي المغرب وموريتانيا على المحيط الأطلسي، بينما تقع على المحيط الهندي من الدول العربية الإمارات وعُمان والصومال واليمن وجزر القمر وجيبوتي، ولا تقع أي دولة عربية على المحيط الهادئ وهو أكبر محيطات الكرة الأرضية. وتم في عام 1996 تأسيس رابطة للدول المطلة على المحيط الهندي للتعاون الإقليمي.
وهذا الواقع يدفع إلى التساؤل عن إمكانية قيام روابط تعاون وتنمية مستدامة بين الدول التي تمر بها أنهار عابرة للحدود مثل الدانوب الذي يمر في عشر دول أوروبية؛ هي ألمانيا والنمسا وسلوفاكيا وأوكرانيا ورومانيا وبلغاريا ومولدافيا وكرواتيا والمجر وصربيا. أما نهر الأمازون في أميركا الجنوبية فيمر في سبع دول؛ هي البرازيل وبيرو وبوليفيا وكولومبيا وفنزويلا والإكوادور وغويانا. ومن باب أولى من غيره، يمكن لهذه الروابط أن تُحِل أي مشاكل بين الدول المتشاطئة مثل اقتسام المياه والتشارك في إقامة السدود ومعالجة التلوث البيئي والصيد والملاحة والفيضانات الموسمية والخزانات ومحطات الكهرباء أو الطاقة النووية وحتى الجسور والأنفاق والمدن الجديدة.
ونهر النيل، وهو موضوع الساعة واليوم والعام في مصر والسودان وإثيوبيا يحتاج إلى رابطة تعاون فعالة من المنبع إلى المصب. وهو يمر في الكونغو الديمقراطية وبوروندي ورواندا وتنزانيا وكينيا وأوغندا وإثيوبيا وجنوب السودان والسودان وينتهي في مصر.
لا يمكن لأي منصف إلا أن يكون مع حقوق مصر والسودان في مياه النيل وخشيتهما من أن يؤدي «سد النهضة» الإثيوبي إلى تقليص حصتي البلدين من المياه، وهي شريان الحياة فيهما منذ أعماق التاريخ إلى يومنا هذا.
للنيل غنت أم كلثوم من شعر شوقي: «مِن أَيِّ عَهدٍ في القُرى تَتَدَفَّقُ… وَبِأَيِّ كَفٍّ في المَدائِنِ تُغدِقُ».
وللنيل كذلك أنشد محمد عبد الوهاب من شعر محمود حسن إسماعيل: «مسافرٌ زادهُ الخيال… والسحر والعطر والظِّلالُ… ظمآنُ والكأسُ في يديهِ… والحبُّ والفنُّ والجمالُ». وللنيل غردت فيروز من كلمات الأخوين الرحباني: «كتب النيل على شطه… قصصاً بالحب تلتهبُ».
الشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.