ما تزال الأطلال الباهتة لسجن النساء بتفلفال في غسيرة (باتنة) شاهدة على واحدة من أفظع الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي خلال الثورة التحريرية، حيث زُج في هذا المعتقل الفريد من نوعه سنة 1955 بنساء المجاهدين وأطفالهن الرضع، في مشهد يعكس وحشية الاحتلال الذي لم يتردد في تحويل الأنوثة إلى هدف للبطش والانتقام. بين جدران هذا السجن المهدم اليوم، تسكن الحكايات الموجعة لنساء عشن الرعب الليلي والكوابيس التي لا تنتهي. زينب برسولي، 85 سنة، ما تزال تستعيد بمرارة أصوات الجنود الفرنسيين وهم يقتحمون المكان كل ليلة مصحوبين بعناصر اللفيف الأجنبي، يتذرعون ب"تفقد السجينات"، بينما الحقيقة كانت ترهيبهن وضربهن وسط صرخات الأطفال. "حتى نور المصباح يخيفني اليوم لأنه يعيد إليّ تلك الليالي"، تقول زينب بصوت يختلط بالرهبة. جمعة سليماني، 95 سنة، ما زالت عاجزة عن المرور قرب القرية التي احتضنت المعتقل. "أغمض عينيّ في السيارة عند الاقتراب من تفلفال... المشهد يعيدني إلى سنوات الاعتقال البعيدة عن أهلي وأطفالي"، تروي وهي ترتجف من الذكرى. أما حلماط مباركة، 97 سنة، فقد سجّلت في ذاكرتها صورة أشلاء الشهيدات سايغي رقية، مفتاح عائشة، رقية قريبتها، وزاني محبوبة، بلعايش فطيمة وطفليها أحمد وفاطمة، حين فجّر الاستعمار المعتقل فوق رؤوس السجينات في سبتمبر 1955. لم يكن التفجير سوى عقابًا انتقاميًا على خسائر مني بها جيش الاحتلال بعد هجوم المجاهدين على مركز تفلفال العسكري. "قضينا الليل بين الجثث والروائح الكريهة بعدما رمى الجنود الحيوانات المقتولة فوقنا... كانوا يتلذذون بعذابنا"، تضيف مباركة. لم يكن سجن تفلفال مجرد جدران، بل أداة ضغط على المجاهدين وتضييق على الثورة. شهادات معتقلات أخريات، مثل عبيد الله ذهبية ونصراوي هنية والشامخة بن رحمون، تكشف أنه كان منزلاً كبيرًا نُهب من أحد السكان وحُوّل إلى معتقل يضم عشر غرف وساحة ضيقة. النساء كن مجبرات على المبيت فيه بعيدًا عن أطفالهن، باستثناء الرضع، وسط ظروف غير إنسانية. ومن تتأخر عن الالتحاق تُعاقب أو قد تطلق عليها النار. وبعد انهيار المعتقل الأول، أقام الاستعمار معتقلًا آخر في المكان المسمى "إسقسوقن" بتفلفال، جُمعت فيه أزيد من 300 امرأة من زوجات المجاهدين، فُرضت عليهن الإقامة الجبرية ولم يُسمح لهن بالمغادرة إلا لساعات معدودة لجلب الطعام، بينما بقي المعتقل خاليًا من أدنى ضروريات الحياة. رغم محاولات متكررة من المجاهدين لفك الحصار عن النساء، إلا أن تحصين الموقع العسكري حال دون ذلك، لتظل معاناة السجينات مستمرة إلى غاية الاستقلال. واليوم، لم يبق من المعتقل سوى أطلال، غير أن بلدية غسيرة نصبت جدارية ضخمة تحمل أسماء وصور المعتقلات تخليدًا لتضحياتهن، في اعتراف دائم بأن سجن النساء بتفلفال سيظل جرحًا مفتوحًا ووصمة عار على جبين الاستعمار الفرنسي.